أسواق العرب قبل الإسلام… أكثر من مجرد أسواق! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

أسواق العرب قبل الإسلام… أكثر من مجرد أسواق! 2\2

تابعنا في الجزء الأول لمحة عن سوق عكاظ، أعظم أسواق العرب قبل الإسلام… في هذا الجزء الثاني والأخير، نتابع حديثا عن الأسواق التي كانت إحدى أبرز الظواهر في حياة العرب قديما.

اشتهر العرب أكثر ما اشتهروا بالتجارة. لذا، كان بديهيا أن تظهر الأسواق، كظاهرة بارزة تتميز بطفرة نشاط في شبه الجزيرة العربية.

مفردة سوق، بالمناسبة، اشتقت من سوق الناس بضائعهم إليهم… توجد أيضا في اللغات السامية، لكن الباحثين لم يصلوا إلى الجزم بمن أخذها عن الآخر.

الكثير من الروايات تشير إلى أن هذه الأسواق كانت، قبل ذلك، محطات تجارية، وبعضها أماكن مقدسة توجد بها أصنام تتعبدها القبائل، وتأتي للتقرب إليها في مواسم معينة هي مواسم الحج

اختلف أهل الأخبار في عدد هذه الأسواق، فهي عند ابن حبيب 12 سوقا، وعند اليعقوبي 10 أسواق، أما الهمذاني فيرى أنها كانت 11 سوقا، في حين اختلف آخرون في تحديد عددها.

اشتهر العرب أكثر ما اشتهروا بالتجارة. لذا، كان بديهيا أن تظهر الأسواق، كظاهرة بارزة تتميز بطفرة نشاط في شبه الجزيرة العربية.

غير أنه، بعد عكاظ، تأتي في الأهمية سوق ذي المجاز، وذلك لأنها من مواسم الحج؛ تأتيها وفود الحجاج من سائر العرب. تقوم حين يهل هلال ذي الحجة، وتنتهي في يوم التورية[1]؛ أي قبل عرفة.

كانت العرب تأتي إلى ذي المجاز من سوق مجنة، التي كانت تقام في العشر الأواخر من ذي القعدة، ويأتون إليها هي أيضا من عكاظ، وقد كانت من أكبر أسواق “الجاهلية“، تأتي في المرتبة الثالثة، بعد عكاظ وذي المجاز[2].

الذي يهمنا ليس عدد الأسواق بالتدقيق، فنادرا ما اتفق أهل الأخبار فيما يخصها، إنما المهم إدراك أن الأسواق هذه كانت ظاهرة بارزة في حياة العرب ما قبل الإسلام.

كان من هذه الأسواق ما يقتصر على ما جاورها من قرى، ينزل فقط بساحة قبيلة ما، كسوق هجر وحجر اليمامة وغيرها، ومنها ما كان عامّا تفد إليه الناس من شبه الجزيرة كلها، كسوق عكاظ مثلا.

انسجاما مع ما للقبيلة من أهمية في الحياة العربية قبل الإسلام، فقد كان بعضها يخضع لسيطرة بعض القبائل التي تقع الأسواق ضمن منطقة نفوذها.

مما تميزت به هذه الأسواق، أن الشعراء كانوا يؤمونها ليصدحوا فيها بقصائدهم

الذي نقصده في هذا الملف إذن، الأسواق الموسمية، التي تقوم في أيام معينة، حيث يؤمها الناس من كل حدب وصوب.

هذه الأسواق قد يكون لها موقع جغرافي مهم، كأن تقع على ساحل البحر، مثل عدن وصنعاء وعمان… ومن ثم، يكون شأنها أكبر من الأسواق التي تقوم في قلب شبه الجزيرة، كحجر أو حضر موت…

يوضح المؤرخ السوري سعيد الأفغاني ذلك في كتابه “أسواق العرب في الجاهلية والإسلام”، فيقول إن الأولى كان الاتجار فيها شائعا مع الجيران من الهند والحبشة والفرس، فيما كان الاتجار في الأسواق الثانية يقتصر على القبائل المتاخمة لها.

أهمية هذه الأسواق، يقول الأكاديمي العراقي ظاهر الشمري في كتابه “لمحة عن الأحوال الاقتصادية عند العرب قبل الإسلام”، كانت كبيرة على نحو عده البعض، مع الموحد الإيديولوجي؛ أي الدين الإسلامي، من الأسباب الأساس في توحيد نظرة العرب إلى العالم وصهر عاداتهم، ومنحهم لغة شعرية مركزة تسمو على جميع اللهجات.

مما تميزت به هذه الأسواق، أن الشعراء كانوا يؤمونها ليصدحوا فيها بقصائدهم، كما تابعنا في حالة سوق عكاظ، في الجزء الأول.

 أكثر ما كان يحث العرب آنذاك على قصد تلك الأسواق، أنها كانت تقوم في الأشهر الحرم، وهي أشهر كان يشيع فيها الأمن… ولأنها أسواق آمنة، فقد كان يأوي إليها من يطلب من يجيره، ومن يود أن يفدي أسيره

ولأن القبائل كلها تفد إليها، كان اختلاف لهجاتها يبرز أكثر، فكانت قريش تختار منها ما يحسن وتنفي منها ما قبح…

هذا الاجتماع العام، كحال من أحوال الحضارة، اقتضى الصناعة اللسانية. لهذا، كان العرب يرجعون إلى منطق قريش لانتقاء الأفصح من لهجاتهم[3].

إلى جانب التجارة، قد يقصد العرب إلى هذه الأسواق دون سبب حتى، وربما للمشي فيها فقط… مما يؤكد ذلك ما جاء في القرآن: “وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق[4]”.

على أن أكثر ما كان يحث العرب آنذاك على قصد تلك الأسواق، أنها كانت تقوم في الأشهر الحرم، وهي أشهر كان يشيع فيها الأمن… ولأنها أسواق آمنة، فقد كان يأوي إليها من يطلب من يجيره، ومن يود أن يفدي أسيره.

الأسواق هذه لم تفد التجار الشعراء وحسب، إنما أيضا البدو الذين كانوا يأخذون مقابلا نظير خدمات الحماية والعمل في القوافل الوافدة إليها.

ولأن العرب لم تكن تحتشد لشيء مثل احتشادها في الأسواق، فإن هذه الأخيرة، التي كانت تقام قريبة من مكة، مثل عكاظ وذي المجاز ومجنة، حدت بالرسول أن يعرض دعوته فيها، يورد الأفغاني.

ذلك ما يوحي بأنها كانت منبرا ثقافيا أيضا، يقول الشمري، إلى جانب قيامها بمحاولة تحقيق اندماج اقتصادي لشبه الجزيرة العربية، وتجاوز حالة العزلة، وذلك ما نتج عنه في الأخير، توحيد عادات ولغة العرب، وتضخيم شعورهم بالحاجة إلى الوحدة.

 

[1]  سمي كذلك لأن الناس يرتوون فيه بالماء ليملؤوا أوعيتهم، ذلك أن عرفة ليس بها ماء.
[2]  يسمينة قايس، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الأدب العربي بعنوان “أسواق العرب في الجاهلية ودورها الأدبي”، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر، 2016.
[3]  فايزة بلقاسمي، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الأدب العربي بعنوان “أثر الأسواق الأدبية في إثراء الحركة النقدية… سوق عكاظ نموذجا”، جامعة عبد الحميد بن باديس، الجزائر، 2018.
[4]  سورة الفرقان، الآية 7.

لقراءة الجزء الأول: سوق عكاظ… الفيسبوك الأقدم في تاريخ العرب! 1\2

مواضيع قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *