محنة القبايل على طاولة الديبلوماسية المغربية… هل تستغلّ المَملكة ورقة القبايل لتطويع الجزائر؟ 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

محنة القبايل على طاولة الديبلوماسية المغربية… هل تستغلّ المَملكة ورقة القبايل لتطويع الجزائر؟ 3/3

القبايل تطالب بالاستقلال عن نظامٍ يتبنى “الاشتراكية العربية” و”الشمولية السياسية”… لكن هل سيمضي المغرب في مسلسل دعم القبايل عبر استضافة قادة حكومة المنفى وفتح علاقات دبلوماسية معها كما دعا فرحات مهني؟

بعدما رأينا في الجزء الأول منبع النزاع القائم بين النظام الجزائري والقبائل، وكيف تحول مطلب الاستقلال إلى انفصال عن الجزائر في الجزء الثاني؛ في هذا الجزء، الثالث والأخير، نعاين كيف تحوّل ملف القبايل إلى ورقة، يمكن أن تلعب بها الديبلوماسية المغربية لإرغام الجزائر على العدول عن موقفها الداعم لانفصال المغرب.

لم يكن عنوان هذه الحكاية كلّها سوى عمر هلال، سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي نكأ جراح الانفصال بالجزائر، حين وجه دعوة، خلال اجتماع دول عدم الانحياز، طالب فيها باسم المغرب بالانتباه لحق تقرير المصير لشعب القبايل في الدولة الجزائرية.

كيفَ للجَزائر أن تقول بأنها بلد يدعم الاستقلال وتقرير المصير في الصّحراء، ولكنها ترفضُ الأمر حين يتعلق بالدولة الجزائرية ومكوّناتها التي تُطالب بالاستقلال؟

دعوة هلال جاءت بعد إعلان وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، دعم حق تقرير مصير سكان الصحراء المغربية، المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ عام 1975.

دعم الانفصال: الردّ بالمثل!

أحمد نور الدين، باحث في القضايا الدولية والاستراتيجية، يرى أنّ الجزائر، في سِياستها تجاه المَغرب، لم تكُن تتصوّر أنّ المغرب سيردّ بالمثل، ويثير مشكل القبائل بشكل رسمي عبر السفير عمر هلال، رغم أنّ الجزائر نفسها تحتضن، منذ خمسين سنة، الجبهة الانفصالية للبوليساريو على أراضِيها وتدعمها بالمال والسّلاح.

لا يخفى أنّ “الجَزائر تقود عدواناً مستمرًّا ضدّ المغرب. من الناحية العسكرية مثلاً، نجدُ معركة أمغالا سنة 1976، التي شارك فيها العسكر الجزائري بثلاث ألوية كاملة، إلى جانب البوليساريو، واستَطاع المغرِب أن يأسِر فيها 103 من ضبّاط الجزائر، وغيرها من أشكال العدوان العسكري.

يوضّح هذا الأمر أنّ الجَزائر كانت، في البِداية، متفرّغة لمهاجمة وحدة المغرب عسكرياً، لكنّ الحرب ما فتئت أن باتت دبلوماسية تدور رحاها في المنتظم الدولي إلى اليوم”.

أحمد نور الدين يردفُ في تصريح لمرايانا أنّه بالمُقابل، ظلّ المغربُ في موقع دِفاعي ولم يُهاجم الجَزائر نهائياً. لذلك، كانت ردّة فعل النظام الجزائري، على أعلى مستوى في الدولة، عنيفة وعدوانية بشَكل مُكثف عِندما تحدّث المَغرب عن القبايل.

حين سحبت الجزائر سفِيرها للتّشاور عقب هذه الأزمة، جاء الردّ مجدّداً من عمر هلال، وليس من وزارة الخَارجية المغربية. وكان ردّه أن المغرب لحدّ الآن لا يدعمُ استقْلال القبائل ولا غير القبائِل، يقول المتحدّث.

الباحث في شؤون شمال أفريقيا يعتبرُ أنّ السّياسَة الجزَائرية تعي عنصر التناقض والازدواجية في مواقفها تجاه الانفصال، الذي تسميه هي الاستقلال. فحتى في قضية شعب الطّوارق، أعلنت بشكل صريح ورسمي أنها ضدّ استقلال الأزواد، لأنّها متخوّفة من أن يقتَطع الاستقلال جزءً من أراضيها في الجنوب، لو استقلّ الطّوارق بدَولتهم.

أحمد نور الدين يتساءل: كيفَ للجَزائر أن تقول بأنها بلد يدعم الاستقلال وتقرير المصير في الصّحراء، ولكنها ترفضُ الأمر حين يتعلق بالدولة الجزائرية ومكوّناتها التي تُطالب بالاستقلال؟

المفارقة، وفق الباحث، أنّ الجزائر اطمأنّت لصمت المغرب وموقفه الدفاعي المستمر، إلاّ أنّ السياقات الحالية وتنامي التّحرشات الجزائرية، أفرز وضعاً مغايراً.

الجزائر، عندما استعمرتها فرنسا، كانت مُجرّد أقاليم، ولكلّ منطقة ثقَافة خاصّة بها، فالطّوارق كانوا مستقلين ولهم ثقَافتهم مُستقلون بها كذلك، والصحراء الشرقية المعتبرة تاريخياً أراضي مغربية، هي أيضاً تتمتع بثقافة مختلفة، فضلاً عن مناطق شاسعة في الشرق، كانت تابعة لتُونس، لأن تونس كانت دولة عريقة منذ زمن قرطاج.

لو كان المغرب، يقول نور الدين، يلجأ إلى حقّه في الرّد وحقّه في المُعاملة بالمثل، وهما حقّان يضمنهما القانون الدّولي والأعراف الدّيبلوماسية، لكان ملفّ الصّحراء قد تمّ طيّه منذ ثلاثين أو أربعين سنة. لكن صمت المغرب دفع نظام العسكر الجزائري إلى تعميق عقيدة العداء تجاه المغرب.

لوقت طويل، راهن المغربُ “على احترام الجوار وتغليب روح التّسامح، وارتكن إلى الشّق الإنساني في السّياسة الدّولية، في انتظار عودة القيادة الجزائرية إلى جادّة الصواب”.

غير أنّ المغرب، في النّهاية، اكتشف أنّ الجزائر لا تسعَى سوى إلى المزيد من تعمِيق الخلاف في كلّ مرّة، فلوّح إليها بملفّ القبَائل، كورَقة من بين الأورَاق التي يمكنُ استعمَالُها… ولو بشكلٍ غير مباشر عبر إعلان أنها ليسَت موقفاً رسمياً للمغرب.

كأن الرسالة التي يوجهها المغرب للعسكر الحزائري، هي: “منطقياً، إذا كُنتم تطَالبون باستِقلال جنوب المغرب منذ عقُود، فالأولى أنّ تُطَالبوا بحق شعب القبايل في تقرير المصير في منطقة القبائل، التي تتوفّر على كلّ شُروط الدّولة المُستقلّة”، يضيف المتحدّث.

المغرب لم يدعم القبايل وحكومتهم المؤقتة في المنفى، لا مالياً ولا عسكرياً، ولم يزوّد قادتها بجوازات سفر دبلوماسية، ولم يدعمهم دولياً، ولم يجنّد إعلامه للتّرويج لدعايتهم… وغير ذلكَ من الأمور التي تتورّط فيها الجزائر صريحاً تجاه الجبهة الانفصالية.

لكن… إذا “كانت النخبة المغربية تتمسك بالوحدة الترابية للمغرب، وتدافع عنها كمبدأ مقدس، وترفض، مقابلها، الانفصال والتجزئة؛ فإن ذات النخبة المغربية لا تجد أي حرجٍ في دعوتها اليوم إلى فصل جزء من الجزائر عن دولته، من خلال التحريض على ما تسميه حقَّ تقرير مصير شعب القبايل”، يقول الباحث عبد السلام بنعيسى في مقال له.

القبائل… ونظام جزائري من ورق!

فی مقال له بعنوان”هستيريا نظام من ورق”، يحاولُ الباحث عبد الله بوصوف، أن يبيّن أنّ ردود الفعل التي تلت تصريح السفير عمر هلال، أبانت عن هشاشة النظام الجزائري الذي وصفه بأنه “نظام من ورق”، تعوّد على شِراء الولاءَات والأصوَات والأفلام والتّقارير في الدّهاليز وتحت الطاولة، ولم يتعود على النّدية والمُحاججة فوق الطاولة وأمام الملأ.

“نستطيع أن نفهم لماذا ترفع الجزائر دائماً شعار الحفاظ على الحدود الموروثة على الاستعمار، ولو أنّ ذلك ضمنياً يدينُ الجزائر بالدفاع عن الارث الاستعماري، الذي اعتدى على دول الجوار واقتطع مِنها وضمّ بعضها لدُول أخرى قسراً”

أحمد نور الدين، كتعقيب، يقول إنّه “لو تمَادينا في هذا التّوصيف، فستكون الجزائر كاملةً، وبدُون تحَامل، دولةً من ورقٍ، لأنّ الخريطة الجزائرية هي من صُنع الاستعمار الفَرنسي، والخريطة الحالية للجزائر لا تتوفّر بتاتاً على مفهوم الأمّة”.

كان أول رئيس حكومة جزائرية في المنفى، فرحات عبّاس، قد قالها صريحاً، في كتابه “الاستقلال المصادر”. قال إنه “تجوّل في شمال الجزائر وجنوبها وشرقها وغربها، ولم يجد أمّة جزائرية”.

يضيف الباحث في شؤون شمال أفريقيا أنّ الجزائر، عندما استعمرتها فرنسا، كانت مُجرّد أقاليم، ولكلّ منطقة ثقَافة خاصّة بها، فالطّوارق كانوا مستقلين ولهم ثقَافتهم مُستقلون بها كذلك، والصّحراء الشّرقية، المعتبرة أراضي مغربِية تاريخياً، هي أيضاً تتمتع بثقافة مختلفة، فضلاً عن مناطق شاسعة في الشرق، كانت تابعة لتُونس، لأن تونس كانت دولة عريقة منذ زمن قرطاج.

الجزائر من صنع فرنسا، “والعثمانيون حين استعمروا الجزائر، حكموا أقلّ من ثلث الخريطة الحالية. لكنّ فرنسا، بعد دخولها، ضمّت بعض المناطق الأخرى وعملت على توسيع “التراب الجزائري”.

لذلك، نستطيع أن نفهم لماذا ترفع الجزائر دائماً شعار الحفاظ على الحدود الموروثة على الاستعمار، ولو أنّ ذلك ضمنياً يدينُ الجزائر بالدفاع عن الارث الاستعماري، الذي اعتدى على دول الجوار واقتطع مِنها وضمّ بعضها لدُول أخرى قسراً”، يقول أحمد نور الدين.

السّياسَة الجزَائرية تعي عنصر التناقض والازدواجية في مواقفها تجاه الانفصال، الذي تسميه هي الاستقلال. فحتى في قضية شعب الطّوارق، أعلنت بشكل صريح ورسمي أنها ضدّ استقلال الأزواد، لأنّها متخوّفة من أن يقتَطع الاستقلال جزءً من أراضيها في الجنوب، لو استقلّ الطّوارق بدَولتهم.

موضوع القبايل يوضّح بجلاء أنّ “الدولة الجزائرية من ورق، وأنه، في أي وقتٍ، يمكنُ تقسيمها إلى دويلات مستقلّة: القبايل إلى جانب الطّوارق والمزابيين والشاوية في الشّرق”.

كخلاصة، يعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية أنّ الأمر الأعقد، الذي يجعل الجزائر نظاماً ودولةً من ورق، هو تعنّت “العسكراتيا” الجزائرية الحَاكمة، ودرّها لمزيد من الملح على القَضايا الثّنائية للبلدين.

في النهاية، وبحكم التعدديات الإثنية الكثيرة في الجزائر، ورغبة كل منطقة في الاستقلال، تكون الدولة الجزائرية على شفا انهيار محدّق.

لذلك، على الجزائر أن تفهم بأنّ تغذية التعصب ودعمه سيكون الخاسر الأكبر فيه… هو الجزائر!

وتبقى منطقة القبايل، كما يقول الفاعل الأمازيغي عبد الله بوشطارت، متوفّرة بجدارة على كلّ العناصر الأساسية لإنشاء دولة مستقلة عن “النظام الجزائري العسكري الشمولي”، سواءٌ جغرافياً أو تاريخيا أو بشرياً وسياسياً وثقافياً…

القبايل تطالب بالاستقلال عن نظامٍ يتبنى “الاشتراكية العربية” و“الشمولية السياسية”… لكن هل سيمضي المغرب في مسلسل دعم القبايل عبر استضافة قادة حكومة المنفى وفتح علاقات دبلوماسية معها كما دعا فرحات مهني؟

لننتظر الأيام… لتجيب!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *