عبد الكريم غلاب… عميد الأدب المغربيغزير التأليف الذي تنقل بين السياسة والصحافة والأدب لما يناهز القرن، حتى جعل الناس يتساءلون: "كيف يجد الوقت لكل ذلك؟"
بدأ عبد الكريم غلاب في نشر محاولاته في الكتابة، عام 1936، حين نشر أول مقال له في مجلة “الرسالة” بالقاهرة. ثم منذ عام 1947، لم يرفع قلمه عن الورق كمحترف حتى فاقت أعماله السبعين مؤلفا.
إن قرأت رواياته أو قصصه، قلت إنه أديب، وإن قرأت اسمه سابقا في جريدة “العلم” قلت صحافي، وإن سبق أن لمحته في أحد اجتماعات حزب الاستقلال قلت سياسي… هو كل هذا، حتى إن البعض كان يتساءل: “كيف يجد الوقت لكل ذلك؟”.
ناهزت حياته المائة عام، استغل كل تفاصيل أحداثها في كتاباته؛ فكتب في مجالات شتى بخاصة الأدب، فلا غرابة أن لقبه البعض إذن بـ”عميد الأدب المغربي”.
في هذا البورتريه، نتذكر صاحب “المعلم علي” و”دفنا الماضي”… عبد الكريم غلاب!
ولد عبد الكريم غلاب بمدينة فاس، ذات يوم من عام 1919. درس في البدء بكتاب لحفظ القرآن، ثم التحق بمدرسة سيدي بناني، قبل أن ينتقل عام 1932 إلى جامعة القرويين حيث أتم دراسته.
غلاب ولد ونشأ في فترة حرجة من تاريخ المغرب، في أوج الاستعمار… وإذا كان لاحقا قد اعتُبر أحد أبرز الأعضاء في حزب الاستقلال، فلأنه انخرط في النضال به منذ إنشاء كتلة العمل الوطني عام 1933.
أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، سيشد غلاب الرحال إلى القاهرة، عاصمة مصر، حيث سيلتحق هناك بكلية الآداب، التي سيتخرج فيها مجازا في الأدب العربي، عام 1944. كانت هذه المرحلة فارقة في حياة غلاب، ذلك أنه درس على يد عميد الأدب العربي، طه حسين.
اقرأ أيضا: محمد زفزاف… دوستويفسكي الأدب المغربي!
ثم بعد أن ختم مشواره الجامعي، اشتغل بين عامي 1945 و1947 أستاذا في المدارس الثانوية المصرية.
بعد استقلال المغرب، كان غلاب من الرعيل المؤسس لوزارة الخارجية، إذ عمل بها في ظل وزارة أحمد بلافريج. عمل لم يغرِه كثيرا فاستقال منه وعاد ليترأس تحرير جريدة “العلم” وإدارتها عام 1960…
أسس غلاب رفقة زملائه المغاربة في القاهرة، آنذاك، رابطة باسم “رابطة الدفاع عن مراكش” (المغرب كما كان يسميه المشارقة)، كانت تطالب باستقلال المغرب. ثم عام 1947 انعقد بذات المدينة، مؤتمر المغرب العربي، الذي ترأسه الأمين العام للجامعة العربية، آنذاك، عبد الرحمان عزام.
المؤتمر انتخب يومها عبد الكريم غلاب أمينا عاما له، وعنه انبثق مكتب المغربي العربي الذي أسهم من جهته في الكفاح في سبيل استقلال المغرب وتونس والجزائر.
في نهاية عام 1948، قرر غلاب توديع أرض الكنانة والعودة إلى المغرب، حيث سيشتغل صحافيا؛ إذ تولى رئاسة مجلة “رسالة المغرب” الثقافية وعمل بالموازاة محررا بجريدة “العلم”، إلى حين توقيفهما بقرار من الإقامة العامة الفرنسية عام 1952.
اقرأ أيضا: عبد الله كنون… العلامة الذي أعاد الاعتبار للفكر والأدب المغربي
بعد استقلال المغرب، كان غلاب من الرعيل المؤسس لوزارة الخارجية، إذ عمل بها في ظل وزارة أحمد بلافريج. عمل لم يغرِه كثيرا فاستقال منه وعاد ليترأس تحرير جريدة “العلم” وإدارتها عام 1960… لم يترك غلاب هذه المهمة بشكل نهائي إلا عام 2004، وبضع سنين حين عين وزيرا للشؤون الإدارية ثمانينيات القرن الماضي.
درست رواية “المعلم علي” في المدارس الثانوية في بلدان عديدة، كما هو الحال في المغرب، ولسنين عديدة، كما أن منظمة الثقافة العربية قد اختارتها من بين أفضل 105 رواية عربية نشرت عبر التاريخ.
كان غلاب من مؤسسي النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عام 1961، كما انتخب كأول أمين عام لها، وظل كذلك يعاد انتخابه إلى غاية عام 1983. بالمناسبة، غلاب شغل أيضا منصب نائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب من 1965 إلى 1983.
العمل الصحافي، مع ذلك، لم يجعل غلاب يهادن العمل السياسي؛ فقد ترشح وانتخب عضوا بمجلس النواب، من 1977 إلى 1984، ممثلا عن سيدي البرنوصي (الدار البيضاء)، ثم مرة ثانية من 1993 إلى 1997 ممثلا عن مدينة سلا.
غلاب الأديب
لا شك في أن أكثر ما عرف به عبد الكريم غلاب، كان إسهاماته الكتابية؛ فقد كتب في مجالات شتى، كالدراسات الأدبية والفكرية والسياسية والإسلامية، وكذا الأدب متمثلا في الرواية والقصة القصيرة.
بدأ غلاب في نشر محاولاته في الكتابة، عام 1936، حين نشر أول مقال له في مجلة “الرسالة” بالقاهرة. ثم منذ عام 1947، لم يرفع قلمه عن الورق كمحترف.
اقرأ أيضا: “مرايانا” يتذكر أب الأدب العربي نجيب محفوظ!
فاقت أعمال غلاب السبعين مؤلفا يضيق المقام عن ذكرها كلها، مع أنه يعترف بأنه في الأدب تأخر قليلا مقارنة بالتجارب التي جايلته؛ فأول رواية كتبها، والحديث هنا عن “سبعة أبواب”، نشرها وهو في سن الأربعين.
بل ومرت عدة سنين قبل أن ينشر مجددا روايته “المعلم علي”، و”دفنا الماضي”، وليس انتهاء بأهم رواياته “شروخ في المرايا” عام 1994. كل هذه الروايات فازت بجائزة المغرب للكتاب.
جل أعمال غلاب قد ترجمت إلى لغات أخرى. يعتبر بعض المهتمين أن رواياته كتبت عنها أكثر من خمسين أطروحة في مختلف الجامعات المغربية.
رواية “المعلم علي”، أيضا، درست في المدارس الثانوية في بلدان عديدة، كما هو الحال في المغرب، ولسنين عديدة، كما أن منظمة الثقافة العربية قد اختارتها من بين أفضل 105 رواية عربية نشرت عبر التاريخ.
جل أعمال غلاب قد ترجمت إلى لغات أخرى. يعتبر بعض المهتمين أن رواياته كتبت عنها أكثر من خمسين أطروحة في مختلف الجامعات المغربية.
بالمناسبة، كان عبد الكريم غلاب من مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وقد انتخب منذ مؤتمره الأول عام 1961، عضوا في “لجنة الكتابة”، قبل انتخابه رئيسا للاتحاد لثلاث ولايات من 1968 إلى 1976.
كان أيضا نائب رئيس اتحاد أدباء العرب بين عامي 1968 و1981، وعضوا في أكاديمية المملكة المغربية منذ إنشائها، وعضوا في مؤسسة دار الحكمة بتونس، وعضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية ببغداد.
بعدما ناهز مائة عام من الحياة، رحل عبد الكريم غلاب في الـ14 من غشت 2017 بمدينة الجديدة، تاركا وراءه إرثا أدبيا، صحافيا، وسياسيا، دون اسمه في سجلات التاريخ كأحد أبرز أدباء المغرب المعاصر.