من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: لماذا أنا فيمنست - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: لماذا أنا فيمنست

إذا أردت قتل فكرة، يكفي أن تربط بينها وبين انحلال النساء، وخروجهن عن الطاعة الذكورية الأبوية الحامية لهن والحامية للمجتمع، وستجد الكثيرين يتفقون معك في الرأي.

سارة أحمد فؤاد Sara Fouad
سارة أحمد فؤاد

كيف بدأت الموقعة:

خلال الفترة التي أمضيتها بعيدًا عن الكتابة، أُتيحت لي الفرصة لمراجعة بعض أفكاري وتأملها، وتأمل ما يقدمه الآخرون أيضًا من أفكار، بالإضافة إلى الاستمتاع ببعض المعارك الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي. لعل من المعارك الطريفة التي دارت مؤخرًا، تلك الموقعة الافتراضية من بعض (الذكور) تجاه الفيمنست!

لسبب ما، يستخدم المناضلون الافتراضيون من الذكور مصطلح (فيمنست) عوضًا عن اللفظة العربية التي تعبر عن المصطلح، وهو (النسوية). ولسبب ما أيضًا، يصرون على استخدام الكلمة بصيغة المفرد لا بصيغة الجمع (فيمنست بدلًا من فيمنستس- نسوية بدلًا من نسويات)!

استيقظت يومًا من النوم لأجد أن الرأي العام في مصر يتحدث عن جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها فتاة جامعية من شمال مصر بعد أن قام أحد المعجبين المهووسين بها بذبحها في الشارع المواجه للجامعة أمام العام. حدث ذلك بعد أن رفضت محاولاته المتكررة للتودد اليها واستمراره في ملاحقتها حتى وصل الأمر للتهديد الذي انتهى بذبحها، من الوريد للوريد.

الأمر بسيط: جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد. لكن الجاني رجل، والمجني عليها فتاة، صغيرة، جميلة للغاية، وغير محجبة. لذلك، سيأخذ الموضوع منحى آخر!

هذا المقال بدأ يمتلئ بعلامات التعجب؟

القتل جريمة. لكن ارتكاب الرجل لجريمة قتل ضد امرأة هو فعل سيجد الكثير من التبريرات حتمًا، لأن الرجل مرتكب الجريمة هو بنهاية المطاف، ضحية للفيمنست الأشرار!

جعلوني، فأصبحت!

أثناء متابعتي للأحداث، طالعتني التهمة المكررة التي توجه لكل من يحاول توجيه أصابع الاتهام للجاني (القاتل، الذي ذبح الفتاة نيرة في الطريق العام)، وهي أن الفيمنست أفسدوا النساء والفتيات: أنتم تكرهون القاتل لأنكم فيمنست! أنتم تدافعون عن القتيلة لأنكم فيمنست! تبًا للفيمنست الذين قلبوا الموازين ويكرهون القتلة ويحرضون الفتيات على الحرية وتقرير المصير!

المضحك في الأمر، أن الاتهام تم توجيهه لفتيات أعرفهن معرفة جيدة، وأعرف أنهن لسن نسويات على الإطلاق، بل وأنهن متفقهات في الشريعة الإٍسلامية ولديهن من العلم ما يفوق هؤلاء الذكور. أما أنا، فقد اعتدتُ على تلقي “الاتهام” بأنني (فيمنست) بشكل متكرر، لكنني توقفت أمامه هذه المرة!

النسوية مثلها مثل الماركسية والليبرالية، نظرية تبني نموذجًا معرفيًا يقدم تفسيرًا للعالم ولعلاقات القوة السياسية والاقتصادية والدينية أيضًا. هذا النموذج المعرفي لا أتفق معه كثيرًا، بل أنني أختلف معه في الغالب، وهو مثله مثل النماذج المعرفية الأخرى، قد يقدم بعض التفسيرات المبررة، وقد يقدم أخرى مضللة. لذلك، لا أميل كثيرًا لتحجيم نفسي داخل أُطر نظرية جامدة. لكن، دعنا نحاول شرح الفقرة السابقة لرجل متحمس يدافع عن رجولته ضد النسويات الأشرار.

يرى بعض الرجال المتحمسين ضد النسوية أن المرأة التي تعارض أي فكرة يقدمها رجل، هي فيمنست؛ وأن الفيمنست يطالبن بالهيمنة على الرجال، والحق في الانحلال الجنسي والأخلاقي وأن يقلبن الأدوار الاجتماعية لإذلال الرجال ومحو رجولتهم.

هذه المبررات غير المنطقية تذكرني بعام 2011 في أعقاب قيام الثورة المصرية. انتشر حينها فيديو لرجل دين سلفي يهاجم دعوات الدولة المدنية ويفسرها بأنها: (ألا ترتدي أمهاتنا الحجاب)[1]! أتذكر ذلك، وأضحك في مرارة!

إذا أردت قتل فكرة، يكفي أن تربط بينها وبين انحلال النساء، وخروجهن عن الطاعة الذكورية الأبوية الحامية لهن والحامية للمجتمع، وستجد الكثيرين يتفقون معك في الرأي.

يومًا بعد الآخر، يتحول الدفاع عن أبسط حقوق النساء إلى خطر لابد من مواجهته. الحق في السلامة الجسدية تحول إلى رجس من عمل الشيطان لابد من محاربته، حتى وإن كانت المطالبات به سيدات مسلمات يرتدين الحجاب والملابس المحتشمة، ويحافظن على صلواتهن. هن فقط يرغبن في عالم يصلح لتربية الأبناء دون أن يضطر المرء لتبرير ذبح فتاة في منتصف النهار. أصبح تواجد السيدات في المجال العام والإدلاء برأيهن أمرًا يتطلب تنظيم دورات تدريبية[2] متخصصة للرد على الساحرات الشريرات القادمات من القرن الحادي والعشرين، واللاتي يرغبن في ضمان حقوقهن في رفض الإعجاب غير المرغوب فيه، والمطالبة بحد أدنى من احترام القانون (أو حتى القواعد الدينية التي يرغب هؤلاء في تطبيق الشق الذي يحقق لهم القدر الأكبر من المنفعة).

ما تفسده النسوية تصلحه الذكورية السامة

يخرج علينا داعية بكل أريحية ليقول أن (لو خايفة على حياتك، اطلعي من بيتك زي القفة “أي المقطف الكبير”). أتذكر أنه في مرحلة من مراحل الزمن، اضطرت السيدات لارتداء الحجاب والثياب الواسعة في محاولة لحماية أنفسهن من التحرش والمضايقات، فما كان من المتحرشين إلا أن أصبحوا يتحرشون بالمحجبات، والمنقبات أيضًا، وتحول المبرر من (لماذا لا ترتدين ثيابًا محتشمة) إلى (لماذا تخرجن من المنزل).

في الفترة القادمة، سيصبح المبرر لتعرض النساء للعنف هو أنهن نساء وأن الله لم يخلقهن رجال، لذلك يستحققن ما يحدث معهن!

في بلادنا، تتحول النسوية لتهمة، وتصبح السيدات المطالبات بحقهن نسويات شريرات، ولابد من مواجهتهن ومحاربتهن بأقصى قوة.

أنا لست نسوية، وأعترف بذلك. لكن، إذا كان العامة يرون أن الدفاع عن حقي الشخصي في عدم التعرض للذبح والدفاع عن سيدات أخريات كي لا يواجههن نفس المصير هو نسوية، فلنصبح نسويات إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ونتعرض جميعًا للذبح الذي سيجد من يبرره، أو نحيا في مجتمع آمن لا يكرهنا لأننا نساء.

 

[1] https://www.youtube.com/watch?v=UzdUPjGsDz4
[2] https://www.facebook.com/hamedidrissi1/posts/pfbid02Y6VA9KsnzqLnwW9pcb67dkpvHkEKaR9LFZJyFAyzt7DTjwFzRSyBd8M6AubiARYJl?comment_id=434031285339567&notif_id=1659618961858438&notif_t=comment_mention&ref=notif

 

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *