مليكة الفاسي: هاتف الملك والحركة الوطنية، المدافعة عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

مليكة الفاسي: هاتف الملك والحركة الوطنية، المدافعة عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية 2/2

بعدما تابعنا في الجزء الأول لمحات من نشأة مليكة الفاسي، ودعوتها منذ شبابها إلى المساوة بين الرجل والمرأة من خلال نشرها لعدد من المقالات والنصوص الأدبية، نواصل هذا البورتريه في …

بعدما تابعنا في الجزء الأول لمحات من نشأة مليكة الفاسي، ودعوتها منذ شبابها إلى المساوة بين الرجل والمرأة من خلال نشرها لعدد من المقالات والنصوص الأدبية، نواصل هذا البورتريه في جزئه الثاني والأخير، مع إسهامات مليكة الفاسي النضالية إبان الاستعمار الفرنسي، وبعده، أي في مغرب الاستقلال، حيث دافعت عن حقوق المرأة وناضلت للتنصيص عليها.

خط الوصل بين الملك والحركة الوطنية

في بيت أسرة مالكة الرحب، سينشأ ابن عمها محمد الفاسي بعد فقدانه لوالديه. هذا التلاقي اليومي سيتحول بتعاقب السنوات إلى علاقة حب  ستتوج بالزواج. محمد الفاسي هذا، عينه الملك محمد الخامس على رأس جامعة القرويين، ثم كان أستاذا بالمدرسة المولوية، ليصبح بعد الاستقلال أول وزير للتعليم في المغرب.

تعيين زوجها أستاذا بالمدرسة المولوية بالقصر، سيفتح للالة مليكة الباب على مصراعيه للولوج إليه، بل وصارت صديقة لزوجة الملك محمد الخامس، لالة عبلة. ثم سنة 1936، بدعم من زوجها، ستكون أول امرأة تنتمي إلى النواة الأولى للحركة الوطنية.

لالة مليكة كانت آخر من التقى بمحمد الخامس قبل نفيه يوم 19 غشت من سنة 1953.

بيت مالكة الفاسي الذي يقع بحسان في العاصمة الرباط، سيكون موقع عقد اجتماعات الحركة الوطنية السرية؛ وكان الملك محمد الخامس يزوره متخفيا للتنسيق مع أعضاء الحركة وحزب الاستقلال.

يقول أبو بكر القادري في مذكراته: “كانت مالكة موضع ثقة من حزب الاستقلال، ولذلك دونا عن غيرها، خصت بالالتحاق بالجناح السري للحزب بعدما أقسمت على القرآن بكتمان الأسرار الوطنية السياسية، مثل التواصل السري والمنظم مع محمد الخامس”.

لقربها من الملك وزوجته، ولعدم سوء ظن الفرنسيين بما يمكن أن تقوم به امرأة مغربية، كان ينتدبها أعضاء الحركة الوطنية لتلتقي بمحمد الخامس لاستقصاء أخباره، وكذا لإخباره بما ينوي الوطنيون القيام به. هذا بجانب قيامها بمهام أخرى كإسعاف الجرحى ودعم أسر “الشهداء”.

اقرأ أيضا: ثريا الشاوي: أصغر وأول قائدة طائرة في المغرب، إفريقيا والعالم العربي! 1\3

لالة مليكة كانت آخر من التقى بمحمد الخامس قبل نفيه يوم 19 غشت من سنة 1953. يحكي بعض المؤرخين كيف أنها لبست ملابس رثة وذهبت إلى القصر الملكي لعدم لفت انتباه الفرنسيين الذين يطوقون المكان. دخلت القصر، صافحت الملك، وتعاهدا بأن المقاومة ستستمر في المغرب حتى  موت آخر مغربي. بعد عودة الملك من المنفى، كانت أول من التقاه أيضا بعيد هبوطه من الطائرة، فصافحها وشكرها على حفظ العهد.

المرأة الوحيدة الموقع على وثيقة المطالبة بالاستقلال

في كنف عائلة تنتمى كلها إلى حزب الاستقلال، لم يكن من المستبعد ألا تتشرب مالكة الفاسي أفكار هذا الحزب. هكذا، وعند توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال، كانت الاسم النسائي الوحيد المرشح للتوقيع على العريضة.

قبيل تعيين أول حكومة في مغرب الاستقلال، اقترح عليها الملك أن تنال حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية، لكنها رفضت ذلك، بالقول إن زوجها سيكون وزيرا أيضا وإن لأبنائهما عليها حق.

الحقيقة أن إدراج اسم امرأة بين 64 مُوقّع رجل، لم يكن بالشيء الهين، خاصة وأن اللائحة شملت علماء دين وطلبة في جامعة “القرويين”. رغم ذلك، كانت رغبة لالة مليكة في التوقيع غالبة. وتشهد بعض المعطيات التاريخية المتوفرة أن لا أحد ممن سبقوا إلى التوقيع، عارض فكرة وجود امرأة بينهم، ذلك أنها كانت من القلة المتعلمة من نساء العائلة آنذاك.

اقرأ أيضا: زليخة نصري: مرايانا تستحضر سيرة أول امرأة مستشارة لملك المغرب 2/1

وقعت مليكة الفاسي إذن كأول وآخر امرأة على وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي قدمت نسخة منها إلى الملك، وإلى المقيم العام الفرنسي وممثلي عدد من الدول، في 11 من يناير 1944.

رفض الوزارة، وخدمتها للأعمال الاجتماعية

لم تفوت لالة مليكة فرصة تعيين زوجها محمد الفاسي كمدير لجامعة القرويين، فاغتنمتها وتوجهت إلى الملك محمد الخامس برسالة تطالب فيها بفتح فرع خاص بالطالبات بالجامعة يسمح لهن بمتابعة دراستهن العليا، وهو ما تم فعلا إذ لم يتردد الملك في ذلك، وأمر بفتح فرع للجامعة مخصص للطالبات.

بعيد نيل المغرب لاستقلاله، كانت أول من دافع على حق النساء في المشاركة بالانتخابات، خلال المؤتمر الاستثنائي الذي عقده حزب الاستقلال، وهو ما حظي بإجماع الحزب وترحيب الملك. بل وطالبت بالتنصيص في الدستور الأول على المساواة بين المرأة والرجل، وهو ما جاء صريحا بنص الفصل الثامن من دستور 1962.

قبيل تعيين أول حكومة في مغرب الاستقلال، اقترح عليها الملك أن تنال حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية، لكنها رفضت ذلك، بالقول إن زوجها سيكون وزيرا أيضا وإن لأبنائهما عليها حق؛ ثم اعتذرت موضحة أنها تفضل العمل على محاربة الأمية والاهتمام بالأطفال المحتاجين، بكل حرية دون التزامات وزارية.

كذلك كان، فأسست جمعية “مواساة” التي تشتغل في هذا الإطار إلى حدود اليوم، بإدارة من ابنتها فاطمة الزهراء.

اقرأ أيضا: حفيدات فاطمة الفهرية أو التنوير بصيغة المؤنث: المدرسة والمستشفى قبل المساجد في عصرنا

تجدر الإشارة إلى أن مالكة الفاسي شاركت في ندوات ومؤتمرات عديدة، وطنية ودولية، وحصلت على ميدالية من اليونسكو من أجل محاربتها الأمية. ومُنحت ميدالية من العصبة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية، وميدالية من الحكومة الروسية لمساهمتها في الصداقة المغربية السوفياتية فيما قبل.

كل هذا العرفان، توج بوسام العرش العلوي من الدرجة الأولى، الذي منحه إياها الملك محمد السادس سنة 2005، في الذكرى السنوية الـ61 لتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، بمدينة ورزازات.

سنتان بعد ذلك، تحديدا في 11 ماي 2007، ستلبي لالة مليكة نداء أجلها، وسيودع الثرى جثمانها بضريح الحسن الأول بالرباط، بجانب مرقد زوجها محمد الفاسي، مخلفة وراءها تاريخا طويلا من النضال السياسي والنسائي.

لقراءة الجزء الأول: في الذكرى الـ12 لرحيلها: مليكة الفاسي… المرأة الوحيدة الموقعة على عريضة المطالبة بالاستقلال 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *