جمال خليل في الجزء الثاني من حواره مع مرايانا: الاختلاط أصبح غير مقبول من طرف الرجال في الفضاء العامالجزء الثاني
رغم التطور والتقدم الكبير الذي قطعه المغرب لإقرار المساواة بين الرجل والمرأة، حسب البعض، وسنه لمجموعة من القوانين التي تحمي حقوق هذه الأخيرة وحرياتها، لا تزال قضية وجود المرأة في …
رغم التطور والتقدم الكبير الذي قطعه المغرب لإقرار المساواة بين الرجل والمرأة، حسب البعض، وسنه لمجموعة من القوانين التي تحمي حقوق هذه الأخيرة وحرياتها، لا تزال قضية وجود المرأة في الفضاء العام بالمغرب تطرح تساؤلات عدة، بعدما استعر في الآونة الأخيرة، النقاش عن حالات التحرش بالمرأة وتعنيفها.
في هذا الحوار، يؤكد السوسيولوجي المغربي جمال خليل أن “خروج المرأة إلى الشارع لم يعد مقبولا من طرف الرجال في السنوات الأخيرة، خصوصا مع صعود التيارات المحافظة”، مبرزا أن “هناك تراجعا لوجود المرأة في الفضاء العام اليوم وقبولا للمجتمع بهذا الوضع”. أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، يشدد على أن “التعليم يعد مدخلا أساسيا لحماية المرأة لنفسها بالفضاء العام ولانتزاع مكان وازن لها داخل المجتمع”.
- لاحظنا في الآونة الأخيرة، تزايدا للنقاش عن مجموعة من حالات التحرش والتعنيف التي تتعرض لها المرأة في بعض الأماكن العمومية. كيف تقيّم وجود المرأة في الفضاء العام المغربي؟
خروج المرأة إلى الفضاء العام قد بدأ في الثلاثينات، أي منذ أيام الاستعمار؛ وذلك للعمل في المعامل أو عند الفرنسيين. تطور الأمر في الخمسينات وبعد الاستقلال بسبب تمدرس النساء اللواتي خرجن للعمل كمعلمات أو ممرضات وما إلى ذلك. الحديث هنا يتعلق أيضا بطبقات أخرى كالعاملات أو الخادمات المنزليات. من هنا إذن، لم تعد المرأة حبيسة المنزل وأصبحت، في المجال الحضري، تذهب إلى السوق وتمتهن البيع والشراء ومهنا أخرى كانت حكرا على الرجل فيما قبل. في السابق، كانت المرأة تمتهن بعض الحرف كالخياطة والطبخ، لكنها كانت تقوم بذلك في بيتها.
الجديد أن خروج المرأة إلى المجال الحضري لم يقبل من طرف الرجال. المرأة في الشارع أو المعمل أو في وسائل النقل العمومية وغيره، لم يتم تقبلها بشكل تام من قبل الرجال كفكرة. انطلاقا من فترة الخمسينات إلى حدود السبعينات، كان الأمر يبدو عاديا، والصور التي توثق وجود النساء في الفضاء العام في تلك الفترة تدل على ذلك.
عندما سألنا الناس عن الاختلاط في المدرسة قالوا إنه مقبول نوعا ما، الاختلاط في العمل أيضا مقبول إلى حد ما، ولكن الاختلاط في الشارع أو البحر أو ببعض المجالات الأخرى ليس مقبولا على نحو كبير.
بالمقابل، في فترة الثمانينات وبعدها، مع تطور الجو المحافظ وشيوع التدين المتشدد، بدأت إعادة النظر في خروج المرأة إلى الفضاء العام، والسؤال عما إذا كان يجب أن تخرج المرأة إلى الشارع أم لا. إذن، فقد تم التراجع عن عدد من الأمور، كاللباس الذي بدأ يتغير شيئا فشيئا.
اليوم يتساءل البعض عن جدوى وجود المرأة في الفضاء العام، مع الإقرار بعدم وجود مكان لها في هذا الفضاء وأنه يجب عليها الرجوع إلى المنزل. على هذا الأساس، التحرش والعنف الذي تتعرض له المرأة اليوم في الفضاء العام هو وسيلة يقول بها الرجال للنساء: “ارجعن إلى منازلكن”.
- ما هو تمثل الرجل لحضور المرأة اليوم في الفضاء العام المغربي؟
أرى أن هناك تراجعا في هذا التمثل. في الصيف مثلا، هناك شواطئ مختلطة وأخرى غير مختلطة، وقد اشتغلنا على مجموعة من الاستمارات بينت أن الاختلاط لم يعد مقبولا. عندما سألنا الناس عن الاختلاط في المدرسة قالوا إنه مقبول نوعا ما، الاختلاط في العمل أيضا مقبول إلى حد ما، ولكن الاختلاط في الشارع أو البحر أو ببعض المجالات الأخرى ليس مقبولا على نحو كبير. إذن هناك تغيير داخل المدينة حول أجوبة المجتمع عن سؤال الاختلاط. ولأننا لسنا بلدا منقطعا عما يقع في البلدان العربية أو الإسلامية، فإن هذا التمثل في المغرب يتغير بدوره حسب الظروف العامة في المنطقة وحسب ما يقع في البلدان الأخرى وانعكاسه علينا. بهذا المعنى ليس لدينا وتيرة مستقرة للتقدم، تارة نتقدم وتارة أخرى نتراجع.
- إذا كان يمكن الجزم بالهيمنة الذكورية على الفضاء العام، فما التصور الممكن لكي تحظى المرأة بالحضور والتأثير الذي ينبغي أن تكون عليهما؟
الشخص نتيجة للبيئة التي ينشأ فيها: البيت، المدرسة، وغيرها. فيما يخص البيت، فالوضع صعب لأننا لا نستطيع الدخول إلى منازل الناس وتعليمهم ما يمكن أن يقوموا به بهذا الخصوص. لكن المدرسة تلعب دورا مهما. إذا كنا في المدرسة نفرق في الجلوس بين الذكور والإناث، فالمعلم يكون بذلك قد أخذ موقفا. أما إذا كان المعلم يجلسهم بشكل اختياري وفي النقاش يكون هناك توازن ما بين الذكر والأنثى، الطفل والطفلة، فهنا نكون قد تقدمنا خطوة إلى الأمام.
الكتب المدرسية بدورها تتضمن صورا عديدة لأم وابنتها تجلسان بالمطبخ فيما الأب وابنه يتمشيان في الشارع أو يشاهدان التلفزيون، وهذا يعمق الصور النمطية في ذهنية الطفلة والطفل.
في الأنشطة المدرسية أيضا نجد نوعا من التفرقة، فالإناث مثلا يقمن بأنشطة الخياطة بينما الأطفال الذكور يلعبون كرة القدم. هذه الأمور، على بساطتها، إذا كان فيها اختلاط، فإن ذهن الطفل تترسخ فيه المساواة بين الذكر والأنثى. أما إذا كنا في الأقسام نقول إن هناك فرقا ونؤكد على الفرق الموجود في البيت، فإننا نتراجع إلى الخلف. الكتب المدرسية بدورها تتضمن صورا عديدة لأم وابنتها تجلسان بالمطبخ فيما الأب وابنه يتمشيان في الشارع أو يشاهدان التلفزيون، وهذا يعمق الصور النمطية في ذهنية الطفلة والطفل.
في الأنشطة المدرسية أيضا نجد نوعا من التفرقة، فالإناث مثلا يقمن بأنشطة الخياطة بينما الأطفال الذكور يلعبون كرة القدم.
هناك إذن ترسيخ جذري لهذه التمثلات في ذهن الطفل، وهو ترسيخ يصبح من الصعوبة أو الاستحالة إزالته أو تغييره لاحقا. هكذا، يرى الطفل أن المرأة يجب أن تبقى في المنزل لأن معلمه أو أباه قد قالا ذلك، وهو يحترمهما ويعتبرهما نماذج بالنسبة له.
لنأخذ مثالا آخر: من يتحرش بالمرأة في الشارع أو يعنفها، هل سنحاكمه فعلا أم سنسائل المرأة عما كانت تفعله بالشارع وعن لباسها؟ فحتى الطريقة التي يتعامل بها القضاء مع التحرش لها دور في ترسيخ التمثلات التي كنا نتحدث عنها؛ والطريقة التي يتعامل بها المجتمع إجمالا تثبت أن هناك قبولا بهذا التحرش.
- ما الاستراتيجيات التي يجب أن تسلكها المرأة نفسها كي تنتزع حضورا وازنا في الفضاء العام؟
يجب أن تدرس، وأن تدرس جيدا؛ فالمرأة في البادية مثلا تدرس حد الشهادة الابتدائية، وإذا أرادت أن تتابع دراستها، يجب أن تنتقل إلى قرية أخرى أو مدينة صغيرة توجد فيها إعدادية وثانوية. ثم إن والديها لا يودان ذلك، كونه يكلفهما كثيرا، لذلك فغالبا ما يكتفيان بتدريسها حد الشهادة الابتدائية.
الطريقة التي يتعامل بها القضاء مع التحرش لها دور في ترسيخ التمثلات التي كنا نتحدث عنها؛ والطريقة التي يتعامل بها المجتمع إجمالا تثبت أن هناك قبولا بهذا التحرش.
استنادا إلى ذلك، نكون قد هضمنا حق عدد كبير من النساء اللواتي لم نعطِ لهن الوسائل للدفاع عن حقوقهن. لذلك فإن هناك اهتماما كبيرا يجب أن نوليه للتعليم أولا، كتشجيع النقل داخل البوادي وإيجاد دعم له مثلا. فالمرأة حينما تتعلم وتتابع دراستها، تتمكن من الحصول على المعرفة والأسلوب للدفاع عن حقوقها.
من ثمة، فإن المرأة التي تمتلك مستوى أكاديميا، تُمنح لها الفرصة للولوج إلى سوق الشغل والحصول على وظيفة جيدة. والتجارب تثبت أن المرأة التي تشتغل، تمتلك استقلالية مادية تمكنها من انتزاع بعض حقوقها في الفضاء العام.
المرأة إذن حينما تدرس وتصل إلى مراتب عليا تحمي نفسها، وتمتلك مناعة شخصية تستطيع من خلالها أن تدافع عن نفسها، كما أنها تمتلك حرية مادية، ومن ثم، فزوجها نفسه لن يستطيع أن يعتدي عليها. أما إذا كان الأخير يعيلها، فمن الوارد إذا طردها من بيته أنها لن تعرف أي طريق تسلك. وعليه، فإن التعليم يعد مجالا جوهريا في هذه العملية.
الجزء الأول من الحوار – جمال خليل: تطور الحريات الفردية رهين بتطور المصال الشخصية للأفراد