نائبة رئيس “شبكة القراءة بالمغرب”: قضية القراءة هي الجواب الثقافي على ما آل إليه الربيع المغربي - Marayana - مرايانا
×
×

نائبة رئيس “شبكة القراءة بالمغرب”: قضية القراءة هي الجواب الثقافي على ما آل إليه الربيع المغربي

واقع القراءة بالمغرب واقع متأزم وقاتم، إذ أن معدل القراءة في السنة لا يصل إلى كتاب واحد، بل لا يتجاوز العشر صفحات في السنة؛ بينما تتجاوز جل الدول المتقدمة معدل عشرين كتابا في السنة.
المغرب يعرف أزمة قراءة تهدد كيانه الحضاري، باعتبارها أزمة بنيوية وتاريخية عميقة، دون أن ننسى غياب رؤية من لدن السياسات المتبعة لقضية القراءة، وعدم تصنيفها كأولوية في استراتيجيتها أو مكونا من مكونات التنمية البشرية المستدامة.

 

عائشة أشفيعي: نائبة رئيس شبكة القراءة بالمغرب

“شبكة القراءة بالمغرب” عنوان مميز في الميدان الثقافي المغربي، في ظل واقع يعرف أزمة بنيوية عميقة تُجاه الكتاب.

مرايانا تحاور هنا، “عائشة أشفيعي”، نائبة رئيس الشبكة.

نسائلها عن الشبكة؛ بدايتها وحصيلتها، ونتساءل معها عن واقع القراءة بالمغرب؛ أسبابُ الأزمة، وسبل تجاوزها.

. هل يُمكن لكم تقريبنا من شبكة القراءة بالمغرب: الفكرة، البدايات، سقف التحديات، الحصيلة؟

    . شبكة القراءة بالمغرب هي نتاج مبادرات كانت موجودة في قلب الواقع مثل: “مبادرة نوض تقرا”، و”مبادرة الفلسفة في الزنقة”، ومبادرات قرائية وثقافية كثيرة. جاء تأسيس شبكة القراءة بالمغرب بعد ضغط ما آلت إليه حركة 20 فبراير. ضمن هذا السياق، خلص المؤسسون إلى غياب السؤال الثقافي. من هناك، ظلت قضية القراءة تحتل حيزا كبيرا من تفكيرهم وتم اعتبارها الجواب الثقافي على ما آل إليه الربيع المغربي. من هنا، كان العمل، إلى جانب مبادرات شبابية داخل الأندية الجامعية والمؤسسات التعليمية والحدائق العمومية. بعد تراكم حقيقي ونقاش غني، جاء التأسيس الفعلي والقانوني لشبكة القراءة بالمغرب نهاية 2013.

منذ ذلك الحين، سعت شبكة القراءة بالمغرب إلى العمل على ترسيخ عادة القراءة كفعل يومي لدى المواطنات والمواطنين المغاربة. تسعى الشبكة إلى تحسيس الجميع وتعبئة كل الطاقات والإمكانيات الفردية والجماعية والمؤسساتية من أجل الانخراط الواسع والدائم في خطة وطنية استراتيجية للتحسيس والتكوين وترسيخ القراءة في كل الفضاءات، من مؤسسات تعليمية ومراكز ثقافية ومكتبات عمومية وخاصة مؤسسات دور الشباب والمخيمات الصيفية والحدائق العمومية، بالإضافة إلى المؤسسات السجنية والاصلاحيات.

من خلال مجموعة من البرامج القرائية والمشاريع الثقافية أهمها: الجائزة الوطنية للقراءة وجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي وبرنامج القراءة في المخيمات الصيفية وفي الحدائق العمومية وغيرها… استطاعت الشبكة، إلى حدود اليوم، تفعيل أكثر من 12 فرعا وتنسيقية في 12 مدينة بالمملكة بدءا بالرباط وسلا وتمارة والجديدة وتطوان وتاهلة والحاجب والمحمدية وفرعين في الدار البيضاء مرورا بمراكش وكلميم. من أجل امتداد أكبر في ربوع المملكة، نعمل حاليا على تأسيس فرع في مدينة العيون.

خلال هذه السنوات، راكم الشبكيون والشبكيات تجربة رائدة في المجال المدني التطوعي، وعملا مستمرا وجادا في إشاعة ثقافة القراءة وحب الكتاب بمعية شركاء يؤمنون بعملنا ويدعمون قضيتنا؛ على رأسهم وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وعدد من الجهات الخاصة الأخرى، حيث أسدلنا الستار، مؤخرا، على الدورة الثامنة من الجائزة الوطنية للقراءة، بتتويج 8 قراء فائزين وطنيا ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، بعدما شارك في هذه التظاهرة 1200 مرشحا ومرشحة من كافة جهات المملكة، كما تم تتويج الكتاب الفائرين بجائزة الشباب للكتاب المغربي بأصنافها الأربعة أيضا.

. اتجهت شبكة القراءة بالمغرب، إلى وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تعزيز حضورها. لماذا   الرهان على مواقع التواصل الاجتماعي، مع ما تعرفه من سيطرة “محتويات الرداءة” التي تعد الأكثر مشاهدة وتتبعا؟

    . كانت شبكة القراءة بالمغرب تستغل مواقع التواصل الاجتماعي للإخبار والتعريف بأنشطتها فحسب. لكن، بعد اجتياح فيروس كورونا، سارعنا بإطلاق مبادرات قرائية وحملات للتعريف بالكتاب والكتب مثل مبادرة “قرا فدارك”، وأصبحت الصفحات الرسمية للشبكة تنشر محتوى قرائيا يشجع على فعل القراءة، مثل برنامج “ضيف الأحد” و”كتاب الأسبوع”. وقد تجاوب المتابعون بشكل غير مسبوق وشاركوا معنا بشكل فعال وإيجابي في الحملات التي كنا ولازلنا نطلقها، مثل النداء الوطني للقراءة، حيث تجاوز عدد المتابعين اليوم عبر صفحة الفايسبوك 67 ألف متابع بعدما كان العدد لا يتجاوز 12 ألف متابع قبل الجائحة.

. لكن، ألا يمكن القولُ إن مجرد طرح الفكرة، في ظل واقع القراءة بالمغرب، يبدو أنه قد يكون عاملا للفشل؟

    . يقول حكيم الشبكة، الأستاذ عبد الرحمان الغندور، وهو أحد المؤسسين: “من مات وليس في عنقه قضية نبيلة يناضل من أجلها، مات ميتة عدمية”. ونحن أعضاء الشبكة، اتخذنا القراءة قضية لنا، صحيح أن الرهان يبدو صعبا جدا، لكن، ثمّة حكمة تقود الشبكة وهي مثل صيني قديم: “إن اصغر الضربات المتواصلة، بأصغر مطرقة في العالم، على أعلى جبل فيه، ستحوله ذات يوم إلى سهل من المروج”. لذلك، فإن قيمة الفعل ليس في القيام به، بل في مواصلته.

. هذا يحيلنا إلى سؤال آخر، واقع القراءة بالمغرب؟

    . واقع القراءة بالمغرب واقع متأزم وقاتم، إذ أن معدل القراءة في السنة لا يصل إلى كتاب واحد، بل لا يتجاوز العشر صفحات في السنة؛ بينما تتجاوز جل الدول المتقدمة معدل عشرين كتابا في السنة.

المغرب يعرف أزمة قراءة تهدد كيانه الحضاري، باعتبارها أزمة بنيوية وتاريخية عميقة، دون أن ننسى غياب رؤية من لدن السياسات المتبعة لقضية القراءة، وعدم تصنيفها كأولوية في استراتيجيتها أو مكونا من مكونات التنمية البشرية المستدامة، الشيء الذي أدى إلى شبه انعدام القراءة لدى عامة المواطنين. لكننا في شبكة القراءة بالمغرب لم نكتف بالرصد والتتبع والنقد ولعن هذا الواقع الباعث على اليأس، بل نسعى لنشر الأمل وإشعال الشموع وسط الظلام المطبق من كل جانب.

. في نظركم، إلى أي حد يُمكن لهذه المبادرات الرفع من منسوب الاحتكاك مع الكتب؟

    . مثل هذه المبادرات، بغض النظر عن محدودية طاقاتها المادية والبشرية وعدم قدرتها على تغطية الجميع، تبقى ذات أهمية في تشجيع الشباب والأطفال على ممارسة فعل القراءة. في الشبكة، مثلا، عدد القراء والأندية المشاركة في الجائزة الوطنية للقراءة يزداد سنة بعد سنة، وعدد المنخرطين أيضا يرتفع يوما بعد يوم. لكن، تبقى هذه المبادرات ناقصة إن لم تتدخل الجهات المعنية بالأمر بسياسة التقائية واضحة وطموحة. لذلك، قمنا مؤخرا بتوجيه رسالة الى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حول ضرورة إنشاء وتأهيل المكتبات المدرسية، دون أن ننسى الإعلام كإحدى أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية القادرة على التأثير في سلوك واتجاهات أفراد المجتمع الى جانب مؤسسات الأسرة والمدرسة.

. ألا يمكنُ أيضا مساءلة المنتجات الفكرية، منتجات تستهلك المعرفة أكثر من كونها تُنتج؟

    . يحق للقراء مساءلة المنتجات الفكرية، فالقراءة أول ما تعلمه لنا هو الحس النقدي، والنقد هو الذي يطور المنتوج الأدبي والفكري في أي مجتمع. إذ، لا ننكر أنه ثمة بعض الأعمال الأدبية التي تفتقر للإبداع والتجديد، ناهيك عن الأخطاء اللغوية والإملائية. غير أنه، ورغم وجود هذه الأعمال، ثمّة منتجات مغربية باتت ترفض الجاهز، متجاوزة القوالب التقليدية، لتأخذ لنفسها مكانا في المكتبة العالمية، بدليل أنه أصبحنا نرى روايات مغربية تصل الى اللوائح القصيرة وتنافس على عدة جوائز عالمية من بينها البوكر العربية.

. هذا الاستهلاك يظهر أيضا في غثاثة المُنتَج شكلا – لغويا أكثر تحديدا – ومضمونا، دورُ النّشر التي تقبلُ هذا، ألا تعتبر في نظركم من أسباب الأزمة؟

    . دور النشر هي الأخرى تتحمل جزء من المسؤولية حول واقع القراءة ببلدنا، إذ يوجد عدد من دور النشر المغربية – الصغيرة منها تحديدا – لا تهتم بجودة النص المكتوب بقدر اهتمامها بالجانب التجاري المتمثل في صاحب النص وعدد المتابعين له عبر صفحات التواصل، كونهم قراء مرتقبين لمنتجه. دور النشر المغربية لازلت عاجزة على منافسة نظيراتها في المشرق، بالرغم من وجود بعض الدور المغربية المحترمة التي لها لجان تقنية وفنية تسهر على الانتقاء والتدقيق…

. جاء في المؤتمر الخامس لاتحاد الناشرين المغاربة، أن”الوضع المتردي للقراءة يرتبط بمصير أجيال تنغمر في وهم التقنية بكل أشكالها السلبية بدون خلفية ثقافية تحصنهم من آفة التلقي السلبي”. رأيكم؟

    . دائما ما أرى فكرة يتم الترويج لها مفادها أن القراءة بالمغرب تراجعت عمّا كانت عليه في السابق، ويتم اتهام وسائل التكنولوجية الحديثة بكونها كانت سببا مباشرا في هذا التراجع. غير أنه، ومن وجهة نظري الخاصة، أعتقد أن هذه الفكرة مغلوطة الى حد ما. فهل المغاربة كانوا يقرؤون خلال السنوات الماضية؟ ليست لدينا أرقام دقيقة توضح ذلك، إلا أن الأمية الألفبائية كانت مرتفعة في الماضي أكثر من الآن. من هنا يمكننا استنتاج أن القراءة في الماضي كانت نخبوية.

إلا أنه يمكن استغلال هذا التطور الرقمي في ترسيخ عادة القراءة، فالرقمية سهلت حياتنا بشكل رهيب والمكتبة التي كان الصاحب بن عباد يحملها معه أينما حل وارتحل على قافلة من الجمال، يمكن الآن تخزينها في جهاز خفيف لا يكاد يجاوز في حجمه كتابا متوسط الحجم. إذ بات بإمكان القارئ أن يتصفح ما يشاء من الكتب والمقالات عبر شاشة صغيرة يحملها معه، خاصة وأن للكتاب الإلكتروني إيجابيات عديدة متمثلة في تكلفته البسيطة وسهولة حمل الشاشة ونقلها عند السفر، مع إمكانية الوصول لأي كتاب بأي لغة وفي أي صنف في أي مكان من العالم، بالإضافة إلى سهولة عملية البحث والتنزيل وغيرها من الفوائد التي تفتح المجال للسؤال عن مواكبة المشهد الثقافي المغربي لهذا النوع الجديد من القراءة.

 

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *