الشّباب في المغرب والقراءة: جذور إشكالية العيش من دون كتب! 1 - Marayana - مرايانا
×
×

الشّباب في المغرب والقراءة: جذور إشكالية العيش من دون كتب! 1\3

“لست آسفاً إلا على شيء واحد، هو أن زوال الغشاوة عني جاء متأخراً، بحيث لن أستطيع تعويض الزمن الضائع بقراءة كُتب أخرى تكون نور الروح”… تنسبُ هذه المقولة البليغة لدون كيشوت وهو على فراش الموت.
في العمق، تحيل المقولة على أنّ القِراءة فعل روحيّ ووجدَاني خَالص. ويجوز القول، على نحو بدهيّ، أنّها إثراء لمعارف الإنسان، وخلاصُ له من معضلات “الفجاجة الفكرية”. وطبعا، ذاك ليس دورها فقط وكأنها عصى الثّقافة السّحرية… غير أنّ دورها في عملية الرقي بالذّوق العام محوريّ… وهذا ما سنبيّنه في هذا الملف.

ثمّة حقِيقة يصعبُ إنكارها، وهي أنّ جزءا لا يُستهان به من الشباب المغربي، لا يعرف مفكرين مغاربة من طِينة محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، طه عبد الرحمن أو عبد الإله بلقزيز… ولا روائيين مغاربة على غرار عبد الرّحيم جيران، عبد الكريم الجويطي، محمد شكري، محمد زفزاف، محمد الأشعري أو عبد المجيد سباطة، وغيرهم. وذاك معناهُ، ببساطة، أن كثيراً من المَغاربة، يعيشون في عالم يشكو… من خصاصٍ في دفء الكُتب.

الأخطر أن بعض الكتاب يربطون، جدليًّا، بين إيمان جزء مهم من الشباب المغربيّ بنظرية المؤامرة، وبين ما يعتملُ في جوفهم من جحودٍ بقيمة القراءة والكُتب.

وزير الثقافة السابق، عثمان الفردوس، قال في قبّة البرلمان، في نونبر 2020، بأن نسبة 44% من الشباب المغربي، أي ما يقارب النصف، لا يتوفرون على 10 كتب في منازلهم، معتبراً أن “أزمة القراءة في المغرب، التي تبرز في الصحافة الورقية، تطرح مشكلاً يعاني منه الشّباب المَغربي”.

الإحصائيات دائماً محطّ نقاش، نظراً لانتفاء الدقة فيها في معظم الأحيان. وذلك راجع لانعدام المعطيات المفصلية التي استندت عليها… إلاّ أن ذلك لا ينفي أن المغرب يعيشُ أزمة قراءة حقيقية، منذ تصنيفه قبل عشر سنوات من طرف اليونسكو في المرتبة 162 على الصّعيد الدولي في مجال القراءة والكتابة.

إحصائيات رسمية صادرة عن المندوبية السّامية للتخطيط، أكدت، بدورها، أنّ أزيد من 97 في المائة من الأطفال المتراوحة أعمارهم مابين 7 و 14 سنة لا… يقرأون!

القراءة من منظور… كاتب!

تختار مرايانا للحديث عن هذه المسألة، الرّوائيّ الشّاب عبد المجيد سبّاطة، للتقرّب أكثر من نظرة الكُتاب الشباب لقرّاء مفترضين من جيله.

بالنسبة لسباطة، فالشباب لا ينشأ على مسلمة أنّ القراءة، في الحقيقية، لا بدّ أن تكُون حاجة يومية ضرورية مثل الأكل والشّرب. ولا يمكن أن نعتبر فعل المُطالعة مضافًا عابرًا يمكن الاستغناء عنه أو العيش بدونه… فالثّقافة خطوة أساسيّة لبناء الإنسان.

المُشكل في وقتنا الحالي، حسب الرّوائي، هو أن حتى بعض الذين يعِيشون في محيط مليء بالكتب، هم صراحةً سفّهوا معنى القراءة بربطها بالتّفوق والتّباهي والبحث عن الكمّ أكثر من الكيف. لذلك، فهم يجهلون أن القراءة ثقافة، أكثر من أن تكون مجرّد مُوضة أو وسيلة للظهور والاستعلاء مثلاً.

موجة الرّقمنة الكاسحة، بيّنت أنّ الشّباب في جُزء مِنه أصبح سطحيًّا. ذلك أنّه ببساطة بات يصرف اهتمامه الكامل، تقريباً، تجاه المُحتويات الرّقمية، التي تتّسم، في غالبها، بالضّحالة والسّطحية والسّرعة في الاستِهلاك، عكس قِراءة كتاب، التي تتطلّب جهداً وتركيزاً.

لكن… ينبغي ألا يكون هناك إجحاف، وينبغي أن نعترف أنّ ثمّة شبابٌ محبّ للقراءة، خصوصاً من الطّلبة، وأذواقهم جميلة ورفيعة؛ إلاّ أنهم يصطدمون بجانب مادي آخر، نظراً لوضعيتهم الاجتماعية، فيلجأون لقراءة الصيغة الرقمية للكتب (PDF)، أو هناك من يحمل في قلبه حُبا جمّا للكتب ولا يجدُ وقتا للقِراءة…

تعليقا على ذلك، يقول سباطة خلال تواصله مع مرايانا: “في الكثير من حفلات توقيعي للرّوايات، سواء ساعة الصفر أو الملف 42، فإنني صادفت أن ثلاثة طلبة قد يتقاسمون ثمنها ويطلبون مني أن أوقعها بأسمائهم. هذا مؤشر جميل على أن هناك موجة من الشباب تقرأ، لكن اعتبارات أخرى تمنعها من ذلك”.

هُناك أيضاً مؤلفات، تتحمّل المسؤُولية في هذه “الأزمة”، لأنها مجرد عناوين استهلاكية، تقوم بتدجين القراء، فتحملهم على ربط الأدب بذلك المحتوى. وحين يقرؤون عملاً نخبوياً، لا يجدونه يتلاءم مع التّطلعات التي تمّت مُراكمتها، نتيجة قِراءة أعمال… تجارية محضة!

حتى لا يبقى الكِتاب وحيداً

في تقرير منشور على موقع بي بي سي عربي أنجزه الصّحافي “هو مونتغمري”، جاء فيه أنّه “عندما تزداد المصاعب في حياتنا فإن الحلّ يكمُن في القراءة. يبدو الأمر غير بديهي، لكن مطالعة عمل أدبي جيد ربما يكون أفضل وسيلة يلجأ إليها الفرد. والسّؤال كيف تساعدك قراءة الكُتب في إعادة التّوازن لنفسك؟ إنّها توفر شكلاً من أشكال الهروب أكثر بكثير مقارنة بأي عمل فني آخر”.

لكن، بالمقابل، لو تصفحنا مجموعة فيسبوكية تحت مسمى كتوبتنا كنا قد خصصنا لها مقالا سابقا على مرايانا، فقد يدفعنا الأمر للتّساؤل ضمنيًّا: هل فعلُ القراءة راسخ لدى نخبة من المجتمع فقط، أم أنّ نبوءة سباطة بأن هناك جيلا قادما بقوة، متيّما بالقِراءة، وسيكُون خير جليس للكُتب، صادقة؟

سباطة، لأجل ذلك، يرى أن ما يجب أن تحمله الأجيال الحاليّة والمقبلة في باطنها، أنّ القِراءة تأتي بالتّدرج، بدءاً بـ”البَسيط” وصولاً إلى “النّخبوي” و”الرّفيع”. هذا التدرج سيقي القراء الشباب من الصّدمة ومن اجترار خيبات الأمل، التي قد تُعود عليهم بالنّفور من الأدب في النّهاية.

يقترح سباطة، أيضاً، على الإعلام الثقافي أن يكون فاعلاً في هذا التّدرج، وأن يخصّص اقتراحات قرائية لمواكبة هذا “الطقس” داخل المجتمع، حتى يترسّخ ويغدو حقيقة مُجتمعية. وذلك لا فرار منه.

الإشكال “أننا ليس لدينا إعلام ثقافي قوي، لكي يقُوم بهذا الدّور. وحتى الأعمال التي تمرّ عبر الإعلام، هي راجعة في معظمها إما لمحاباة الكاتب، أو من باب الصّداقة مع الكاتب… والأجدر أنّ الإعلام الثقافي موجود لأجل الثقافة أولاً وأخيراً. وبالتّالي فمن أدواره أن ينشر ثقافة القراءة في المجتمع، وأن يبادر لسدّ الفراغ المستشري”.

الجَميل في مواقع التّواصل، يضيفُ سباطة، هو ظُهور جيل “بوكتوبر” Booktubers، الذين يُشارِكون مع رُواد شَبكات التّراسل الفوري كتباً بسيطة ومشوقة ومفيدة، لكن الإقبال على مثل هذه المحتويات لم يبرز بعد بشَكل مُثير في المغرب.

القراء في حاجة ماسة إلى توجيه جدي، لتخليص القراءة من العشوائية. ولاحظنا، أنه، عملياً، ينقصنا إرشاد من طرف برامج إعلامية، بأن هذه الكتب تصلح لهذا النوع من القراء، وهذه تصلح لهذه الشريحة من القراء. عندما يقوم الإعلام بكل ألوانه بهذا الدور، فسنحصلُ على إرهاصَات أكثَر نجَاعة لتنظيم القراءة في البلد وتحفيزها.

فهل هذا معناه أنّ الشباب لا يقرأ؟ ولماذا يقرأ جزء من الشباب الرواية كثيراً؟ وما هي رؤية المجتمع للقراءة أساسا؟

هذا ما سنجيب عنه في الجزء الثاني… من هذا الملف!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. معاذ الشلوشي

    ثمة شرذمة من مثقفة الشباب المغربي تملك خزانة خاصة من آلاف الكتب، من بينهم كاتب هذا التعليق.

اترك رداً على معاذ الشلوشي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *