أيقونات الإسلام السياسي: ياسين العمري 2\4
ياسين العمري، الذي يؤاخذ العلمانيين على صمتهم عن مختلف مشاكل المجتمع (وهذا غير صحيح)، وافتعال قضايا هامشية، لتفادي المواجهة المباشرة مع المسؤولين، هو نفسه من لا يكف عن نصب المشانق لبسطاء الناس، ويستنكف عن الخوض في كل ما يمكن أن يجر عليه سخط المسئولين، مهما صغر شأنهم.
لا أدل على ذلك، من انفجار الشيخ مرة في وجه أحد متابعيه، ودخوله في نوبة رهيبة من الشخصنة والتقريع، حين سجل عليه هذا الأخير امتناعه التام عن مواكبة احتجاجات الشارع، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة خلال شتاء 2023، ونزوعه بالمقابل إلى الوعظ المريح، والمواجهات الهامشية.
الأستاذ السلفي الشعبوي الذي عثر على ضالته، بمحض الصدفة، في “دغدغة” مشاعر العامة، والقفز على كل الحيطان القصيرة، من الشيخات إلى “الكاسيات العاريات” إلى المصلين الذين ينسون أن يعطلوا هواتفهم قبل دخول المسجد، ويغادرون، قبحهم الله، بعد التسليمة مباشرة، للتبضع من بعض الباعة المتجولين المرابطين أمام المسجد…
عن مؤهلاته العلمية، فهو حاصل على شهادة الماستر في التواصل، باللغة الفرنسية. وقد عمل أستاذا للغة الفرنسية، قبل أن يقتحم مجال الدعوة، على حين غرة، دون أن يكون له أدنى تكوين أكاديمي في العلوم الشرعية. وقد أبان عن هزالة تكوينه الشرعي غير ما مرة، كما سنرى لاحفا.
من شطحاته الكثيرة:
الشيخة.. أقصر الحيطان
في فيديو بتاريخ 21 أبريل 2022، اتهم الشيخ القائمين على وسائل الإعلام الرسمية في المغرب، بإطلاق الكلاب.. كلاب المسلسلات، على المواطنين، وتحديدا المسلسل/الكلب “مكتوب”، في محاولة لدفع المغاربة للتطبيع مع ظاهرة الشيخات! مستنكرا اعتزاز الطالبة المجدة بأمها الشيخة، كرد فعل على تنمر زملائها، ومسائلا أتباعه الأوفياء إن كان لديهم شيخات في أحيائهم؛ ومستنكرا عدم إنتاج مسلسلات عن النساء المسنات اللائي يقرأن القرآن في أحيائنا!
هذه الخرجة المتهورة تذكر بما دعا إليه أحد الدعاة المشارقة الظرفاء، من ضرورة تزويج الممثلين، لكي يكون أداؤهم لدور الزوجين في الأعمال الدرامية شرعيا.
من وابل السخرية والانتقادات اللاذعة التي أعقبت هراء الشيخ:
– أنه يعمم رأيه الخاص على المغاربة جميعا، وينزع إلى التحريض على إحدى مؤسسات الدولة، حين يفترض تآمرا لا وجود له، لمن سمح بمرور المسلسل، وبأنه يقسم المجتمع إلى فسطاطين: فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان. علما بأن فئة الشيخات والشيوخ لعبت أدوارا مفصلية، أحيانا، في تاريخ المغرب (إضافة الناشر: وما حكاية خربوشة التي فصلنا لها مقالا في مرايانا إلا نموذج من نماذج أخرى كثيرة).
– أن لا إلمام للشيخ بمستلزمات الدراما التلفزيونية، وبأنه غير متخلق، لاستعماله ألفاظ نابية في حق غيره.
– السلفيون اليوم في حالة عجز وهوان، إزاء الحكم “العاض”. وبما أن تغيير المنكر فرض عين على المسلم الحق، فالحل هو أن يعمل الشيخ سيفه، في صدر من لا يملك لجهاده المقدس ردا.
نضيف فقط أن الشيخ نفسه، الذي يؤاخذ العلمانيين على صمتهم عن مختلف مشاكل المجتمع (وهذا غير صحيح)، وافتعال قضايا هامشية، لتفادي المواجهة المباشرة مع المسؤولين، هو نفسه من لا يكف عن نصب المشانق لبسطاء الناس، ويستنكف عن الخوض في كل ما يمكن أن يجر عليه سخط المسئولين، مهما صغر شأنهم.
لا أدل على ذلك، من انفجار الشيخ مرة في وجه أحد متابعيه، ودخوله في نوبة رهيبة من الشخصنة والتقريع، حين سجل عليه هذا الأخير امتناعه التام عن مواكبة احتجاجات الشارع، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة خلال شتاء 2023، ونزوعه بالمقابل إلى الوعظ المريح، والمواجهات الهامشية.
أجندة خارجية
في أحد فيديوهاته، اتهم الشيخ العلمانيين والحداثيين والقرآنيين بالتشجيع على الفاحشة، ومحاولة تسييد المرأة على المجتمعات الإسلامية… داعيا أتباعه إلى قراءة تقرير مؤسسة “راند” الأمريكية https://raedelhamed.wordpress.com/2013/08/01/randislammotade للوقوف على محاولات أمريكا القضاءَ على الإسلام، دون أن ينسى التأكيد على أنه مع تطبيق الشريعة، ليس كما هو عليه الأمر الآن، بل بشكل حرفي. لكن، بعد تفقيه الناس في دينهم. آنذاك، فقط، يمكننا أن نقطع يد السارق ونجرم “الشذوذ” الجنسي، دون أية مشاكل.. وهلم تخبطا.
لكن أخطر ما صرح به في هذا الفيديو، هو اتهام محمد شحرور، عدنان إبراهيم، إسلام البحيري، أحمد عصيد، محمد عبد الوهاب رفيقي، محمد عبده ماهر، فريدة الشوباشي، وآخرين من دول مختلفة، بالارتهان لأجندات خارجية، وبأنهم ممولون من ميزانية رصدت لهم خصيصا من الكونغرس، وبأنهم هم القيمون على قناة أصوات المغاربية التي تطعن في البخاري. قبل أن يعلق أخيرا بأن “من يتنور بنور الله، لا تخفى عليه هذه الأمور”.
هذا التصريح الخطير، الموجب للمسائلة القانونية، دفع بمحمد عبد الوهاب رفيقي، أحد المعنيين المباشرين باللائحة أعلاه، إلى أن يتحداه، ويمهله ما يكفي من الوقت، لكي يأتي بأدنى حجة على ادعاءاته تلك.
أفدح من الكذب، الإمعان فيه بكل صفاقة، ودائما دون أدنى دليل: فحينما سُئل الشيخ عن تحدي رفيقي له، أجاب: “هناك نوع من الناس يسمع فقط ما يريد. دعم الكونغرس للتيار التنويري في العالم الإسلامي، لا جدال فيه”. وأضاف، في محاولة للهروب إلى الأمام: يكفي قراءة تقرير مؤسسة راند (الذي لم يرد فيه أي من الأسماء المشار إليها)، لكي نفهم المخططات التي تحاك للأمة الإسلامية.
المهم أن الشيخ لم يأت بأي دليل على اتهاماته، ولا هو اعتذر لمن يهمهم الأمر.
الفيزياء المسلمة
دعا الشيخ في إحدى خرجاته المباركة إلى تدريس الفيزياء المسلمة للطلبة المغاربة، حيث قال: يجب على أستاذ العلوم أن يدرس فيزياء مسلمة، أي بخلفية شخص مسلم. فحين تتحدث مثلا عن أية ظاهرة كونية، فلا أقل من أن تختم تحليلك العلمي جدا، بعبارات من قبيل: سبحان الله! ما أعظم خلق الله! لأن لا حق لك في الحياد الإيديولوجي، في بلد مسلم.
للإشارة، فالفيزياء المسلمة لا تتميز بأية خصائص علمية أو منهجية عن نظيرتها “الكافرة”، اللهم ما كان من عبارات وطقوس المباركة الدينية. وقد يحسن بها، كما علق أحد الظرفاء، أن “تغض البصر” عن نظريتي التطور والانفجار العظيم.
من بعض تطبيقات الفيزياء المسلمة مثلا، ما عبرت عنه المقولة الشهيرة، سنوات السبعينات: المتوازيان خطان لا يلتقيان إلا بإذن الله.
على هامش الفيزياء المسلمة، هناك خرجة أخرى للشيخ يسخر فيها من نظريتي التطور والانفجار العلمي، بدعوى أنهما مجرد خرافتين لا دلائل عليهما.
من يسمع هذا الخبط، يخيل له أن نظرية “خلق الإنسان من طين”، ونظرية “الأرض والسماوات”، ونظرية “الجبال مراسيا” هي التي تم إثباتها علميا ومخبريا.
الشيخ وجهاد الطلب
يؤاخذ الشيخ على بعض الدعاة، ارتعابهم من الحديث في الجهاد، ويشرح لمتابعيه كيف أن القتال في حديث “أمرت أن أقاتل الناس..” ليس هو القتل، وأن الأمر لا يتعدى مطالبة مختلف الحكومات الكافرة، بأن تدعنا نبلغ مواطنيها برسالتنا؛ فإن قبلت، بلغنا رسالتنا وانسحبنا. وإن رفضت، خيرناها بين الإسلام أو الجزية أو القتال… لا غير.
إما أن الشيخ جاهل تماما بمقتضيات شريعته، أو أنه يعرف ويدلس على أتباعه، حين يحصر جهاد الطلب في التبليغ فقط. والواقع أن هدف جهاد الطلب الأول والأخير، هو الحكم “بما أنزل الله” في كل البلدان التي لم تصلها بعد، دعوة الإسلام.
الأعشى والخمر
في سياق حديث له عن التدرج في تحريم الخمر، أورد الشيخ حكاية، مفادها أن الأعشى (الشاعر الجاهلي الشهير)، حين سمع عن دعوة محمد إلى الإسلام، شد الرحال إلى مكة للاستزادة. فلقيه بعض السابلة، وحذروه من أن محمدا يحرم الزنا والخمر. فرفض الشاعر أن يحرم متعة الخمر، وعدل عن فكرة لقاء محمد من الأساس. فسر هؤلاء لقراره ونفلوه ما يقارب مائة من الإبل، وفي طريق عودته ترنح جمله، فسقط أرضا وداسته الإبل فقتلته.
الحكاية أعلاه تفضح جهل الداعية التام للأسباب التالية:
– قصة الأعشى بالتفاصيل التي أوردها، لا وجود لها في أي من كتب السيرة المعتبرة، بل هي منقولة من كتاب “الأغاني” للأصبهاني.
– الخمرة لم تحرم إلا في السنة الثانية للهجرة وليس في مكة.
الحكاية الأصل، هي أن الأعشى كان قد قرر “استكناه” نبوءة محمد، غبر أن المنية وافته قبل ذلك بقليل.. كما قيل.
دلائل النبوة
هاتفَ يوتوبر (الغليمي) الشيخَ، سائلا إياه عن دلائل على صدق نبوة محمد. فتنحنح الشيخ في تبرم واضح، قبل أن يستحضر بضاعة الأجوبة الجاهزة في مثل هذه المواقف، من قبيل: هناك دلائل لا تحصى على صدق النبوة. منها مثلا:
– أن إيمانك بوجود الله، يتبعه بالضرورة اقتناعك التام بأنه قادر على كل شيء، بما في ذلك اصطفاء أي نبي شاء، من بين عباده الأوفياء!
– أن قريش قاطبة شهدت للرسول بالصدق والأمانة (الذين اتبعوا النبي كانوا نحو سبعين تابعا في 13 سنة من الدعوة).
– نبوءة “غلبت الروم”. رغم أن تعبير “بضع سنين” الوارد في الآية 1 إلى 6 من سورة الروم، يتراوح بين الثلاثة والتسع.
.. وهلم تدليسا ومغالطات وكذبا وشخصنة، لم يغنه جميعها شيئا، أمام حذاقة الشاب وتمكنه من موضوعه.
حينها أدرك الشيخ حجم المطب الذي وقع فيه، وبأن الإمعان لن يجني سوى المزيد من التورط. فما كان منه إلا التعذر لمخاطبه، بأن عليه الإيمان أولا بصحة ادعاء النبوة، لكي يمكن إقناعه، بعد ذلك، بأن الادعاء صحيح.
ثم توارى في صمت صارخ.
خبطات الشيخ الشعواء أكثر من أن تحصى في مقال واحد. لكن يبدو أنه، ومن يحدو حدوه، لم يعد يهمهم من الأمر إلا الصراخ عاليا: حذار، معاشر الحداثيين الكفرة، أن تعتادوا على التصرف كما لو أننا أصبحنا في عداد الماضي، فقد تضطروننا بنزقكم هذا، لا قدر الله، للأسوء (كما هدد بذلك مول الفوقية مثلا).
. لقراءة الجزء الأول: محمد امحاسني: أيقونات الإسلام السياسي: مول الفوقية 1\4
. لقراءة الجزء الثالث: أيقونات الإسلام السياسي: الحسن الكتاني 3\4
. لقراءة الجزء الرابع: أيقونات الإسلام السياسي: ادريس الكنبوري 4\4