لغز الأحلام بين النظريات العلمية واجتهاد فقهاء الإسلام 2 - Marayana - مرايانا
×
×

لغز الأحلام بين النظريات العلمية واجتهاد فقهاء الإسلام 2\2

تظل الأحلام إحدى أكثر لحظات الجدل في التاريخ الإنساني. كان للدين فيها قوله، وللعلم قوله أيضا ولا زال، لكن… دون الوصول إلى تفسير حاسم يشفي فضول من يرغب في كشف كنه ما يعرف تواضعا في اللغة العربية بـ”الأحلام”.

فسر القدماءُ الأحلامَ بسجيتهم البسيطة؛ فاعتبروها امتدادا للواقع وإنباءً عن الغيب، وقد رأينا في الجزء الأول من هذا الملف، بعض تفاصيل ذلك. في هذا الجزء، الثاني والأخير، نخوض في ما فسر به المسلمون لغز الأحلام، كما سنعرج أيضا على بعض النظريات العلمية التي حاولت سبر أغوار هذا اللغز.

لدى المسلمين… وحي من الله وطور من النبوة!

لعل المسلمين أكثر من اهتم بالأحلام وقدسها. لا يستثنى من ذلك سوى المعتزلة وبعض علماء الكلام، وفق عالم الاجتماع العراقي، علي الوردي، في كتابه الأحلام بين العلم والعقيدة.

أحاديث كثيرة تلك التي رويت عن النبي محمد، تشير إلى ما مفاده أن الرؤيا الصادقة من وحي الله. أشهرها، حديث يقول إن الرؤيا جزء من 46 جزءا من النبوة. وحديث آخر يفيد بأن النبي طمأن صحابته بأنه بعد وفاته، ستبقى المبشرات، وحين سألوه عنها قال لهم إنها الرؤيا الصالحة.

في القرآن أيضا ثمة آيات عن الأحلام، من قبيل ما جرى للنبي ابراهيم حين أوحي إليه في المنام بذبح ابنه، أو ما جرى ليوسف إذ اشتهر في مصر بقدرته الخارقة في تعبير الرؤيا.

اقرأ أيضا: “التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10”

القرآن وصف المؤمنين بأن لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة. بالنسبة للرازي، فهذه البشرى هي الرؤيا الصالحة. وقد أخذ هذا التفسير مستقره في أذهان المسلمين، حتى قالوا إن الرؤيا وحي من الله.

أشهر من اقترن اسمه لدى المسلمين بتعبير الرؤيا، هو الفقيه ابن سيرين. وقد نسبت إليه كتب عديدة في علم التعبير، والمظنون أنها ليست كلها له.

بالمقابل، رأى المعتزلة أن الأحلام أضغاث وأوهام، وأن الإدراك الصحيح لا يتأتى للإنسان إلا في اليقظة حين يكون العقل في عنفوانه. هكذا، الإدراك والنوم، ضدان لا يجتمعان.

أما المتصوفة، فقد رأوا خلاف ذلك تماما، إذ قالوا إن العقل منبع الأوهام، حتى أنهم فضلوا الجنون عليه، كما افتخر بذلك ابن عربي. بعض المتصوفة يقولون إن النوم يقظة واليقظة نوم، فالنفس البشرية في اليقظة مشغولة بالمحسوسات والبدن؛ بينما في النوم، هي حرة طليقة في سماء المعرفة لا يشغلها شيء.

بالنسبة لأبي حامد الغزالي، فإن الرؤيا طور من أطوار النبوة. الناس عنده جميعا أنبياء. لكن، لكي يبلغوا ذلك، يجب أن تتخلص الرؤيا من أدرانها الدنيوية، حتى إذا صفت النفس، ارتفعت في سلم النبوة والوحي.

اقرأ أيضا: “البنوك الحلال: ربا مستتر تأويله الشريعة 1\3”

لعل أشهر من اقترن اسمه لدى المسلمين بتعبير الرؤيا، هو الفقيه ابن سيرين. وقد نسبت إليه كتب عديدة في علم التعبير، والمظنون أنها ليست كلها له.

يقول علي الوردي في كتابه الذي أشرنا إليه سابقا، إن ابن سيرين مات عام 108 للهجرة. وهذا العصر لم يكن التدوين فيه قد توسع نطاقه، وربما وضع اسمه على الكتب التي ألفت بعد موته، حتى تحقق رواجا بين الناس. أيا كان القول، فإن ابن سيرين أصبح يعرف بأرطميدورس العرب.

حديثا… بين الحوافز الحسية وتلك النفسية!

لا شك أن النزعة الروحية قد حكمت عقول الناس لزمن طويل قديما. الكون لدى هؤلاء، مادة وروح. كل مادة وراءها روح تسيطر عليها، والروح الكبرى في الكون هي الله.

حديثا، جنح المفكرون إلى الانقلاب على هذه النزعة. الكون لديهم مادة في مادة، يجري حسب قوانين ميكانيكية صرفة، خالية من أي أثر روحي.

هكذا، ابتعثت نظرية أرسطو من جديد. صار اسمها “الحافز الحسي”، ومفادها أن الحلم ينشأ في النائم من جراء إحساس مادي يطرأ عليه.

فرويد كان أحد أهم من خاضوا في موضوع الأحلام. بينما يقول أتباعه إن نظريته هي النظرية الوحيدة التي تفسر الأحلام تفسيرا صحيحا، يرى خصومه أنه لم يأت بشيء جديد، فاستهانوا به.

الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، مثلا، كان يرى أن الحواس لا تتعطل عن أداء وظيفتها أثناء النوم، وكل أثر يقع عليها يؤدي بالنائم إلى رؤية حلم مستمد منه. إذا كانت قدماه، مثلا، غير مستقرتين على نقطة ارتكاز، رأى كأنه طائر في الفضاء، وهكذا…

اقرأ أيضا: “الموت خطأ تقني”

هذه النظرية، رغم التجارب العلمية التي تدعمها، تلقت نقدا شديدا، خاصة من قبل عالم النفس النمساوي، سيجموند فرويد. فرويد رأى أن الحافز الحسي يساعد على نشوء الأحلام، لكنه لا يعين مضمونها ولا يجدي في تفسير مغزاها.

عالم النفس النمساوي الشهير كان أحد أهم من خاضوا في موضوع الأحلام. بينما يقول أتباعه إن نظريته هي النظرية الوحيدة التي تفسر الأحلام تفسيرا صحيحا، يرى خصومه أن فرويد لم يأت بشيء جديد، فاستهانوا به.

أيا كان الرأي، فإن نظرية فرويد تسمى بنظرية “الحافز النفسي”. يمكن إجمالها في كلمتين مفادهما أن الحلم ليس سوى “تحقيق رغبة”.

لا تفسير حاسم بعد يشفي فضول من يرغب في كشف كنه ما يعرف تواضعا، في اللغة العربية، بـ”الأحلام”.

تحقيق رغبة عند فرويد، إذن، أساس تقوم عليه الأحلام. من خلال هذه الفكرة، حاول تعليل جميع الظواهر الغريبة التي يراها الإنسان في منامه.

غير أن هذه الرغبة قد لا تظهر على نحو جلي ومفضوح؛ فالحلم في أحيان كثيرة، مُقَنّع أو رمزي. كما أن الحلم لا يحقق جميع رغبات الإنسان، إنما يحقق فقط ما كبته أثناء يقظته ولم يستطع إشباعه.

اقرأ أيضا: “عندما يخاف العلم من نجاحاته… التعديل الجيني للبشر”

بهذا المعنى، يمكن أن نلخص نظرية فرويد، وفق علي الوردي، كما يلي: الحلم تحقيق مُقَنّع للرغبة المكبوتة.

عموما، يمكن القول إن الأحلام تظل إحدى أكثر لحظات الجدل في التاريخ الإنساني. كان للدين فيها قوله، وللعلم قوله أيضا ولا زال، لكن… دون الوصول إلى تفسير حاسم يشفي فضول من يرغب في كشف كنه ما يعرف تواضعا في اللغة العربية بـ”الأحلام”.

لقراءة الجزء الأول: لغز الأحلام… بين تصورات القدماء واعتقاد المسلمين ونظريات العلماء ! 1/2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *