السيد منصف السلاوي… باحث أمريكي من أصول مغربية
كان من الأجدر أن نفتخر به، لكونه من ثُلّة العلماء على المستوى العالمي، الذين ساهموا بأبحاثهم في إثراء الحقل المعرفي وسبر أغوار العلوم…
وبالأساس منطلقا لمساءلة الذات عن اللأسباب الكامنة وراء تواجد العديد من الباحثين ذوي الاصول المغربية في شتى الميادين، وعدم تقدير البحث العلمي ببلادنا وغياب أية جامعة مغربية، سواء عامة أو خاصة في التصنيفات السنوية لأفضل الجامعات عبر العالم، ودواعي نزوح الطلبة المغاربة نحو آفاق أرحب خارج أرض الوطن.
تناقلت وسائل الإعلام المغربية خبر تعيين الباحث منصف السلاوي من طرف الرئيس دونالد ترامب، رئيسا للجهود الحكومية الأميركية لتطوير وتوزيع لقاح لفيروس كورونا، وحظي الحدث بتغطية إعلامية كبيرة من مختلف وسائل الإعلام المغربية، وعجّت الشبكات الاجتماعية بصوره وخبر تعيينه.
المثير في الأمر، هو الإصرار في جل الأخبار المتداولة على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار، على نعته بالباحث المغربي، وكأنه قد عُيّن لتوه في هذا المركز، انطلاقا من مكانته في إحدى الجامعات المغربية… أو لكونه تمرس في تقنيات مخبرية ومعاهد للبحث العلمي، وفرتها له سلطات بلده الأصلي.
الانسياق وراء بعض الخطابات التي تهدف إلى تحويل الانظار عن كُنْه الأشياء، باستثارة العاطفة الوطنية، هي عملية تؤخّر أكثر مما تقدم، وتدخل ضمن عمليات التضليل الإعلامي التي تهدف إلى المخادعة، كأسلوب للتنفيس على عقولنا، لنظلّ قابعين في سرداب من الظلام أشبه بالكائنات البشرية التي تكلم عنها افلاطون في نظرية الكهف والتي قال عنها على لسان سقراط: “ما نراه أو ما اعتدنا أن نراه قد لا يكون الواقع أو الحقيقة بل مجرد ظلال خادعة للحقيقة”.
ما تم تداوله بشأن منصف السلاوي، بكونه باحثا مغربيا، هو كلام في غير كنهه وظَلّ يتقي به البعض حرّ مواجهة الحقيقة؛ ذلك أن مرتكزات العلم الذي نهل منه السيد منصف السلاوي، تمّ داخل مدرجات جامعات أوروبية، واستفاد من عدة دورات تدريبية في جامعات أميركية مرموقة، مثل كلية هارفارد للطب، أما في الحياة المهنية، فعمل منصف السلاوي أستاذا بجامعات بلجيكية، وأنجز دراسات بحثية في جامعات عالمية وأسندت إليه مهمات جليلة في مراكز بحث داخل الولايات المتحدة الامريكية.
أبحاثه ومساهماته العلمية في تطوير العديد من اللقاحات، نسبت للبلدان التي كان يشتغل فيها كأحد مواطنيها. أما ما صرح به أمام الرئيس ترامب إثر تنصيبه على رأس هذه اللجنة، وتعبيره عن أمله الكبير وثقته في إنتاج مئات الملايين من جرعات اللقاح ضد وباء كورونا المستجد بحلول العام الجاري، فسيستفيد منها الشعب الأمريكي وخزينة الولايات المتحدة الأمريكية، ولن ينال منه المغرب حتى النزر القليل.
الكلمة التي أدلى بها الباحث منصف السلاوي أمام الرئيس ترامب ومستشاريه في البيت الأبيض، وبحضور عدد من كبريات الصحف والقنوات الأمريكية تلخص الأمر:
” It’s a great honour and privilege for me to serve our country and the world.. ”
” لي عظيم الشرف والامتياز أن أخدم بلدنا والعالم …”
إذن كفى من مخادعة الأنفس، فمنصف السلاوي باحث أمريكي من أصول مغربية.
كان من الأجدر أن نفتخر به، لكونه من ثُلّة العلماء على المستوى العالمي، الذين ساهموا بأبحاثهم في إثراء الحقل المعرفي وسبر أغوار العلوم، وبالأساس منطلقا لمساءلة الذات عن اللأسباب الكامنة وراء تواجد العديد من الباحثين ذوي الاصول المغربية في شتى الميادين، وعدم تقدير البحث العلمي ببلادنا وغياب أية جامعة مغربية، سواء عامة أو خاصة في التصنيفات السنوية لأفضل الجامعات عبر العالم، ودواعي نزوح الطلبة المغاربة نحو آفاق أرحب خارج أرض الوطن.
من الواضح أن السياق الذي باغتتنا فيه جائحة كورونا من حيث لا ندري، قد فضح المستور وكان حريّا ببعض وسائل الإعلام المختلفة، اعتبارها فرصة للمساهمة في استشراف المستقبل من أجل خلق دينامية مجتمعية جديدة، والخروج من النفق الذي تتواجد فيه بلادنا منذ عقود من الزمن… حتى نتمكن من رؤية النور ومواجهة الحقيقة كما هي، لتخطي السلبيات وتعزيز الايجابيات.