من اليمن، حسين الوادعي يكتب: في النقاب والحجاب واليسار الفرنسي
منذ بضعة أشهر، حظرت الدانمارك النقاب لأسباب بعضها أمنية وبعضها لتعارضه مع قيم الليبرالية واحترام المرأة وحرياتها. لا يمكن اعتبار النقاب حرية شخصية، وهو يصادر حريات المرأة ويعلو سورا كبيرا …
منذ بضعة أشهر، حظرت الدانمارك النقاب لأسباب بعضها أمنية وبعضها لتعارضه مع قيم الليبرالية واحترام المرأة وحرياتها.
لا يمكن اعتبار النقاب حرية شخصية، وهو يصادر حريات المرأة ويعلو سورا كبيرا بينها وبين العالم. كيف يمكن أن يكون هناك حرية لامرأة لا شخصية لها ولا هوية في المجال العام؟
لا يختلف كثيرون حول كون النقاب شكلا من أشكال احتقار المرأة وقهرها ومصادرة شخصيتها. حتى الرافضون لحظر النقاب، يعترفون أنه مهين للمراة وقهر لها، لكنهم رغم ذلك ضد حظره، لأنه “حرية”.
فهل المنقبة ترتدي النقاب فعلا بحريتها، أم ترتديه بسبب الضغوط والإرغامات الدينية والذكورية؟ ضغوطات مبنية على أساس أن الرجل هو الذي يحدد ماذا تلبس المرأة، وذلك حتى في مجتمعات الأقليات المسلمة في الغرب.
اقرأ لنفس الكاتب: حكاية اسمها التربية الإسلامية
لنعترف أن قرار حظر النقاب جدلي واشكالي، فهل يمكننا انتقاد النقاب مع اعترافنا بحق المنقبة في ارتدائه؟
يبدو أن هذا الحق لم يعد متاحا أيضا، فقد نشر وزير الخارجية البريطاني مقالا ينتقد فيه قرار حظر النقاب، لكنه في نفس الوقت هاجم النقاب لأنه ظلم للمرأة وتهميش لها وانتقاص من شخصيتها. كما سخر من منظر المنقبات الذي يشبه “صناديق البريد” على حد تعبيره.
لا يمكن اعتبار النقاب حرية شخصية، وهو يصادر حريات المرأة ويعلو سورا كبيرا بينها وبين العالم.
لكن الانتقادات طالت حتى حرية نقد النقاب، فقد طولب وزير الخارجية البريطاني بالاعتذار واعتبروا هجومه على النقاب عداء للاسلام.
هناك نغمة خطيرة بدأت تنتشر من أوروبا وتزحف نحو العالم الإسلامي، هي نغمة تحريم أي نقد للسلوكيات والأفكار التي تمارسها الأقليات الإسلامية المتشددة في الغرب كالنقاب والحجاب ورفض الاندماج وتهميش المرأة بحجة الخصوصية الثقافية والتعدد.
هذه النغمة يقودها اليسار الأوروبي (الفرنسي خصوصا) بتأييد من بعض الدوائر الليبرالية.
بل إن اليسار الفرنسي خصوصا تجاوز السلفية الإسلامية ليقول إن المطالبين بتجديد الخطاب الديني الاسلامي والمطالبين بالعلمانية في العالم الإسلامي، أو حتى أولئك النساء المسلمات اللواتي تخلين عن حجابهن، هم مسلمون مغتربون ثقافيا يجب رفض طروحاتهم والسير وراء طروحات الإسلاميين المتشددين لأنهم يمثلون حقيقة الشارع الإسلامي.
اقرأ لنفس الكاتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!
كان الفكر الإسلامي في البلدان الإسلامية قد قطع شوطا في نقد النقاب ورفضه واعتباره شكلا من أشكال التخلف الواجب التخلي عنها.
وصار نقد النقاب ورفضه جزءا أساسيا من خطاب التجديد الديني الإسلامي.
لكن المفاجأة أن تحريم نقد النقاب يأتي هذه المرة من الغرب اليساري الليبرالي المهووس بالدفاع عن الأصولية الإسلامية، باعتبار أن الأصولي هو المسلم الحقيقي.
إنه نوع من الاستشراق المعكوس الذي يرى أن قيم الحرية والليبرالية تخص الغربيين فقط؛ أما الآخر المسلم، فلا يعيش إلا بالنقاب والسلطة الدينية والانغلاق المجتمعي ودوائر الحلال والحرام.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الوريثة