قاسم أمين… رجل حلم بتحرير المرأةهذه سيرة مفكر قضى حياته يدعو إلى تحرير المرأة بينما أوخذ بعجزه عن إقناع زوجته بأفكاره!
قاسم أمين واحد من أشهر رجال الإصلاح الاجتماعي في عصر النهضة العربية. يعده البعض أول من رفع صوته مطالبا بتحرير المرأة العربية من براثن العادات والتقاليد، التي تصغر شأنها بغطاء ديني.
في مجتمع يعود لنهايات القرن 19م وبدايات الـ20م، لا شك أنه واجه في ذلك مقاومة شرسة من الفكر المحافظ، الذي اتهمه بالدعوة إلى الانحلال. لكنه، مع ذلك، كان وفيا للدفاع عما يعتقد به، مع أن الكثير من القيل والقال حام حول حياته بشكل عام، كما نتابع في هذا البورتريه.
أبوه كردي… كان واليا لفترة على إقليم كردستان قبل أن يحل بمصر في عهد الخديوي إسماعيل، حيث تزوج مصرية، أنجب منها ابنهما البكر في قرية تدعى طَرّة، عام 1863، تحديدا في الفاتح من دجنبر، وأسمياه قاسم… قاسم أمين.
قضى قاسم صباه في الإسكندرية، حيث درس تعليمه الابتدائي بمدرسة “رأس التين”، إلى أن انتقلت الأسرة إلى أحد أحياء القاهرة الأرستقراطية، حي الحلمية، الذي استكمل تعليمه في إحدى مدارسه، إلى حين نيله لإجازة مدرسة الحقوق والإدارة عام 1881.
بعد تخرجه، التحق للعمل بمكتب مصطفى أمين، وكان أحد أشهر المحامين في مصر وقتذاك. وفي الأثناء، كان حريصا على حضور دروس جمال الدين الأفغاني.
على مدار هذه الدروس، تعرف قاسم أمين على عدد من الأسماء كمحمد عبده وسعد زغلول، فتأثر أيما تأثر بهذا الجمع الذي كان يدعو إلى التجديد مع التمسك بثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية.
يبدو أن أكثر ما رج قاسم أمين في تقييمه للاختلافات التي لاحظها بين المجتمعين المصري والفرنسي خلال دراسته في فرنسا، كان يخص المرأة… خلص في ذلك ببساطة إلى أن المرأة هي أساس كل شيء.
نظير تفوقه في دراسته، ابتعث بعد ذلك إلى مدينة مونبوليي الفرنسية لدراسة الحقوق، وقد لعبت الفترة التي قضاها هناك دورا بارزا في طبع ذاكرته ونقشها بأفكار سيدافع عنها طيلة حياته.
فرغم تعامله بتحفظ مع نمط الحياة الفرنسي، والسلوكيات التي طبعت المجتمع هناك، إلا أنه وقف مشدوها أمام ما يتمتع به المواطن الفرنسي من مميزات يفتقدها العربي.
على خلاف الأخير، يتمتع الفرنسي مثلا بحرية التعبير، كما أن فرصة المشاركة السياسية مخولة له، ثم…
ما الذي تقل فيه المرأة المصرية عن الفرنسية؟ لا شيء، لاحظ أمين، سوى أن المصرية حرمت من التعليم الذي حظيت به الفرنسية.
اقرأ أيضا: من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: ناشطات، ولسن سبايا ولا فاسدات 1\2
حين عودته إلى بلده، عين قاسم أمين قاضيا لمدة 23 عاما، ترقى في آخرها إلى رتبة مستشار في محكمة الاستئناف الأهلية في القاهرة… مشوار اتسم وفق شهادات من جايلوه بالعدل والنزاهة والصدق.
يبدو أن أكثر ما رج قاسم أمين في تقييمه للاختلافات التي لاحظها بين المجتمعين المصري والفرنسي، كان يخص المرأة… خلص في ذلك ببساطة إلى أن المرأة هي أساس كل شيء. وفي حين سيدعو بعد ذاك إلى تحريرها على نحو طبعت شهرته الآفاق، فإنه، بالمقابل، ووجه باتهامات لاذعة تتعلق بالدعوة إلى الانحلال.
رفض أمين الاتهامات الموجهة إليه بالدعوة إلى الانحلال الأخلاقي جملة وتفصيلا، مؤكدا بالمقابل أن الدين الإسلامي وهب للمرأة حريتها، وأن عادات المجتمع وتقاليده هي التي سلبتها منها.
هذا التراكم الفكري والمعرفي الذي شكل قناعات قاسم أمين وصقلها، انتهى عام 1899 إلى إصداره كتابا أسماه “تحرير المرأة”، دعا فيه إلى عدم الغلو في حجب المرأة، مؤكدا على ضرورة تحريرها وتعليمها.
