كنزة الأَوْرَبية.. المرأة التي دعّمت أركان أول دولة إسلامية في تاريخ المغرب! - Marayana - مرايانا
×
×

كنزة الأَوْرَبية.. المرأة التي دعّمت أركان أول دولة إسلامية في تاريخ المغرب!

انتهت دولة الأدارسة، وانتهى نسلهم، أو هكذا ظن الجميع. ثم، مع توالي الأيام، بدأت بطن الأميرة كنزة الأوربية تنتفخ. إنها حامل في أشهرها الأولى. حينها، برزت في الواجهة مرة أخرى، فالمُلك للجنين، ووجب الحفاظ عليه.

صحيح أن حكم الأدارسة في المغرب ناهز القرنين من الزمن، لكن بدايات هذا الحكم مرت بتعقيدات كثيرة، فإدريس الأول مات مسموما دون ذرية إلا ما تركه جنينا في رحم زوجته.

الجنين كان بعد طول انتظار ذكرا، حكم في شبابه ومات وهو في مقتبل الحياة، مخلفا هذه المرة عددا من الأبناء، كان يمكن أن يطمع كل منهم في السلطة، لكن ذلك لم يحدث ومر بسلاسة…

في خضم كل هذه الأحداث، برزت امرأة لعبت دورا مهما في تدعيم أركان دولة الأدارسة، فهي ابنة أمير وزوجة ادريس الأول، وأم ولي عهده ادريس الثاني، وجدة السلطان الثالث…

امرأة، اسمها كنزة الأَوْرَبِية، وفي هذا البورتريه، نخوض في بعض من سيرتها.

اسمها كنزة الأوربية، البرنوسية التازية المغربية. تاريخ ولادتها ضائع، بيد أن المراجع التاريخية تفيد بأنها عاشت في القرنين الثاني والثالث للهجرة/الثامن والتاسع للميلاد. هي ابنة إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوْرَبي، أمير قبيلة أَوْرَبة، أهم وأشد قبائل المغرب آنذاك. لكن رواية أخرى، تنسبها إلى قبيلة نفزة الأمازيغية.

قررت قبيلة أوربة توطيد علاقتها بالقائد إدريس بن عبد الله، ولم يكن ذلك سوى عن طريق مصاهرته، فزوجوه ابنة أمير قبيلتهم، كنزة، بمهر 600 دينار، وكان ذلك عام 174 للهجرة.

الحديث عن هذه الفترة من تاريخ المغرب، والحديث عن كنزة الأوربية بالذات، هو حديث بالضرورة عن إدريس الأول، أو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي فر من العباسيين في الشرق بعد موقعة فخ، إلى أرض المغرب، تحديدا إلى قبيلة أوربة التي احتضنته.

احتضنته لكونه “شريفا”، سليل آل البيت، فراح ينشر في المغرب الإسلام، ثم التف حوله عدد من القبائل، فبويع عام 172 للهجرة في وليلي، من قبل قبائل زناتة، غمارة، مكناسة وغيرها؛ ثم ما فتئ يحقق انتصاراته على قبائل أخرى كتامسنا وتادلة، ففرض نفسه وسيطرته كقائد بارز، وسلطانا على المغرب.

اقرأ أيضا: السيدة الحرة… حاكمة تطوان وأميرة الجهاد البحري!

من هنا، ستنتزع كنزة الأوربية مكانا لها في سطور التاريخ، فقبيلة أوربة قررت توطيد علاقتها بالقائد إدريس بن عبد الله، ولم يكن ذلك سوى عن طريق مصاهرته، فزوجوه ابنة أمير قبيلتهم، كنزة، بمهر 600 دينار، وكان ذلك عام 174 للهجرة.

هكذا أصبحت كنزة زوجة إدريس الأول، وكانت، كما تقول الروايات، ذات جمال وحياء، ورأي ودين. لكن تمدد سيطرة زوجها على المغرب سيمثل تهديدا قويا لهارون الرشيد في الشرق، حتى إنه قرر قتله، فأرسل له رجلا يدعى عبد الله بن جرير، ويلقب بـ”الشماخ”، فتحايل عليه حتى سممه، فمات ولم يمض على ملكه، كما على زواجه، زمن طويل.

حين مقتل والدها، كان الابن الذي أطلقوا عليه اسم والده تيمنا به (إدريس بن إدريس؛ أو إدريس الثاني) يبلغ من العمر 11 عاما، فسارعت تحشد له دعم القبائل وتأخذ له البيعة، فتم تنصيبه وهو حديث عهد بالحياة، سلطانا، بدعم من والدته، كنزة الأوربية.

انتهت دولة الأدارسة، وانتهى نسلهم، أو هكذا ظن الجميع. ثم، مع توالي الأيام، بدأت بطن الأميرة كنزة الأوربية تنتفخ. إنها حامل في أشهرها الأولى. حينها، برزت في الواجهة مرة أخرى، فالمُلك للجنين، ووجب الحفاظ عليه.

أشهر من الانتظار مرت (تختلف الروايات هنا بشأن مدة الانتظار هذه، حيث اعتبرت بعض الروايات أن الانتظار دام أكثر من سنة، وبعضها أكثر من سنتين…  وهذه حكاية أخرى سنعود لها مستقبلا في مرايانا)، لا انتظارا لولي العهد، إنما انتظارا لجنس الوليد، أذكر هو أم أنثى؟

في هذه الفترة، أبانت كنزة الأوربية، حسب بعض المراجع، على رأي راجح، وقوة وشجاعة بالغتين، فحافظت على الحكم والتفت حولها القبائل إلى حين، بدعم من والدها.

اقرأ أيضا: سحابة الرحمانية… مؤسِّسة ازدهار الدولة السعدية!

ظروف كثيرة، ساعدت على استمرار دولة الأدارسة ونسلهم حينها. هكذا، حين وضعت كنزة وليدها، كان ذكرا، فتحملت عبء تربيته وتنشئته، وإعداده لتحمل الملك. بل وكانت قد اتعظت مما حدث لزوجها، فعكفت لسنوات، وحدها، على إطعام ابنها حتى لا يلحق به سوء.

وحين مقتل والدها، كان الابن الذي أطلقوا عليه اسم والده تيمنا به (إدريس بن إدريس؛ أو إدريس الثاني) يبلغ من العمر 11 عاما، فسارعت تحشد له دعم القبائل وتأخذ له البيعة، فتم تنصيبه وهو حديث عهد بالحياة، سلطانا، بدعم من والدته، كنزة الأوربية.

مات إدريس الثاني، وكان قد تزوج عن عمر 16 سنة. هكذا، خلف السلطان هذه المرة 12 ابنا ذكرا، وكان يمكن أن تتناسل أطماعهم على السلطة، فتذهب دولة الأدارسة أدراج الرياح. لكن، مرة أخرى، كان لكنزة الأوربية دور في استمرار حكم الأدارسة.

هكذا… أصبح إدريس الثاني سلطانا على المغرب، وراح يتم ما بدأه إدريس الأول، فأتم بناء مدينة فاس كعاصمة لدولته، وتوسع فيها، وتوسعت دولته، حتى بلغ الخبر علم العباسيين مرة أخرى، فتهيبوا من تهديد دولته، وقرروا قتله هو أيضا، ثم ترصدوا تحركاته.

اقرأ أيضا: زينب النفزاوية: زوجة ابن تاشفين ومهندسة توسع دولة المرابطين! 2/1

لكن العباسيين لم يحتاجوا هذه المرة إلى قاتل، فالموت ستسترجع روح إدريس الثاني، إذ وافى أجله وهو بعد في مقتبل الحياة عن عمر يناهز 36 عاما، وكان ذلك عام 213 للهجرة.

مات إدريس الثاني، وكان قد تزوج عن عمر 16 سنة. هكذا، خلف السلطان هذه المرة 12 ابنا ذكرا، وكان يمكن أن تتناسل أطماعهم على السلطة، فتذهب دولة الأدارسة أدراج الرياح. لكن، مرة أخرى، كان لكنزة الأوربية دور في استمرار حكم الأدارسة.

محمد بن إدريس كان الابن الأكبر، وكان حفيد كنزة الأوربية، فبويع سلطانا على المغرب بعد وفاة والده.

وحتى لا ينازع الطمع في الملك نفوس إخوته، أشارت عليه جدته بتعيين ثمانية إخوة له ولاة على المناطق التي سيطر عليها إدريس الثاني، حفاظا عليها من الغزو أو التمرد.

اقرأ أيضا: خُنَاثة بنت بكار.. من هدية للسلطان إلى أم للسلاطين!

لا شك أن تأثير كنزة الأوربية في الواقع، كان أكبر بكثير مما تذكره الكتابات التاريخية. لكن، إلى هنا، سينتهي ذكر كنزة الأوربية، حتى إن تاريخ وفاتها لا أثر له. يكفي أن هذه الكتابات سجلت أن كنزة لعبت دورا بارزا في تدعيم أركان دولة الأدارسة في المغرب، ويكفي أيضا أن اسمها ما زال شاخصا إلى اليوم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *