أحكام القيمة والكليشيهات الجاهزة لا تخدم قضية الطفل عدنان
أحكام القيمة والكليشيهات الجاهزة التي تبادلها الطرفان المختلفان حول نوعية العقوبة التي يجب إلحاقها بالمجرم، هي الدليل الصارخ على أننا في حاجة ماسّة لتحصين عقولنا من خطر الانجراف نحو الفكر الأحادي، وهي مؤشّر على أن الأصولية الفكرية قد تجد تعبيراتها وملاذاتها الآمنة ذات اليمين وذات الشمال
أسفر مقتل الطفل عدنان عن أشكال مختلفة من التعبير عن الغضب جراء هذا الفعل الشنيع، وتوشّحت فضاءات الشبكات الاجتماعية ومقالات الصحف بالسواد، كما تناقلت وسائل الإعلام الوطنية وحتى الدولية خبر هذه الجريمة البشعة المريعة.
كان الوقع على نفوس المغاربة وجيعا وأليما، وارتفعت إثر ذلك الأصوات مطالبة بإنزال أقصى العقوبات بالجاني.
رغم تباين المواقف من حيث نوعية العقوبة، فلا أحد تجرأ على المطالبة بتخفيف العقوبة أو اعتبار أي من الظروف للجاني. إلا أن هناك من اقتنص الفرصة وفضّل الركوب على الموجة لتصفية الحساب مع هذا الطرف أو ذاك، وهناك بعض المُسخّرين الذين استغلوا الفرصة للنهش في سمعة فعّاليات عبّرت عن رأيها كباقي أفراد الشعب الذين امتعضوا لهذه الجريمة الشنعاء.
اقرأ أيضا: هل يسير المغرب نحو إلغاء عقوبة الإعدام؟ 2\2
أحكام القيمة والكليشيهات الجاهزة التي تبادلها الطرفان المختلفان حول نوعية العقوبة التي يجب إلحاقها بالمجرم، هي الدليل الصارخ على أننا في حاجة ماسّة لتحصين عقولنا من خطر الانجراف نحو الفكر الأحادي، وهي مؤشّر على أن الأصولية الفكرية قد تجد تعبيراتها وملاذاتها الآمنة ذات اليمين وذات الشمال.
لا داعي لذكر هذه الكليشيهات طالما أنها لا ترقى لمستوى الاستدلال بها عبر صفحات هذا الموقع، بحكم أنها مستفزّة وباعتبارها شتائم على شكل أحكام قيمة.
لا أدري متى سنرقى لمستوى الحوار الهادئ، ومتى سنسمو بأنفسنا، دون أن نسارع متى واجهتنا بعض القضايا لنسْتلّ أقلامنا وألسنتنا كما يسْتلّ المحارب سيفه من غمده.
اقرأ أيضا: بوبكر لركو: النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام سيبقى مفتوحا
إنها سلوكيات أضحت تقليدا كلما برزت قضية سواء كانت ذات طابع اجتماعي أو حقوقي. تُشقّ الصفوف بسببها، ويلجأ كل فريق لتزويد مدرّعاته بشتى أنواع الكليشيهات وتصويبها نحو خصومه، وقد يكون منهم من كان ضمن أصدقاء الأمس.
بالنسبة لي، أعتبر أن التراشق بشتى التصنيفات لا يخدم بأية حال قضية الطفل عدنان، ولا يمكن اعتبارها فعلا قيمة تضاف للمجهودات التي يقوم بها مختلف الفاعلين في هذا المجال.
كان لقضية الطفل عدنان الأثر العميق في نفوس المغاربة قاطبة، ومطالبهم بتطبيق هذه العقوبة أو تلك هو من منطلق الإحساس ببشاعة الجرم وتأكيدا عن امتعاضهم وتنديدهم كيفما كانت نوعية العقوبة التي يطالبون بها. لكن ما صاحب ذلك من عمليات “التّشْيار” بالألقاب والتصنيفات عبر الفضاء الأزرق، يحول هذا الأخير إلى منجنيق يرمي بمقذوفاته المُشْحنة بوابل من الأحكام الجاهزة والمقولبات، دون أدنى احترام للحق في الاختلاف كقيمة حضارية يجب مراعاتها؛ باعتبار أن الحق في إبداء الرأي، ولو كان مختلفا، جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الانسان.
اقرأ أيضا: ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2
عدنان سيرتاح في فردوسه متى توحّدت الصفوف المندّدة بهذا النوع من الجرائم، وسيكون وجهه الملائكي مبتهجا لكل قلب اعتصر ألما وحزنا على بشاعة الجرم الذي غيّبه عن والديه وأحبّائه.
حبذا لو كانت قضيته حافزا لكي تتعبّأ مختلف القوى الحية في بلادنا لاستكمال المسيرة من أجل إقرار تشريعات ومؤسسات فعلية وفاعلة لحماية أبنائنا وبناتنا من كل أنواع الاعتداءات على حياتهم وبراءتهم.