ولدوا على دين عيسى واتهموا بالعمالة للغرب: مشاهد من حياة المسيحيين المغاربة - Marayana - مرايانا
×
×

ولدوا على دين عيسى واتهموا بالعمالة للغرب: مشاهد من حياة المسيحيين المغاربة

“عالمنا اليوم لم يعد مغلقا، ونحن نفصح عن أنفسنا يوما بعد يوم. نحن مغاربة ولدنا مسيحيين ومنا من ولد مسلما ثمّ غير دينه نحو المسيحية. أعتقد أننا أكثر تسامحا من الناحية العقدية. نحن نقبل العيش مع كلّ الحساسيات الدينية الأخرى، ضمننا متعصّبون أيضا.

لكن من الأفضل أن تتعقّل كلّ العقائد بالمغرب: إسلام ويهودية ومسيحية وبهائية وحتى الملاحدة بمختلف تصنيفاتهم. الجامع بيننا هو أننا مغاربة، وتمغربيت هي الفيصل. التعايش ممكن، لكن لابد أن تكون ثمة إرادة للتسامح”.

هكذا تحدث لمرايانا منصف، 30 سنة، مسيحي مغربي من مدينة سلا؛ مبرزاً أنّ المؤمنين المسيحيين يوجدون في كل ربوع الوطن، ولم يعد إيمان الكثيرين منهم أمرا مكتوما أو تصورا عقديا يدارى في الصمت.

اليوم، صارت الحساسيات الدينية بالمغرب تخرج إلى العلن لتطالب بحقها في ممارسة شعائرها الدينية بأريحية وخارج الأحكام الجاهزة مجتمعيا، كما ينصّ على ذلك دستور المغرب لسنة 2011.

مسيحيون في مجتمع “إسلامي”؟

نطرح تساؤلاً على المسيحيين الذين تواصلنا معهم: هل ثمّة من خطورة في العيش داخل مجتمع “إسلامي” بعقيدة دينية غير إسلامية؟

يجيبنا منصف، الذي ولد وترعرع داخل عائلة مسيحية أبا عن جد، قائلا: المسلمون المغاربة يصدمون عادة حين نفصح عن هويتنا الدينية. الكثيرون لا يعتقدون أنّه ممكن أن يولد مغربي على ديانة أخرى لأنهم يقدسون مُسَلّمة مفادها أن الإنسان يولد إجمالا على الفطرة الإسلامية. العيش في هذا المجتمع صعب، لأن الأغلبية لا تؤمن بحقّ الآخر في الاختلاف. لذلك علاقاتنا محصورة جدا في نطاقات ضيقة. وحين يبدو أن الأمر يحمل خطورة، نلجأ للتقية ونخفي عقيدتنا درءا لأي صدام مع المسلمين. الغريب أن كثيرا منهم يعتبروننا عملاء لجهات خارجية ونؤدي مهمة لنسف دين الأغلبية، بينما مطالبنا لا تتعدى أن نحظى بالاحترام داخل بلدنا”.

محدثنا الذي يشتغل مهندسا، يعتبر أنّه “لازال صعبا أن يتقبل المغاربة أشخاصا ليسوا مسلمين لأن التنشئة الدينية التي تلقوها تعلمهم أنهم على صواب ونحن على خطأ، وأننا على ضلال مبين؛ لقد حدث تدجين وتسميم خطيران للمجتمع تجاه بقية الأديان. الحماية ستكون حين يتغير القانون، خصوصا تجريم الإفطار العلني”.

“أنا غير مسلم أود أن أفطر في رمضان، فلماذا يصادر القانون حقي واختياري ولا يحترم إيماني، ويطالبني باحترام الآخر لمجرّد أنه أغلبية؟ لماذا لا يحترمني الآخر ونعيش في سلام جميعا؟ لماذا أنا الذي عليّ ألا “أستفزّه”؟ وماذا عن حريتي في ممارسة حقوقي الطبيعية كالأكل والشرب بما أنني لست مسلمًا؟ لا نسعى إلى ممارسة التبشير داخل هذا المجتمع، بل نتوق لممارسة عقيدتنا بحريّة. هذا ما نريد، فقط”، يفيد المتحدث.

من ناحية أخرى، يقدم لنا صلاح (38 سنة) من مدينة تمارة مشهدا لا يريد أن يغادر ذاكرته. يتلخص ما جرى في أنّ أحد “رجال الدّين” المسلمين مرة، “رفض أن يسلم عليّ حين عرف أنني مسيحيّ، في إحدى المناسبات التي كنت مدعوًّا لها في حينا. الحادثة قديمة تعود لسنة 2013، لكني مازلت أتذكرها. مسيحيتي جعلتني أعيش نوعا من العزلة في بدايات التحول من الإسلام، وحينها كنتُ طالبا جامعيا”.

صلاح يسترجع بداياته بالمسيحية حيث تعرض للرفض من طرف زملائه في كلية الحقوق بأكدال وقتها. يقول: أغلبهم رفضوا وقتها أن يصاحبوني بسبب قناعاتي الدينية، بدعوى أنه لا تجوز مصاحبة مشرك أو تشارك الطعام معه. كانوا يعتبرونني بمثابة سرطان داخل جسم الفصل. لكن الطلبة اليساريين في الجامعة كانوا يتقبلونني بصدر رحب جدا، ومعظم صداقاتي في الفترة الجامعيّة كانت مع الطلبة النشيطين في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كان فكرهم تقدميا وأثبتوا عن جدارة أنهم يحترمون الخيارات الدينية التي أحملها. مع مرور الوقت صار الناس أكثر تعقلا وفهما.

أما عن شعائرهم الدينية، فهم يمارسونها في السر، كما يبين لنا صلاح، مبرزاً أنّ “الكنائس الرسمية الموجودة بالمغرب هي تابعة للكنيسة الكاثولكية، بينما نحن كمسيحيين إنجيليين ممنوع علينا الولوج إلى هذه الكنائس، وكل طقوسنا تمارس في الخفاء، إلا حين تكون لدينا أنشطة وندوات ومؤتمرات. ولأن الدولة ترخص لنا لذلك، فهذا في حد ذاته إنجاز. أود أن أوضح أن هناك كنائس في بعض الشقق، وفي بيوت بعض المسيحيين، فالكنيسة لا تعني تلك البناية، وإنما هي المكان الذي يجمع المؤمنين؛ نحن نجتمع لكن في احترام لكل قوانين البلد”.

ماكينة الكراهية

يعتبر القس آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة أن “ماكينة الكراهية بالمجتمع المغربي لازالت قوية، بحيث مازلنا نعاني من الفكر المتطرف والفكر المتشدّد لبعض الشّيوخ، الذين يعتبروننا نجسًا ومشركين، ويدعون إلى تكفيرنا. خطاب الكراهيّة موجود بكثرة، والإقصاء هو العلامة التعبيرية الوحيدة التي ألصقها لنا المجتمع وسجلها باسمنا كمسيحيين إجمالاً؛ بعض المسؤولين يستعملونه، بشكل يبيّن لنا أنّ جزءا من الفاعلين السياسيين ماتزال لديهم العديد من التصورات الخاطئة عن المسيحيين”.

المسيحيّون المغاربة، وفق الرباطي، يحاولون أن يقدّموا صورة جيدة عن أنفسهم، من خلال احترامهم لعادات المسلمين، لأن الأثر يجب أن ينتقل لأبنائنا، فالهدف ليس أن نفرق المجتمع إلى طوائف بل أن تتعايش كل الطوائف في ظلّ الدولة المدنية. هناك متطرفون فعلا، لكننا أبعد ما نكون عن خطاب الكراهيّة، نريد الرخاء لبلدنا، نتذكر دائما قول البابا شنودا: المغرب ليس بلدا نعيش فيه، بل هو بلد يعيش فينا.

تتقاطع وهيبة (29 سنة) مع الرباطي، حيث ترى أنّهم، كمؤمنين مسيحيين، ينبغي أن “يمتازوا بمناعة نفسية قوية لمقاومة كلّ الخطابات المجحفة التي تصدر في حقنا عن فقهاء يدعون علينا في المناسبات الدينية وعن مجتمع لا يريد وجودنا أساسا. نحن أيضا نصوم ونصلي على طريقتنا المسيحية، لدينا أعياد ولدينا ثقافة خاصة بديننا، لكننا نحاول نشر قيم للتسامح بيننا وبين مختلف الحساسيات. نحن مغاربة مؤطرون داخل قيم “تمغربيت” والروح الوطنية والولاء للوطن في كل صغيرة وكبيرة. هناك عائلات مسلمة تزورنا ونزورها وتُبارك لنا أعيادنا ونبارك لها أعيادها، ونتعايش بنوع من الود والاحترام والتقدير المتبادل”.

لكن المتحدثة تجد في تصريحها لمرايانا أن “ثمة حاجة ملحة لكي يصبح ذلك قانونا وضعيا يحمي كل الأديان، ونودّ أن يصبح بلدنا نموذجا في منطقة شمال أفريقيا والشّرق الأوسط، في حماية حرية الضّمير. لديّ فتاة، نربيها تربية مسيحية خالصة، لكن داخل أفق الثقافة المغربية. وسنمنحها حقّ تغيير دينها إذا بدا لها ذلك ضروريا حين تبلغ من العمر ما يخول لها أن تكون مستقلة عنا فكريا وعقديا”.

انتظارات المسيحيين؟

يبقى المطلب المرفوع بحدة، والذي يعتبر مدخلا لبقية المطالب هو “تصحيح مسار دستور 2011″، بـ”تفعيل حرية المعتقد”، كما جاء في مراسلة وجهها اتحاد المسحيين المغاربة قبل سنة إلى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، بمناسبة عيد ميلاد المسيح.

آدم الرباطي، رئيس الاتحاد، يجد أنه سيكون من الأفضل لو تحدث زعماء الأحزاب بصفة حزبية ومؤسسية، أي أن لا تبقى مواقفهم رهينة بقناعاتهم الخاصة، وأن تصبح صادرة عن مؤسسة حزبية. هذا سيساعد، حسب أمين، في مأسسة النقاش والدفع به إلى الحلول التي نرجوها. لكن، المشكل أنّ الفاعل السياسي أيضا لديه العديد من التصورات الخاطئة عن المسيحيين، وتحتاج إلى تصحيح.

يقول الرباطي في تصريحه لمرايانا: فيما يخص انتظاراتنا، فنحن نصلي يوميا من أجل التغيير. هذا التغيير موجود نسبيا، نلمسه، لكنه يحتاج إلى مزيد من الجهود وسيساعدنا الإعلام والحقوقيون والفاعلون السياسيون للدفع بالدولة إلى إقرار حرية المعتقد كحق طبيعي لكل مواطن مغربي. نحن مقصيون من جميع المناحي: ثقافيا، واجتماعيا، ونظرة المجتمع لنا لازالت تعتبرنا عملاء للغرب ويعتقد البعض أنه من المستحيل أن يولد فرد مغربي بديانة مسيحية، هناك الكثير من الاتهامات والأحكام الجاهزة التي تروجها الجهات المتشددة وخصوصا السلفية منها، ووجب أيضا تصويبها في أذهان الناس.

يضيف المتحدث أنه “في الزواج، نود ألا يبقى العقد الإسلامي مفروضا علينا. نحن نلجأ له مكرهين فقط لضمان حقنا في الحالة المدنية، لكن زواجنا مسيحي. شخصيا، كنت أول مسيحي مغربي يتزوج على الطريقة المسيحية الصرفة، أسستُ كنيسة في تمارة، وأحاول أن أقدم الدعم للناس الذين ليس لديهم تأهيل كتابي في المسيحية وأقدم عقودا باسم الكنيسة، ونزوجهم بطريقة تحترم مختلف الشروط كالشهود والطقوس والمراسيم والوعود، إلخ. نتمنى أن يكون هناك زواج مدني أو أن ننال الحق في كنيسة مغربية تضمن زيجات المسيحيين”.

رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة يجمل أنه ثمة مطالب حيوية كأن تكون لنا مقبرة خاصّة بنا، وأن يصبح زواجنا على الطريقة المسيحية رسميًّا، وأن نسمي أبناءنا الأسماء المسيحية التي نشاء، وهي مطالب عادية.

التربية الدينية مسألة ضرورية، لأن التربية الدينية ستلقّن التلميذ أن يتقبل الاختلاف، وستقدم له خلفية معرفية عن الطقوس في كل الأديان وليس عن ديانة واحدة؛ وأن يقبل الاختلاف وألا يكون لديه فكر متطرف ويحترم حرّية الضمير… المكونات الدينية متعددة، اليوم، بالمغرب؛ ومن يدعي أن الإسلام هو الدين الوحيد بالمغرب فهو يغالط الناس فقط.

فهل سينال المسيحيون حقوقهم قريبا، أمّ أن أحلامهم وانتظاراتهم ستبقى مجرد صلاة قد لا يستجاب لها…؟

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *