من مصر، ماجد سنارة يكتب: الخير والشر بين الفطرة والاكتساب
يقول الفيلسوف الصيني العظيم كونفشيوس “إن الناس يولدون سواسية خيرين بطبيعتهم، ولكنهم كلما شبوا اختلف الواحد منهم عن الآخر تدريجياً وفق ما يكتسبون من عادات”[1]. يبدو مقصد كونفشيوس واضحاً لا …
يقول الفيلسوف الصيني العظيم كونفشيوس “إن الناس يولدون سواسية خيرين بطبيعتهم، ولكنهم كلما شبوا اختلف الواحد منهم عن الآخر تدريجياً وفق ما يكتسبون من عادات”[1].
يبدو مقصد كونفشيوس واضحاً لا لبس فيه، فالإنسان، وفقاً له، يكون كالتربة الخصبة المهيأة لحضانة بذرة الخير والنمو بها، طالما تعهدتها العادة بالاهتمام والتهذيب.
من هنا، تكون اللبنة الأساسية في فكر الفيلسوف الصيني بعد الفطرة هي التربية، فهي التي تساهم في استكمال البناء فوق القاعدة الفطرية وتشكل الاتجاهات النفسية والنوازع الخلقية لحد كبير. فيها تتشكل أيضا الميول والدوافع لدى الفرد، ويكون تقبله وفهمه للبيئة المحيطة به نابعا من إدراك وتصور الأسرة لهذه البيئة في مراحل إدراكه الأولى.
لابد ألا نغفل أن الإنسان لو ولد بفطرة خيرة، لأحس بالندم ووخز الضمير حين اقتراف الفعل الشرير دون الحاجة للوصول لمرحلة الإدراك والتمييز العقلي والعكس صحيح.
أما الفيلسوف الإنجليزي “توماس هوبز”، فإنه يرى أن الإنسان شريرا بطبعه، مجبولا على حب الذات والأنانية المطلقة. يظهر ذلك بشكل جلي في عبارته الشهيرة: “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”[2].
اقرأ أيضا: عذرا سيدي الفساد!
هذه الفلسفة تتمحور حول الصراع من أجل البقاء، فالإنسان يولد بطبيعة منحرفة مستعدة لسحق الآخر من أجل الأنا. تعتمد هذه الفلسفة على الفردانية، فالإنسان ليس كائناً اجتماعياً بالفطرة، لذلك فالاختلاط بالمجتمع لا يتجاوز فكرة المنفعة، من أجل إعلاء شأن الأنا.
اللبنة الأساسية بعد الفطرة هي التربية، فهي التي تساهم في استكمال البناء فوق القاعدة الفطرية وتشكل الاتجاهات النفسية والنوازع الخلقية لحد كبير
وطالما أن الطبيعة هي المتحكمة في الإنسان وهي المُشَكِلة لفطرته، فقد زرعت فيه الميل نحو الشر؛ وتأتي التربية لتحاول إصلاح هذا الميل لكنها في الغالب تخفق لأن المجبول على الشيء معتاد عليه.
خلاصة الأمر في فلسفة الاثنين، أن الإنسان يولد كالأرض المحروثة، فإن زُرع فيها الخير نما وإن بُذِر فيها الشر أينع. التربية والبيئة هما المُشَكَلتان لغالبية ما في النفس البشرية من ميول واتجاهات وانفعالات تصدر عنه، فالفطرة ما هي إلا الخلاء المطلق، والبناء يأتي من خلال الجماعة الإنسانية التي يعيش فيها الفرد. لذا، فالإنسان يولد وميله للخير مساوٍ لميله للشر، لأنه لو زُرِع الميل لانتفى العدل الرباني، لأنه يحمل إجباراً للسير في الطريق المرسوم له، وهذا منافٍ لحرية الإنسان وأنه مخير بشكل كبير.
اقرأ لنفس الكاتب: اقتلوهم… إنهم مرتدون!
لابد ألا نغفل أن الإنسان لو ولد بفطرة خيرة، لأحس بالندم ووخز الضمير حين اقتراف الفعل الشرير دون الحاجة للوصول لمرحلة الإدراك والتمييز العقلي والعكس صحيح.
طالما أن الطبيعة هي المتحكمة في الإنسان وهي المُشَكِلة لفطرته، فقد زرعت فيه الميل نحو الشر؛ وتأتي التربية لتحاول إصلاح هذا الميل لكنها في الغالب تخفق لأن المجبول على الشيء معتاد عليه
كمثال على ذلك، فإن طفلا في الثالثة من عمره قد يقوم بسبّ والده، علما أن السب في المجتمع يعتبر فعلاُ مجرماً ومنافياً لأخلاق الجماعة. الأب حينها قد يبتسم، فيكرر الطفل اللفظ لتستحيل البسمة إلى قهقهة؛ فيضحك الطفل على منظر الأب الذي يبدو كأراجوز في هذه اللحظة!
لو كان في المثال السابق الخير فطرياً، هل سيسب الطفل والده مبتسماً وهو يشعر أنه فعل شيئاً جيداً (ارتباط الفعل بعين الجماعة)؟ الأب يبتسم من الفعل، فيكتسب الطفل من هذا الأمر، حتى قبل الوصول لمرحلة الإدراك العقلي، أنه يؤدي فعلاً خيّراً!
اقرأ أيضا: حسين الوادعي يعلنها توبة نصوحة
لو كان الخير فطرياً وقام الطفل بفعل “السب”، كان سينتج عنه حالة من الهم التي تعتري ما يسمى بالضمير لمخالفته للفطرة التي ولد بها، وبالتالي يشعر الطفل بالندم من جراء هذا الفعل، خاصة أن عقله في مرحلة التكون. بالتالي، فغياب البعد التحليلي والنقدي للعقل غير موجودين في هذه اللحظة، ويبقى الفعل غير خاضع إلا لنظرة الثواب أو العقاب المنبثقة من عين الآخر الملاحظ، فإن شُجع الطفل، ترسخ في حواسه ضرورة تكرار هذا الفعل والعكس صحيح.
لكن، في حالة وجود فطرة الخير، ففعل “السب” كان سيمر مباشرة للدخول نحو الضمير المفطور على الخير وبالتالي يجرمه؛ فيكف الطفل عن تكرار الفعل حتى وإن لاقى استحسانا وقبولا وتشجيعا من الوسط الذي يعيش فيه!
خلاصة القول: إن الجماعة البشرية هي التي تحدد للفرد معيارية الخير والشر، وهي نسبية تختلف من مجتمع لآخر، فإن شب الفرد على قيم ومبادئ البيئة التي يعيش فيها كان خيراً وفقاً للمجتمع، وإن شب على عكس قيم ومبادئ الجماعة التي يعيش فيها يكون شريراً وفقاً لبيئته، أما الفطرة فلا تعني إلا الحياد المطلق!
[1] كتاب فلاسفة أيقظوا العالم، مصطفى النشار
[2] كتاب اللفياثان، توماس هوبز