قاسم أمين دائما ما تعجب، من جهة، نحو منع الآباء لبناتهم من التعلم، في وقت أوصى فيه الإسلام بذلك على نحو لم يميز فيه بين الذكر والأنثى؛ ومن جهة أخرى، نحو عدم قيام العلاقات الزوجية على أساس الاحترام المتبادل.
علاقة الزوج بزوجته لدى العرب قامت، في رأي أمين، على علاقة أشبه ما تكون بعلاقة السيد بخادمه. وهذه الحالة لن يطالها الإصلاح إلا بتعليم المرأة والرفع من قدرها؛ ذلك أنها المسؤولة الأولى عن تشكيل وعي الأجيال.
شاهد أيضا: فيديو – نائلة السليني وإسلام البحيري في حديث عن المرأة، إسلام النص وإسلام الفقهاء
ذلك الكتاب، الذي أعقبته عدة مقالات تروم الغاية ذاتها، ورغم استناده إلى عديد من الأدلة الشرعية والفقهية والنصوص القرآنية بما يلائم المجتمع المصري آنذاك، خلف جدلا واسعا لدى المصريين، تسببت في حرب شعواء ضد أمين بعد اتهامه بالدعوة إلى الفسق والانحلال.
حرب انعكست في كتب ومقالات عديدة خصصها مناصرو الفكر المحافظ للرد على قاسم أمين، الذي لم تزده هذه الردود سوى إصرارا على الدفاع عن أفكاره، ليرد بدوره عليها في كتاب جديد أسماه “المرأة الجديدة”، عام 1901.
رفض أمين الاتهامات الموجهة إليه بالدعوة إلى الانحلال الأخلاقي جملة وتفصيلا، مؤكدا بالمقابل أن الدين الإسلامي وهب للمرأة حريتها، وأن عادات المجتمع وتقاليده هي التي سلبتها منها.
على أن الشكوك طالت قاسم أمين، الذي عرف بكونه رائد تحرير المرأة العربية، إذ يذهب البعض أنه عجز عن إقناع زوجته في تأييد ما أفنى عمره في إثبات صحته.
يقول الصحافي المصري، مصطفى أمين[1]، في مذكراته “من واحد لعشرة”: “أكثر ما كان يؤلم قاسم أمين أنه لم يفلح في إقناع زوجته التي تقيم معه في بيت واحد بالرسالة التي آمن بها، فهو الرجل الذي دعا المرأة المصرية إلى نزع الحجاب وفشل في إقناع زوجته بأن تنزع حجابها وظلت متمسكة بوضع الحجاب على وجهها إلى ما بعد أن نزعت المصريات حجابهن”.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: الحجاب والإسلام – 1\3
ويضيف: “بل الأغرب من هذا كله أن قاسم أمين، زعيم تحرير المرأة، كان يتردد باستمرار على بيت سعد زغلول ويتناول الغداء معه ومع زوجته، ولكن زوجة قاسم أمين لم تحضر هذا الغداء الدوري مرة واحدة!”.
كانت وقاسم أمين على طرفي النقيض فكريا!
في حين أكد طبيب العائلة وفاته بنوبة قلبية، فجر سعد زغلول مفاجأة إذ قال في مذكراته الشخصية، التي نشرت خمسينيات القرن الماضي، إن قاسم أمين عشق امرأة أخرى بشدة، لكن دون جدوى، لكونه متزوج وزوجته شديدة الغيرة… فانتحر!
من جانب آخر، يروى أن جريدة مصرية اسمها “الطاهر”، نشرت عام 1906، مقالا منسوبا لقاسم أمين يقول فيه بما يشبه الندم تجاه الأفكار التي دافع عنها:
“لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم، وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق الحجاب وإشراك المرأة في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم ولكن… أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس، فلقد تتبعت خطوات النساء من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات، فرأيت من فساد أخلاق الرجال وأخلاقهن بكل أسف ما جعلني أحمد الله ما خذل دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي…”.
اقرأ أيضا: عبد الرحمن بدوي… حين أنجبت مصر فيلسوفا وجوديا!
بعد عامين، في الـ23 من أبريل 1908، ترجل قاسم أمين عن صهوة الحياة عن عمر يناهز 45 عاما.
وفي حين أكد طبيب العائلة وفاته بنوبة قلبية، فجر سعد زغلول مفاجأة إذ قال في مذكراته الشخصية، التي نشرت خمسينيات القرن الماضي، إن قاسم أمين عشق امرأة أخرى بشدة، لكن دون جدوى، لكونه متزوج وزوجته شديدة الغيرة… فانتحر!