التربية الجنسية في المغرب… أي صعوبات يطرحها المضمون البيداغوجي في المناهج التّعليمية؟ 2 - Marayana - مرايانا
×
×

التربية الجنسية في المغرب… أي صعوبات يطرحها المضمون البيداغوجي في المناهج التّعليمية؟ 2\2

ينبغي أن تكون مادة التربية الجنسية مستقلة، وليست منفصلة عن باقي المواد المدرسية المعتمدة، وأن يجلس إلى طاولة النقاش حولها، كل من خُبراء علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك وعلم النفس والقانون وعلم الاجتماع وحتّى رجال الدّين أنفسهم، بما أنهم أصل المأساة في هذه القضية تحديدا؛ وذلك بهدف البحث عن سبيل لإدراجها، لأنها إذا لم تطرح إشكالاً بيداغوجيا في الدول التي تبنّت تدريسها، فلن تطرحه في المغرب…

رأينا في الجزء الأول كيف يمكن للثقافة الجنسية أن تشفي المجتمع من النفاق، وكيف أن المجتمع موضوع بين خيارين: إما إدراج التربية الجنسية في المناهج التعليمية، أو إخلاء الساحة للخطابات المتوحشة، التي تعتبر الفعل الجنسي آلة ميكانيكية خالية من العواطف والأحاسيس.

في هذا الجزء الثاني، نرصد إشكالية المضمون التي تُطرَح في كلّ نقاش يصاحب هذا الموضوع.

الطّبيعة لا تقبل الفراغ… والفراغ الذي يحدثهُ غياب التربية الجنسية في المناهج التعليمية رهيبٌ جداً، في زمن يعوّل عليه الكثيرون.

من باب الملاطفة، أصبح المدافعون عنها يسمونها بالتربية الحياتية، لحمل النّاس على قبولها والتوقف عن شيطنتها.

بدأت الدعوة إلى تدريس مادة التربية الجنسية من طرف خبراء وأخصائيين، حين توصلوا إلى كون المادة، حلا عمليا لتخليص الأطفال من المخاطر التي قد يصادفونها في الشبكات الافتراضية.

لتطويق التطورات الحاصلة، تمت التوصية بتدريس التربية الجنسية في المدارس كمادة أولية مثل بقية المواد الأكاديمية.

في البلدان الغربية، آتى تدريس التربية الجنسية أكله وأثبت نجاعته في الوقاية من التحرش والعنف الجنسيين والحدّ من الاغتصاب وتقليص آفات البيدوفيليا

الأسَاتذة الذين يدرّسون مادة علوم الحياة والأرض، سيما فيما يتعلق بدرس التّوالد الإنسانيّ، أغلبهم غير مقتنع بتدريس هذه الأمور، لأنهم يعتقدون أنّها ليست من صميم أدوارهم، ولو أنهم يتحدثون عن الأمر بشَكل سطحيّ بخُصوص الإخصاب والإنْجَاب…

لكن، بالنّظر إلى الجانب العملي لإدراجها، يمكن طرح التساؤل التالي: أي مضمون بيداغوجي نريد في مادّة التّربية الجنسية؟

ألا يطرح إدراجها إشكالاً تربوياً بعيداً عن اللغط الأيديولوجي؟

التربية الجنسية… إشكال المضمون!

ماجدولين النهيبي، أستاذة جامعية باحثة في علوم التربية، ترى في تصريح لـ”مرايانا”، أن المضمون البيداغوجي للتربية الجنسية ينبغي أن ينطلق من ثلاثة محاور.

المحور الأول مرهونٌ بما هو علمي خالص، بخصوص الإخصاب والإنْجاب وكيف تتم عملية التّوالد عند الإنسان…

المحور الثاني يتعلق بالحق والواجب، ويُعنَى بتوعية الأطفال والتّلاميذ بحُرية الجسد، وأن الجسد ملك فردي لصاحبه حصراً وينبغي الحفاظ عليه؛ إضافة إلى توعِيتهم بالمناطق الحميمَة في أجسادهم، التي لا يحقّ لأيّ كان لمسُها على الإطْلاق، وتقريبهم من خطورة التحرش الجنسي والبيدوفيليا والاغْتصاب، وكيف يبلغون عن أي ممارسة شاذة لأي كان.

على المضمون البيداغوجي أن يكون أولاً تبسيطيا وواضحاً لتغذية الفضول الطّفولي، وحماية الأطفال وتوعيتهم وتشييد مصالحة بينهم وبين أجسادهم، والاهتمام بسلامتهم الجنسية، والحفاظ على المناطق الحساسة في أجسادهم، وشجب النظرة التشييئية أو الدونية للمرأة أو اعتبارها جسداً أو أداة جنسية…

ثم يأتي المحور الثالث المتعلق بالعلاقات الحميمية بين الجنسين، وكل ما يتعلق بها من الأدبيات التي يخضَع لها الذّكر والأنثى بالتّساوي، وتنسفُ غايات العلاقات الاستغلالية، فضلا عن النّظافة والحِماية من الأمراض المتنقلة جنسياً.… وكل ذلك طبعاً مع مراعاة الخُصوصية السوسيوثقافية للمجتمع المغربي.

بالنسبة للنهيبي، فإنه لا يكفي أن تكون مادة التربية الجنسية مستقلة، بل يجب أن يكُون ثمة تكامل في المضامين بين المادة والمواد التّربوية الأخرى، كإدراج نُصوص لذات الغاية في باقي المواد المَدرسية الأخرى.

حتى إذا “كانت هناك صعوبة لإدراج مادة مستقلة مثلاً، فمن الممكن تضمينها في المواد الدراسية الأخرى، وذلك للوصول إلى حل بيداغوجي عملي وذكي، يرضي كل الأطراف، ويضمن للتلميذ حقه في تعلم أمور في غاية الأهمية كالحياة الجِنسية، بغاية حمايتها وتحصينها”.

فما يتعلق بما هو عِلمي، توضح النهيبي، فهو مدرج عملياً في مادة علوم الحياة والأرض. لكن جانب الحقوق والواجبات، يمكن التطرق إليه بذكاء أيضاً في مادة التربية على المُواطنة، من ناحية بيداغوجية تراعي مستوى التلميذ وقدراته العاطفية والذهنية وسمات المرحلة، بالتدرج… أي أن تقدم في البداية معطيات عامة حول نظافة الجسد وسبل الوقاية من التّحرش، ثم التّبسيط وتقديم بعض الأمثلة لتكتمل الصّورة.

التربية الجنسية… ضدا في ثقافة العيب!

يقول البعض إنّ النكتة الجنسية في مجتمعنا المغربيّ، هي الأكثر هزلاً وتفجيراً للضحك، ويربط الباحثون الأمر بأننا، لا نستهزئ سوى من الأمور… التي نفتقدها.

النّقاش الدائر بخصوص موضوع التّربية الجنسية، يحيل على أن المغرب ليس مجتمعا أحادي التّفكير. هناك محافظون يجدفون بقوة ضدّ إدراجها؛ وهناك حداثيون يقاتلون لأجلها.

تبدأ مأساة العائلات عندما يستفسر الطّفل أو الطّفلة الأبوين “كيف خلقنا ومن أين أتينا؟”… ويحدثُ أن يسأل طِفل والدته عن عضوه التناسلي، فتغيّر الأم دفة الحديث باختلاق اسم غير طبيعي للعضو الذكري، تعمّق به فضول الطفل، وتزيده تأزيماً، كأن تسميه “النعناع” مثلاً، كما يشاعُ.

لذلك، على المضمون البيداغوجي أن يكون أولاً تبسيطيا وواضحاً لتغذية الفضول الطّفولي، وحماية الأطفال وتوعيتهم وتشييد مصالحة بينهم وبين أجسادهم، والاهتمام بسلامتهم الجنسية، والحفاظ على المناطق الحساسة في أجسادهم، وشجب النظرة التشييئية أو الدونية للمرأة أو اعتبارها جسداً أو أداة جنسية…

أما بالنسبة لسمية نعمان جسوس، الباحثة في علم الاجتماع، فإنها تؤكد أن المضامين الموجودة حاليا بشكل صوري، يتم اقتراحها على التلاميذ بشكل متأخر في فترة الإعدادي. وذلك في إطار مقرر مادة علوم الحياة والأرض. الأسَاتذة الذين يدرّسون هذه المادة، سيما فيما يتعلق بدرس التّوالد الإنسانيّ، أغلبهم غير مقتنع بتدريس هذه الأمور، لأنهم يعتقدون أنّها ليست من صميم أدوارهم، ولو أنهم يتحدثون عن الأمر بشَكل سطحيّ بخُصوص الإخصاب والإنْجَاب…

كما أن مرايانا تطرح التساؤل التالي: هل هؤلاء الأساتذة أنفسهم مؤهلون لتدريس هذه المادة بالشّكل السّليم؟

الحقّ أنه ينبغي أن تكون المادة مستقلة، وليست منفصلة عن باقي المواد المدرسية المعتمدة، وأن يجلس إلى طاولة النقاش حولها، كل من خُبراء علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك وعلم النفس والقانون وعلم الاجتماع وحتّى رجال الدّين أنفسهم، بما أنهم أصل المأساة في هذه القضية تحديدا؛ وذلك بهدف البحث عن سبيل لإدراجها، لأنها إذا لم تطرح إشكالاً بيداغوجيا في الدول التي تبنّت تدريسها، فلن تطرحه في المغرب… و”الدولة مطالبة بسد الفراغ وخلق بيئة حاضنة لهذه المادة في المنظومة التّعليمية“، تقول جسوس.

للقيام بدور تدريسها، يرشّح الخبراء الأستاذ التفاعلي، وأن يتميز بحسّ عال من الإصغاء والتواصل، نظرا لحساسية المواضيع من جهة، وحساسية الشريحة المستهدفة من جهة ثانية، وأن يتم الاعتماد على رسومات تبسيطية، للتعلم بالصورة والاستفادة من ميكانيزماتها الإبلاغية.

لا بد للأستاذ أن يجيب عن كلّ التساؤلات التي يطرحها التلاميذ، بحيوية، بعيداً عن ثقافة العيب أو الطابو، لأن هناك أسئلة لا يستطيع الأطفال مناقشتها أو طرحها مع الوالدين، من باب الخجل أو الحياء، لكن الأستاذ الذي تلقى تكويناً في هذه المواضيع، من شأنه أن يرفع القيود بسلاسة.

 لا يكفي أن تكون مادة التربية الجنسية مستقلة، بل يجب أن يكُون ثمة تكامل في المضامين بين المادة والمواد التّربوية الأخرى، كإدراج نُصوص لذات الغاية في باقي المواد المَدرسية الأخرى.

ماجدولين النهيبي ترى أنّ شتى أشكال التّربية تكون مشتركة بين الأسرة والمدرسة، إذ ينبغي أولاً أن يكون الفضاء الأسري منفتحاً، منذوراً للحِوار البناء والتّواصل المُستمر.

تضيف النهيبي خلال تواصلها مع مرايانا، أنّ هناك أسرا تتسم بجو من الحُب والدفء والألفة، ويتم تزويد الأطفال فيها بكل المعلومات بدون أي تحفظ أو حساسية، من باب المشاركة ورفع وعي الأطفال بهذه الأمور، إلاّ أنّ البعض الآخر، ليس متاحاً له ذلك؛ بينما المدرسة تضمن ذلك لكلّ التلاميذ، بالتفصيل والتدقيق، ويكون دور الأسرة ودَور المدرسة تكاملياً، إلى جانب دور الإعلام وباقي القنوات داخل المجتمع.

الخطير في الأمر، ربما، أنّ الكثير من الآباء والأمهات في المغرب يحتاجون إلى تربية جنسية أكثر من أطفالهم. بالتالي، كيف يلقّن الإنسان ما يجهل؟

أكثر من ذلك، فإن الإعلام العمومي لازال ينظُر بنوع من الريبة والحذر لموضوع التربية الجنسية، في وقت يعوّل عليه الحقوقيون أن يكون أول المبادرين بتكريس أهمية هذه المادة في الذّهنية المغربية والتّرويج لمنافعها.

أخيراً، يتّضح أن النّقاش الدائر بخصوص موضوع التّربية الجنسية، يحيل على أن المغرب ليس مجتمعا أحادي التّفكير. هناك محافظون يجدفون بقوة ضدّ إدراجها؛ وهناك حداثيون يقاتلون لأجلها.

وبما أن المدرسة تخاطب التلميذ، بغض النظر عن حساسياته وانتماءاته، فيجب أن تدرج هذه المادة بنوع من الحياد والبراغماتية.

الرهان يصبحُ حينئذ… أن تجد المادة مستقرّا لها في المنظومة التربوية، حتى لا يكون هناك تنافر بين مادة التربية الجنسية والتربية الإسلامية مثلاً.

بالفعل، هناك تخوف لبعض الآباء من أن تكون هذه المادة ذريعة لانسياق أبنائهم وراء الرغبات والنزوات… لكنّ التخوفات تسقط حين تنجح التربية الجنسية، عملياً، في نسف أدجلة هذا النّقاش خلف ثقافة العيب و”الحشومة” و”الطابو” و”النّفاق”…

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *