زكية حادوش تكتب: يا أصدقائي الموتى!
كيف تعرف أنك عمرت طويلا؟ سهل… بمجرد أنْ يبدأ مَنْ تعرف يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر وتلقي نظرة مِنْ حولك وتبدأ بإحصاء أهلك وأصدقاءك ومعارفك من الأحياء، فتنتبه إلى …
كيف تعرف أنك عمرت طويلا؟
سهل… بمجرد أنْ يبدأ مَنْ تعرف يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر وتلقي نظرة مِنْ حولك وتبدأ بإحصاء أهلك وأصدقاءك ومعارفك من الأحياء، فتنتبه إلى أنهم صارواْ أقل عددًا ممنْ فقدت في ساحة الحياة.
ساحة الحياة ساحة وغى تدخلها أعزلاً إلا من صرختك الأولى، وتخرج منها مثخناً بالجراح الظاهرة والمخفية، لكن مسلحاً بشتى أنواع المعرفة، معرفة أشياء الحياة الصغرى والبعض من أشياء الكون الكبرى إنْ كنت من المحظوظين أو ربما من الأشقياء الذين يملكون عقلاً يحس وقلباً يعقل.
لمن طعنونا في هذه الدنيا وجهاً لوجه أو غدراً، ينبغي أنْ نوجه الشكر الخالص لأنهم مَنحونَا معرفة لا غنى عنها للاستمرار في العيش، ولمَنْ مَنحونَا بمعرفتهم فسحةَ أمل ولحظات رفقة وأنس، عظيم الامتنان على منحنا سبباً للاستمرار في الحياة!
لكن أهم معرفة يتسلح بها المرء في حياته وأمتعها رغم الجراح، هي معرفة الناس… معرفة مَنْ ترعرع معهم ومَنْ تواجدواْ معه في مرحلة الصبا… ثم مَنْ تَعرفَ عليهم في محيطه المدرسي (وهنا أقصد مدرسة الحياة عموماً) أو المهني (أي عندما يشتغل مهما كان هذا العمل)، وأخيراً مَنْ أحاطواْ به وهو في طريقه إلى أجله المحتوم.
اقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: سوق في راحة اليد
لذا، ليس من الحكمة في شيء الندم على أشخاص وضعتهم الأقدار في طريقنا وتعرفنا عليهم وربما اصطدمنا معهم أو طعنونا بسهامهم المسمومة… ولا التأسي على أشخاص عرفناهم وتعلقنا بهم ثم فقدناهم بسبب تَفرقِ السبل أو بالموت.
يكفينا أن الأولين زادونا علماً بالنفس البشرية الأمارة بالسوء والآخرين زادونا إيماناً بالحب وبالحياة.
لمن طعنونا في هذه الدنيا وجهاً لوجه أو غدراً، ينبغي أنْ نوجه الشكر الخالص لأنهم مَنحونَا معرفة لا غنى عنها للاستمرار في العيش، ولمَنْ مَنحونَا بمعرفتهم فسحةَ أمل ولحظات رفقة وأنس، عظيم الامتنان على منحنا سبباً للاستمرار في الحياة!
تعزية إلى شهيديْ سقوط طائرة البوينغ ليست كالتعازي السابقة:
إلى الحسن السيوطي، الإنسان الذي تعرفتُ عليه في السنتين الأخيرتين ورأيته في عين من يحبه، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته حيث الراحة الأبدية والتناغم وكل ما تمنيته في حياتك ولم تدركه هنا، وألهمَ مَنْ يحبك الصبر الجميل على فقدانك المفجع…
إلى بن أحمد شهاب، زميلي السابق، تغمدك الله برحمته الواسعة وعوضك عن معمورة الدنيا معمورة خالدة لا تنقرض أشجارها أبداً ولا تسمع فيها لغواً ولا تأثيما… آمين.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: مجتمعات النجاح ومجتمعات الشهادة