مـا بـعـد كـورونـا… الشبـاب قـائد التغيير في العـالم
أدى انتشار فيروس كورونا المستجد إلى إعادة توصيف الأدوار التي من المفترض أن تضطلع بها عدد من القطاعات الحيوية ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالحياة اليومية للإنسان بكل بقاع العالم، …
أدى انتشار فيروس كورونا المستجد إلى إعادة توصيف الأدوار التي من المفترض أن تضطلع بها عدد من القطاعات الحيوية ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالحياة اليومية للإنسان بكل بقاع العالم، إن على مستوى القوة الإنتاجية ومدى قدرة الدول على توفير الاكتفاء الذاتي لمواطنيها من طاقة وأكل وخدمات، أو على مستوى أولوية وجودة القطاعات الحيوية التي تحدد جودة وكرامة حياة الانسان بشكل عام.
لنتذكر كيف أنه، طيلة الفترة التي سبقت انتشار هذه الجائحة، تركيز العالم كان منصبا على استثمار المال والجهد في تنويع وتوسيع مصادر العيش والرفاهية، سواء من خلال العمل على ترحيل الصناعات إلى دول تتميز باليد العاملة الرخيصة وانخفاض تكلفة المواد الأولية ناهيك عن الامتيازات الضريبية؛ أو من خلال إعطاء الأولوية للأمن الداخلي والخارجي على حساب السياسات العمومية المرتبطة بالصحة والتعليم والإنتاج المُوفِّر لفرص الشغل الكفيلة بامتصاص نسب البطالة المتزايدة، ومجالات محددة من البحث العلمي…
ناهيك عن حاجة عدد من الدول، أوروبا وكندا ودول الشرق الأوسط تحديدا، لتحديث هرمها السكاني.
كل هذا دفع عددا منها إلى فتح حدودها لنوعين من الهجرة، تلك المرتبطة بنزوح الملايين من دولها الأصلية بسبب اللا استقرار الذي تسببت فيها الصراعات والحروب الداخلية، كألمانيا على سبيل المثال؛ أو الأخرى الحريصة على استقطاب هجرة الكفاءات والأدمغة من الدول النامية التي أثبت واقع الحال عدم قدرة دولها الأصلية على استيعاب توهجها ومستوى الإبداع في الحلول والمقترحات في مختلف المجالات العلمية والطبية والتكنولوجيات الحديثة.
بالمقابل، فإن مرحلة ما بعد انتشار هذا الفيروس دفعت كل دول العالم، المتقدمة منها والسائرة في طريق النمو والفقيرة، إلى التفكير الجدي في إعادة ترتيب أولوياتها، بدءً من استعجال حصر مواردها وتخزين جل ما تصدِّره، حرصا منها على ضمان أكبر مخزون من مصادر الطاقة والمنتجات الفلاحية والصناعية والتكنولوجية، وذلك تحسبا لأي تطورات قد يحبل بها الوضع الراهن، والمتسم باستدامة انتشار هذا الفيروس، خصوصا مع تضارب الدراسات والتوقعات حول مآله وزمن انحصاره…
هناك أيضا قناعة تولدت لدى جل الدول، مفادها انتهاء دورة الحياة الصناعية والعودة إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومباشرة اتخاذ جملة من الإجراءات الداعمة لإعادة تجميع المصانع ووحدات الإنتاج الموزعة عبر العالم في البلد الأصلي بهدف خلق دفعة قوية للإنتاج الوطني والتقليص من نسب البطالة التي عرفت ارتفاعا صاروخيا خلال أشهر محدودة من انتشار هذا الفيروس.
باستحضار كل المؤشرات التي سبق ذكرها من جهة، وتنامي أعداد الشباب القادرين على العمل والإنتاج والحاصلين على مستوى متقدم من التعليم والتكوين يؤهلهم لأن يكونوا حاملي مشعل التغيير في بلدانهم الأصلية، خصوصا بإفريقيا وآسيا (على غرار الصين والهند مثلا)، نخلص إلى حقيقة ثابتة مفادها أن الشباب هو قائد التغيير في العالم خلال مرحلة ما بعد كورونا.
هذا التحول يستعجل حاجة الدول السائرة في طريق النمو تحديدا والتي تتميز بهرم سكاني يحظى فيه الشباب بقاعدة واسعة، لإعادة النظر في سياساتها العمومية الموجهة للشباب، بدءاً من مراجعة الميزانيات المرصودة لبرامج التعليم والتكوين والبحث العلمي والبرامج والمقررات المخصصة لها، ووضع مخططات استراتيجية مبدِعة ومبتكَرة لضمان إدماج أمثل لخريجي الجامعات والمدارس العليا والمتميزين والنوابغ في مختلف المجالات في مخططات الانتاج والتصنيع والابتكار والبحث العلمي… ناهيك عن ضرورة اعتماد سياسات وبرامج أكثر تطورا وإبداعا في كل ما له علاقة بالتكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والبيئة والتنمية المستدامة.
إن مستقبل الأمم تُحدَّدُ معالِمُه اليوم، ومفتاحه بأيدي الشباب لما أبان عنه من وعـي وحـس تواصلي عالي طيلة فترة انتشار هذا الوباء في استثمار مُبدِع لتقنيات التواصل الحديثة، وانخراط طوعي ورائد في كل المبادرات المرتبطة بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي الهادفة إلى إيجاد الحلول الطبية والعلاجية والتواصلية الهادفة إلى الحد من الضغط الذي فرضه وبـاء كوفيد19-المستجد، وذلك في أفق انحصاره والحد الكلي من انتشاره.