أوقفوا تعذيب الشعوب: جزائريون بالمغرب يحذّرون من “بؤس السياسة” - Marayana - مرايانا
×
×

أوقفوا تعذيب الشعوب: جزائريون بالمغرب يحذّرون من “بؤس السياسة”

تسير السياسة العدائية بين المغرب والجزائر بسرعة عالية، تودّ بإصرار أن تجرف بما تبقى من المشترك بين الشّعبين. السياسة التي أفشلت تنزيل مقررات 1958 في طنجة، وأشعلت حرب 1963، وحرب الاتحاد العربي – الأفريقي مع الشقيقة ليبيا، وعرقلت ثمّ جمدت الاتحاد المغاربي، تريد أن تتجاوز أفق السياسة لتقتحم أفق الشّعوب بالقوة.

سمعنا وقرأنا ما يكفي من التّحليلات والتّنظيرات حول “الحرب العسكرية”، وحول استدراج الشعبين، على الأقل، للحرب النفسية الحالية. لكن، ماذا قال عنها المتعقّلون من الشعبين، الذي يهربون باستمرار من جنون السّياسة؟ جزائريون يسكنون في المغرب لم يخفوا رغبتهم، القديمة والمتجددة دائما، بأن يصبح “هامش” الشعب أقوى من هامش السياسة. فإليهم الكلمة… على مرايانا.

“الشّعوب بطبعها صلبة”

تقول نهى، وهي فتاة من أصول جزائرية وتقطن بمدينة الناظور المغربية، إنّه بحكم الحكايات المتداولة داخل العائلة، بدا دائماً أنّ الشّعبين المغربي والجزائري كانا دائماً على وفاق جنينيّ.

تذكرنا المتحدثة بما يُحكى عن فترة انعدام الحدود بين البلدين، حين كانت الزيارات العائلية متبادلة هنا وهناك، وكانت التجارة بالبضائع المغربية والجزائرية مسألة روتينية ويوميّة. العمل وموائد الطعام كانت تحتفظُ بكثير من الروابط في السابق قبل أن تبدأ سموم السياسة، وبالتّالي سموم الإعلام التي تمسّ الشعبين مباشرة.

نهى تعتبر أنّ حملة التّسميم بين الشّعب المغربي ونظيره الجزائريّ تدفعُ الناس البسطاء إلى الاعتقاد بأنّ أطراف النزاع لم تعد سياسية، بل أنّ استهداف بلدهم يعني استهدافهم. وفي كلّ هذه الحكاية، يكون المستفيد الأول هو الأنظمة، والخاسر الأكبر فيها هم الشعوب.

بالنسبة لنهى، فإن الشّعوب بطبعها صلبة، ولكن آلة الدّعاية تساهم في اغتيال المُشترك، حتى تبدأ الحرب الباردة بين شعبين، حتى الفنّ يوحدهما، فلازالت الأغاني الجزائرية تتردد في المغرب، ولازالت الأغاني المغربية متداولة في الجزائر. من الصعب مثلاً أن تعثر على مغربي لا يعرفُ الراي الجزائري ويقدره كفنّ.

مصطفى، جزائري يقطن بمدينة بركان المغربية، يعدّد القواسم المشتركة التي “تجعلنا كجزائريين نطمئن. نعرف أنّ هراء السّياسة لن يفّتت اللّحمة الجامعة بيننا. هناك عائلات مغربية تعيش في الجزائر ونحن نعيش في المغرب.

ما الذي يربط أواصر البلدين أكثر؟ يجيبنا مصطفى قائلا: يجمعنا الدين الإسلاميّ وتجمعنا اللغة العربية والأمازيغية. هناك جوانب ثقافية متماسكة بقوّة التاريخ ولن تتحلّل ببساطة. عائلات كثيرة تعيش ممزقة بين البلدين وعائلات مكونة من الشعبين في المناطق الشرقية مثل وجدة، بركان، أحفير وفكيك وبني درار”.

يذكر مصطفى أيضا بأن “ثمّة قبائل بأكملها تعيش في الجانبين من الحدود، مثل قبائل صحراويّة في الأقاليم الجنوبية، وأمازيغية كقبيلة آيت خباش في الجنوب الشّرقي للمملكة، وقبائل عربية على غرار ذوي منيع… وكلّ هذا يبين أنّ ما يجمعنا أكبر من معضلة سياسية تقوم بكلّ ما بوسعها لكي نصبح على طرفي نقيض.

يرى مصطفى الأمر مستحيلاً… فهو يرى أن مصالح الشعوب معروفة. يقول: مصالحنا في الوحدة وليس في الفرقة. إذا كانت السياسة تودّ جرنا إلى بؤس الصراع، فعلينا أن نوجه سياسيينا نحو السلام، نحو التعايش. أنا أعيشُ بين المغاربة، فهل يريد سياسيونا أن نسبّ جزءا من هويتنا؟”.

“المغرب بلدنا… أيضًا”

“في البدء، كان الدفء”، هذا ما يؤمن به يحيى، جزائري يسكن في سلا منذ بداية الألفية. يحيى يقول إنه “لا يشعر أبدا أنه في بلد آخر، فالمغرب بلده الثاني”. يتحدث يحيى بحب عن البلدين: الراحل المهدي بنبركة درس عندنا في الجزائر سابقا، وهذا يعني أنّ هناك ثقلاً رمزيًّا مشتركا بين البلدين ينبغي استثماره.

كما يجمعنا التّصوف، الذي هو في الأصل انتصار لقيمة الحبّ. ما يحدث مضيعة للوقت والجهد وإغلاق الحدود والمجال الجوي مجرد ضرر كبير. إنه علامة صريحة على “تعذيب” الشعوب. يضيف لنا ذلك مشقّة مضاعفة حين نرغب في زيارة أهلنا ببلدنا الجزائر. نريدُ أن تُفتح الحدود وأن تعود المياه إلى مجاريها. لا جدوى لهذا التشويه المتبادل وهذه الشيطنة المتبادلة”.

يحيى يردفُ بأنّه لا يحبّ أبداً أن يرى تلك المشاحنات الكبيرة في المجموعات الفيسبوكيّة. لذلك، فهو يتمنى “لو سادت الأجواء المبهرة التي كانت خلال كأس العالم. رأيتُ الشعب الجزائري بالإجماع يشجع المغرب، باستثناء أقليات صغيرة توغلت داخلها شرور الكراهية. لا يمكنك أن تكره إخوتك، أشخاصا من لحمك ودمك يتحدثون لهجة تشبهك، كأنّك تكره نفسك دون أن تدري”.

كان المتحدث يحبّ أن ينخرط في نقاشات في التّعلقيات ليبين أن الشعوب هي ضحية لآلة دعائية خطيرة تودّ أن تلتهمنا. كل شيء يوحد الشعبين. حتى الأطباق والمطبخ يجمعهما. هنا يفيد يحيى: حين تأكل طعاما مغربيّا، لا تشعر بالغربة، تعرف أن ذلك يشكل جزءا من تاريخنا المغاربي وإرثنا المشترك.

لكن… يبدو أنّ أحلام الجزائريين القاطنين في المغرب مشتركة، مثلها مثل أحلام المغاربة القاطنين في الجزائر. فكلاهما يؤمن بأنّ الشعوب متراصّة بلا أي مجال للمُفاوضة. رغم كلّ ما تقوم به السّياسة، التي يصفها الجزائريّ خالد بـ”الشرّ المطلق”.

خالد الذي يقطن بمدينة المحمدية المغربية، يقول، في تصريح لمرايانا، إنّ السياسة لا تراعي وجدان الشعوب، تهتمّ، فقط، بمصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية.

“لكننا كشعوب نريد الرخاء ونريد الكرامة، وألا نعيش في حالة تهديد دائم بأن هناك حربا شاملة في أفقنا. لا أحد يمكنه أن يقنعني بأنّ المغربيّ عدو لي. ستنطلي هذه الخدع على الناس الذين لا يتوفرون على حس نقدي يجعلهم يمحصون كلّ ما يتم تداوله. والِداي لم يذهبا يوما للمدرسة. لكن، يتردد داخل عائلتنا “المراركة خوتنا وحبابنا”، يقول خالد.

ثمّ يواصل قائلاً، بأنّ “الشعب الجزائري ناضل دائما لكي يتحرر من الاستبداد، لكن لا ينبغي أن نتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب. لا تهمنا السياسة بقدر ما يهمنا شعب تجمعنا به الجغرافيا وكل شيء. ساد نوع من الغضب عندنا حين استأنف المغرب علاقته بإسرائيل. لم يعجبنا ذلك لأن القضية الفلسطينية محورية في شعورنا العام. لكننا ندرك أنّ الشعب المغربي يرفض ذلك بدوره”.

يجملُ خالد موضحا بأنه “رغم كل ذلك، يبقى خيار الحرب تهديدا سيدمر كلّ أحلامنا وكل طموحتنا لفتح الحدود. نحلم كلّ يوم بأن يصير المغرب والجزائر بلدان ينظران إلى المستقبل، إلى تطوير الشعوب عوض استنفاذ كلّ الثّروات والأموال في التّسابق نحو التّسلح.

يرجو خالد في الختام أن تترك السياسة الشعوب وشأنها، في المغرب كما في الجزائر. نحن نعيش الآن في المغرب، لكن قلوبنا في الجزائر. لا يخامرنا جزء من الشك بأن المغرب بلدنا والمغاربة إخواننا”.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *