سناء العاجي الحنفي: تخفَّى… وافعل ما شئت! - Marayana - مرايانا
×
×

سناء العاجي الحنفي: تخفَّى… وافعل ما شئت!

الحقيقة أن البلوى الحقيقية… هي أن يؤمن 91 في المائة من المجتمع، إنْ تَعاملنا مع هذا الرقم أصلا كمعطى علمي، أن التدخل في حياة الآخرين واختياراتهم، هو حقهم الطبيعي!

كن من شئت، لكن لا تخالف رغباتي، وتصوراتي، ومعتقداتي.

كوني ما شئت، لكنَّ جسدك ملك لنا. ونهداك. وخصلات شعرك. وجهازك التناسلي وكل تفاصيل ارتعاشاتك.

افعل ما شئت، لكن سرا!

افعلي ما شئت. لكني أظهري لنا فقط ما نشاء!

لا حق لكَ ولا لكِ في أن تخالفا تعاليم نفاقنا الأكبر. وكذبنا. وهوسنا المرضي بالآخر وبما يفعله… بذاته. باختياراته. بحياته.

مناسبة هذا الكلام استطلاع رأي قامت به جريدة ليكونوميست مع مؤسسة سينيرجيا. من بين نتائج هذا الاستطلاع، أن 91 بالمائة من المغاربة يرفضون مبدأ المساكنة، أي أن يقيم رجل وامرأة معا دون عقد زواج.

المثير جدا في هذا الرقم، هو أن يتصور 91 في المائة من المغاربة… أن التدخل في حياة الغير أمر ممكن ومتاح، بل وعادي وطبيعي! المستفز في الرقم، أن يعتبر 91 في المائة من المغاربة أن من حقهم أن يقرروا وأن ويقبلوا أو أن يرفضوا تفاصيل شخصية جدا، في حياة باقي المغاربة!

لا يتعلق الأمر بتدبير الفضاء المشترك، أو باحترام قوانين تنظم الحياة المشتركة وحقوق الآخرين وواجباتنا اتجاههم. لا، بل يتعلق ببساطة بحياة الناس الشخصية واختياراتهم التي يتحملون اليوم وغدا كامل مسؤولياتها. ومع ذلك، يرى بعض المغاربة، دون أدنى إحراج، أن من حقهم أن يُبدوا فيها رأيا. بل ويَبدو لهم طبيعيا وعاديا أن يرفضوا اختيارات لا تعنيهم في شيء، ولا تخص حياتهم في شيء.

بأي حق ترفض وتقرر في ما لا يعنيك؟

أي منطق يجعلك تعتبر أن من حقك أن تقرر ما الذي على الآخرين فعله أو عدم فعله في تفاصيل حياتهم الخاصة؟

أي منطق يجعلك تؤمن فعليا، وبقناعة، أن الحياة الخاصة والاختيارات الخاصة للآخرين، تعنيك وأن من حقك أن تقرر فيها؟

أتفهم تماما أن يرفض شخص ما، رجلا كان أو امرأة، مبدأ العيش المشترك مع رجل أو امرأة خارج الزواج. لكني أتفهم هذا الرفض حين يتعلق به\بها في حياتهما الخاصة. حين يتعلق بهما كأفراد! أتفهم أن يختار البعض تدبير حياته واختياراته تبعا لقيم محافظة أو دينية أو حتى خوفا من العائلة والمجتمع والقيل والقال. هذا حقه\حقها. لكن، في نفس الوقت، يصعب علي أن أتصور أن البعض يعطي لنفسه، بكل هدوء ودون أدنى إحراج، الحق في تحديد ما يجب على الآخرين فعله في حياتهم الخاصة!

المهم ليس هو المساكنة كاختيار قد نتفق معه أو نرفضه . الحكاية، كل الحكاية، هو هذه الرغبة التي تستحوذ على الكثيرين في السيطرة على حياة واختيارات غيرهم. تلك القناعة بأن هناك جماعة من الناس، عددها ليس بالكثير: 34 مليون نسمة فقط… عليهم جميعا أن يفكروا بنفس الشكل وأن يعيشوا بنفس الأسلوب وأن تكون لهم نفس الاختيارات. جماعة موحدة! وإن عنّت لهم نفسهم بأن يكونوا مختلفين في أي تفصيل صغير، فليس لديهم إلا اختياران: إم أن يمارسوا اختلافهم في السر، وإما أن تُنصب لهم المشانق.

أمة تؤمن أنكم “إذا ابتليتم فاستتروا“… لا داعي لأن تعالجوا أنفسكم من البلوى (والبلوى، في تصورنا، هي سلوك سيء، إدمان، إلخ، وليس اختيارا شخصيا). اكتفوا بممارسة بلواكم في السر! استمروا فيها… لكن استتروا. أمة تؤمن أيضا أن كل ما هو مختلف، هو بالضرورة بلوى. اختيار ديني مخالف للجماعة؟ بلوى! توجه جنسي مختلف؟ بلوى! تصور محتمعي مختلف؟ بلوى!

أمة… تعرف أن نصها المقدس، يأمر “المبتلين” بالتستر… لكنها ترفض أن يمارس الناس حياتهم الخاصة بعيدة عن أعين المتلصصين؛ لأنه، منطقيا، فإن شخصين قررا العيش معا في بيت واحد، سيحتاجان في الحقيقة لكثير من لصوصية وتلصص، لكي يعرف المحيط بتفاصيلهما الخاصة ولكي يسمح هذا المحيط لنفسه بأن يرفض أو يقبل طريقة عيشهما.

الحقيقة أن البلوى الحقيقية… هي أن يؤمن 91 في المائة من المجتمع، إنْ تَعاملنا مع هذا الرقم أصلا كمعطى علمي، أن التدخل في حياة الآخرين واختياراتهم، هو حقهم الطبيعي! وهذه بالتحديد بلوى يجب فضحها وتصحيحها!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *