من هم؟ سؤال الشّرعيّة يلاحقُ… “مؤثّرين” مغاربة! - Marayana - مرايانا
×
×

من هم؟ سؤال الشّرعيّة يلاحقُ… “مؤثّرين” مغاربة!

سادت مؤخرا تساؤلات كثيرة تهمّ فئة من صنّاع المحتوى المغاربة، تُطلق عليهم صفة الـ”مؤثرين و”المؤثّرات”.
يبدو أمر صناع المحتوى هؤلاء وكأنّهم “متطفّلون على مجالات بعيدة كل البعد عن تخصصهم”… فهل هذا صحيح؟
لكن… الأخطر، ربّما، أنه “يتمّ التّعامل معهم على نحو تمييزي، ويجري تفضيلهم على مغاربة وعلى أهل الاختصاص”.

لو قمنا “بفلاشباك” سريع، سنجد أنه قبل مدّة، مثلاً، ولج “المؤثّرون” ملاعبًا لمشاهدة مباراة كرة القدم في عزّ المنع التّام للجماهير بسبب الجائحة. وقبل أسابيع من الآن، استدعت وزيرة السّياحة والصّناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء بنعمور، جزءاً منهم “لمناقشة مشاريع سياسيّة تهمّ القطاع”… ثمّ لتسويق برنامج “فرصة”، الذي يروم محاربة البطالة في المملكة.

وزير التربية الوطنيّة شكيب بنموسى، استدعى، بدوره، بعضهم “لتقديم مُقترحات للنّهوض بقطَاع التّعليم بالبلد”.

أيضًا، تمّ استدعَاء “المؤثّر” سيمو السّدراتي على قناة “بين سبورت” القطرية، من أجل “تحليل نتائج قرعة نهائيات مونديال قطر 2022″…

كلّ هذا الجدل جعل سؤال مشروعيّة الـ”مؤثرين/ات” يعود للواجهة… بقوّة، ويبقى مستمرا كإشكال، حتى لو خفت تأثيره في النقاش العمومي!

أحمد العمارتي: الرقميّة “أنجبت” المؤثرين، والمثقف أخلى السّاحة… 

أحمد العمارتي، أستاذ باحث في السوسيولوجيا والأنساق الافتراضيّة، يرى أنّ المؤثّرين هم نتاجٌ خالص للثورة الرقمية، التي أثرت بشكل كبير على كل جوانب حياتنا اليوميّة وعاداتنا وسلوكاتنا المُرتبطة بالواقع المعيش، وكذا علاقاتنا الاجتماعية وروابطنا الثّقافية. هذا التأثير لا يتعلّق بمجتمع دون آخر، وإنما هو سيلٌ جارف همّ كل المجتمعات. بهذا المعنى، لولا تحولات الرقميّة لما كان هناك مؤثّرون.

يريد العمارتي في حديثه لمرايانا، أن يؤكّد على أنّ حدة وطبيعة تأثير الرقميّة على الثقافة، باعتبارها جهازاً لصناعة القيم والتّمثلات التي تخصّ أنساق المعنى داخل مجتمع معيّن، هي النقطة التي لا يمكن تجاهلها. إنها مدخل أساسيّ لتفكيك وفهم بعض الظواهر التي يعرفها الويب المغربي. أصبحت هناك ثقافة سائدة تتعلق باستهلاك التّجارب الشّخصية والحميمَة لدرّ نسب مشاهدة مرتفعة، كما بات هناك “مؤثّرون” يدّعون إنتاج مضامين تغرّد خارج إطَار “الرّوتين اليوميّ”.

الفضاء الافتراضي الجديد، حسب العمارتي، خلق هوسا كميًّا مرتبطًا بنسبة المتابعات والمشاهدات الكبيرة. وهو هوس دفع بكثير من المؤثرين نحو اعتماد خطاب متوجّه لعواطف النّاس، والتّركيز على الانفعال، دون الالتفات لأذهانهم وعقولهم.

نحن لا يمكن أن ننكر أن المؤثرين بات لهم دور كبير في توجيه جزء مهمّ من الرأي العام وترويضه، وليس مصادفة أن نستعمل لفظ “توجيه” بدل “بناء”، يقول العمارتي.

الحَلَقة الغريبة في الحكاية، كما يراها العمارتي، هي استدعاؤهم من طرف مؤسسات عموميّة في كلّ مرّة، كما لو أنهم كلّ ما يوجد في البلد!

ألاَ ينبغي هنا التّساؤل عن الغاية والجدوى من فعل الاستدعاء، عندما يتعلّق الأمر بمناقشة قضايا مُرتبطة بمجال حسّاس يحتاج إلى خلفية نظرية متينة وتكوين علمي رصين يسمح بإبداء الرّأي وتقديم تصور أو حلول للقضية المطروحة؟

شاع، بشكل موضوعيّ، أن هذا من اختصاص مثقّفين وخُبراء في المجال وليسَ “مؤثرين”، رأسمالهم الوحيد هو عدد المُتابعين.

يجملُ العمارتي قائلاً بأنّ “النّقاش العمومي ينبني على العقلانية والنّقد وتعدّدية الرأي. هذا المعطى ينبغي أن يحضر ضمن تصورات الفاعل السياسي والمؤسساتي. المثقف، الذي أخلى الساحة، مطالبٌ بأن يعود ليواكب النقاش العمومي ويساهم فيه. لقد بتنا نشكو من خصاص في مثقفين عضويين وملتزمين بقضايا المجتمع. على المثقف أن يملأ مكانه ولا يتركَه فارغًا لئلا يحتلّه المتطفّلون والسّطحيون”.

هذا الأمر عينه، ينطبق بالضرورة على “الإعلام الملتزم، الذي مهمّته محاربة التّفاهة وتثقيف المواطن ورفع منسوب الوعي. إنه إعلام يرفض أن ينزل عند أهواء الجمهور، لأنّ هذا الأخير في النهاية هو نتيجة لسياسة ثقافيّة وإعلاميّة متماسكة”.

ياسين بوشوار: المؤثّرون يزاحِمون أهل الاختصاص 

ياسين بوشوار، باحث في التّواصل السياسي والنظم الرّقميّة، يقول إنه، حين نثير مصطلح “المؤثرين”، فنحن نقصد التعبير عن مجموعة من الفاعلين في شبكات التواصل الاجتماعي؛ يتّصفون بسمة مميزة، يمكن اختصارها في القدرة على التمدد والانتشار الرقمي. أي أن أهميتهم، في النهاية، تقاس بعدد المتابعين، بغض النظر عن المادة التي يقدمونها في إطار نظام بثّ هجين، يمنح الجميع، على قدم المساواة، القدرة على صناعة “الوجاهة الرّقمية”.

بوشوار يرى أنّ وضع تساؤلات دقيقة يكفي للكَشف عن طبيعة هذا الجسم الجديد في عالمنا، دون كثير جهد. من بين هذه الأسئلة: هل المقاربة الكمية كافية لكي يصبح المرء مؤثراً، أو بالأحرى للحديث عن صناعة التّأثير؟ ما هي طبيعة السلطة التي يتمتع بها هؤلاء؟ كيف يمارس هؤلاء تأثيرهم الاجتماعي؟ وما هي أنماط وحدود التأثير الذي يمارسونه؟

لهذا، يضيف بوشوار، في تواصله مع مرايانا، أنّ “استدعاء هذا الفاعل الرقميّ المتمدد، الذي يسمى “مؤثّراً”، من طرف المؤسسات العمومية، هو في حقيقة الأمر، يندرج في إطار الرغبة في انتشار المعنى والوصول إلى أكبر قدر من الجمهور الاستعراضي أو بالأحرى التأطير المتحيّز. بمعنى آخر، أن ولوج هذه المؤسسات إلى هؤلاء الفاعلين لا يختلف قطعا عن ولوج شركة خاصة في بيع مسحوقات التّجميل ”إليهم” لغرض الإشهار وكسب رهان التفاعل في أحيان كثيرة”.

بنفس المنطق، أًصبحت بعض المؤسّسات العمومية تشيد خطّتها التواصلية على هذا الأساس. بهذا الشكل، كما يفصّل الباحثُ، يمكنُ الحديث عن مَدخلين لقراءة هذه الحالة؛ أولهما أن اعتماد بعض المؤسسات، في بعض الحالات، على الرقميين أمر مفهوم وملح، بل يمكن أن يكون مرغوبا فيه أيضًا. وثانيا، أن يصبح ذلك عادة تواصلية لكل المؤسسات العمومية.

هنا، ينبغي أن نعلن تخوفا واقعيًّا من سطوة هؤُلاء “المؤثرين” على الفعل التّواصلي العمومي كليًّا؛ فيصبح أثر الفاعل السياسي والوسطاء الأساسيين الذين يملكون سلطة التأثير الحقيقية غائبين، بحجة أن آثارهم الاستعراضية محدودة وغير مؤكدة، بخلاف الآخرين.

لا أحد يخفي أنّ هؤلاء أصبحوا يزاحمون أهل الاختصاص. لكنّ الأمر في ظاهره لا يتعلق بالاستحواذ، كما يراه بوشوار، وذلك لاختلاف مجالات وحدود اشتغال كل من المؤثرين وكذلك الخبراء والباحثين. غير أنّه يمكن القول إنّ الموضوع يتعلق بالقدرة على الحضور والتّموقع في مجالات التّواصل المتاحة، بحيث أن الخبراء والمتخصصين لديهم آلياتهم الخاصّة في الاشتغال، التي تختلف تمامًا عن منطق اشتغال الرقميّين.

الباحثون والخبراء يتحدثون في مجال اختصاصهم، بينما ”المؤثرون” يتحدّثون في كل شيء، ويقولون أي شيء… في كل وقت وحين! كأنهم غير خاضعين لمنطق الخطَأ والصّواب بقدر خضوعهم لمنطق العرض ثم العرض (البث). هناك سطحية كاسحة وغالبة في أعمالهم بالنّظر لطبيعة صنعهم الذي يفرض عليهم ذلك، كالسيولة في المحتوى والغزارة في الإنتاج والآنيّة في تناول القضايا الجدلية في المجتمع؛ فهم أول من تكلم عن كورونا قبل أهل الاختصاص… ومنهم من أوجد الدواء قبل الداء. بهذا يختم بوشوار حديثه لمرايانا.

حمزة الترباوي: سطوة المؤثرين تطرح تساؤلات كثيرة… 

حمزة الترباوي، متخصص في الإعلام الجديد، يرى أنّه، من النّاحية النظرية الصّرفة، يمكن أن يكون بعض المؤثرين أداة فعّالة للوسَاطة بين المواطن والمؤسّسات الحكومية. يمكن لمؤثر مثلاً أن يستضيف المسؤُولين وينوب عن النّاس في طرح الأسئلة التي تشغل بالهم، ويمكن أن ينقل أسئلة الجمهور وانشغالاتهم إلى مقرات المؤسسات وعند لقاء المسؤولين.

لكن، يتوقف الترباوي مليًّا ليؤكّد أنّ “الأمر من النّاحية العملية يبدو أكثر تعقيداً، ويطرح الكثير من الأسئلة: بأي شرعية يذهبون ويحضرون لقاءات مع المسؤولين والمؤسسات العمومية؟ هل هم مؤهّلون من ناحية الخبرة والمهارات والكفايات والمعلومات لينوبوا عن الناس ويقدموا الاقتراحات؟

وفق ما ذكره التّرباوي في حديثه لمرايانا، فإنّ هذه الأسئلة تصبح منطقيةً عندما نعاين في الواقع الافتراضي أن عدداً هائلا من “المؤثرين” يركزّون على التّرفيه بالأساس، ما يجعلهم مصدر متعة أكثر من كونهم مصدر معرفة. حتى المؤثرون المتخصصون في المعرفة وتبسيطها، هل هم أيضاً مؤهلون؟ هل مصادرهم موثوقة وتحليلهم عالٍ كفاية؟ هل يتمتّعون بالأمانة العلميّة والدقة في معالجة القضايا وفي تجميع المصادر ومقارنتها واستخلاص النتائج بموضوعية؟

يقول المتحدّث إنّه، حتى لو تمّ التّأكد من مهاراتهم، فعلينا أن ننتقل إلى سؤال أخلاقي يعنينا هنا: هل سوف ينقلون انشغالاتنا بمهنية وأمانة؟ أم سوف يستغلون الفرصة للتقرب من المسؤولين على حساب همومنا وآفاتنا؟ كل هذه الأسئلة تجعلنا نتشكك في نيات المؤثرين وأهليتهم ليكونوا نواباً عن المواطنين في إيصال الأصوات وتقديم المقترحات.

يتساءل المتخصص في الإعلام الجديد: ماذا عن البديل؟ ثمّ يجيبُ: الصحافة مثلاً. يمكن للصّحافي أن يجمع في مقال أو تقرير أو فيديو مختلف الآراء بتوازن نسبي، ويعرض رأي المسؤول والمواطن حول القضايا. البديل الآخر هو إجراء دراسات علمية تستجوب المواطن بدقة وتنقل صوته بالأرقام والبيانات. هذه طرق أكثر أماناً لأن القائمين عليها يتعرضون للمحاسبة، أما المؤثرون فهم محل شكّ يصعّب الاطمئنان إلى تكليفهم بالوساطة بيننا… وبين المسؤولين!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *