أحمد المهداوي يكتب: مذاهب فقهية… أباحت التوقيف الإرادي للحمل! - Marayana - مرايانا
×
×

أحمد المهداوي يكتب: مذاهب فقهية… أباحت التوقيف الإرادي للحمل!

وجب إيجاد حل توافقي، بين الدِّين والعصر الذي نعيشه، وذلك بنفي العظمة عن رجل الدين، والحد من ترويج الخطاب السَّلفي الذي يقدِّس السلف، ويشيطن بالمقابل الخلف، مع إعادة النَّظر في القوانين المعمول بها في هذا الشأن.
للمرأة الحق في اختيار التوقيف الإرادي للحمل، لأن المسألة أولا وأخيرا، تدخل في نطاق الحرية الشخصية التي لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال المساس بها، ولو من باب الدين.
فكما أنَّه لا تدخُّل للسُّلطة في ضمير الفرد، كما ورد في القاعدة الفقهية، فكذلك الشأن بالنسبة للدين… لا يصح أن يتتبَّع الحياة الخاصة للأفراد.

في الآونة الأخيرة، طُرحت للنِّقاش، بعد أو بموازاة مع قضية المساواة في الميراث، التي سبق وطُرحت من لدن فعاليات سياسية وحقوقية، وأطياف دينية ومجتمعية، والتي خلقت زوبعة من اللَّغط والنِّقاش المحتدم بين كل المكونات المذكورة، قضية التوقيف الإرادي للحمل.

هذا الموضوع بالذات، يخلق لدى الطَّيف الإسلامي بمكوِّنيه: السَّلفي والإخواني، حساسية مفرطة، وإن كانوا ليسوا بمنأى عن الأمر، إلَّا أن السَّمت الإسلامي الذي (التزموا) به، يلزمهم في المقابل، ولو من باب (النِّفاق)، أن يظهروا بمظهر الذي يرى الدفاع في حدِّ ذاته عن الحرية الفردية/الجنسية خصوصا، جريمة وجناية، تبيح ما حُرِّم شرعا على شاكلة الأقوال الفقهية.

المذاهب الفقهية، وعلى الرَّغم من البيئة الاجتماعية ذات الطَّابع التقليدي، والوضع الديني المفروض آنذاك، إلا أنَّها استطاعت تطارح موضوع التوقيف الإرادي للحمل بكل جرأة، وقدَّمت اجتهادات في المسألة دون أي تأفف أو حساسية تجاه الموضوع.

من ذلك ما سطَّره موقع الكلم الطيب: “إن كثرة الكلام على الإجهاض وإثبات النسب وانتشار اللقطاء وأولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة، ومن لوثة تقليد الغرب ومتابعته”. فحسب هذا القول، إنَّ كل تلك (الموبقات) في نظره، ناتجة عن الترويج للحريات الفردية ابتداءً، ثم تقليد الغرب والسَّير على خطاه انتهاء.

لكن، دعونا نقف قليلا عند أقوال الفقهاء ممن يعتدُّ بهم عند هؤلاء، والاختلاف القائم بينهم في مسألة التوقيف الإرادي للحمل.

إقرأ أيضا: جريمة الاغتصاب: كيف يحمي القانون المغربي الطفل الناتج عن الاغتصاب؟ 

القول الأول: التحريم، وهو المعتمد عند المالكية، والمتجه عند الشافعية، والمتفق مع مذهب الظاهرية.

القول الثاني: الإباحة مطلقا من غير توقف على وجود عذر، وهذا هو قول فريق من فقهاء الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهو كذلك قول الزيدية.

القول الثالث: الإباحة لعذر، وهو ما تفيده أقوال فقهاء مذهب الحنفية.

القول الرابع: الكراهة، وهو قولٌ لبعض الحنفية، وبعض فقهاء المالكية.

من هذا المنطلق نسلِّط الضوء على الأقوال القائلة بالإباحة، ونبتدئ بقول الحنفية بإباحة إسقاط الحمل، إذا لم يتخلّق منه شيء؛ على أن المراد بالتّخلّق هو نفخ الرّوح؛ من ذلك ما ذكر ابن عابدين في (الدر المختار 3/ 192): “يُباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر“، وأباحه كذلك “الحصكفي”، وهو من الحنفية، قبل أربعة أشهر.

وجاء في (فتح القدير 2/ 495): “هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شيء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتَّخلق نفخ الرُّوح، وإلا فهو غلط؛ لأن التَّخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة”.

ومعنى هذا… أنَّ الحنفية أجازوا التوقيف الإرادي للحمل قبل أربعة أشهر، ومنهم من قال: بإباحة التوقيف الإرادي للحمل للعذر فقط.

أما الشَّافعية، فقد ذهب فريقٌ إلى إباحة إسقاط الحمل قبل أربعين يوماً، وقد نقل الرملي عن الطَّبري، خلاف الشافعية في التوقيف الإرادي للحمل قبل نفخ الروح، فقال: “قال المحب الطبري: اختلف أهل العلم في النُّطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السَّقط والوأد، وقيل لها حرمةٌ ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرَّحم“.

“أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى، بل محتملٌ للتنزيه والتحريم، ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة”، وعلى هذا فقد دلَّ كلام الغزالي المذكور في (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 20/ 166) أنَّه يُباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر”.

الأقوال الفقهية التي أباحت التوقيف الإرادي للحمل، ربَّما فتحت الباب، مند تلك اللَّحظة إلى الآن، أمام مزيد من الاجتهاد حول المسألة، وتقديم المصلحة عن النُّصوص، والخروج من دوَّامة الماضي، لفتح الأفق نحو اجتهادات تتماشى وروح العصر

وعند الحنابلة قولٌ بإباحة إسقاط الحمل، قبل أربعين يوما، فقد ذكر البهوتي في (الروض المربع 1/ 603) جواز إلقاء الحمل قبل أربعين يوما: “ويباح للمرأة إلقاء النُّطفة قبل أربعين يوما بدواء مباح“، فيؤخذ من هذا النص الفقهي، أن التوقيف الإرادي للحمل بشرب الدواء المباح في هذه الفترة، حُكمُه الإباحة.

وقال ابن قدامة في (المغني 8/ 318): “وإن ألقت مضغةً، فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية، ففيه غرة، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور، ففيه وجهان، أصحهما: لا شيء فيه؛ لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة، ولأن الأصل براءة الذمة، فلا تشغلها بالشك، والثاني: فيه غرة؛ لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه ما لو تصور”.

وقد علَّلَ ابن عقيل الحنبلي في (الفروع 1/ 369): جواز إسقاط الحمل، قبل أربعين يوماً: بأنَّ الجنين الذي سقط في هذه المدة، لا يبعث يوم القيامة، وعليه، فلا يحرُم إسقاطه، فقال: إنَّ ما لم تحلَّه الرُّوح لا يبعث، فيؤخذ منه أنّه لا يحرم إسقاطه، قال ابن مفلح مُعلِّقاً على هذا القول: “وله وجه”.

وأمَّا عند الزيدية فجاء في (بحر الزخار 5/260): أنه لا شيء في إسقاط الحمل الذي لم يستبن فيه التخلق كالمضغة والدم، وذلك لعدم وجود الإثم في إسقاطه.

من هنا، يمكن القول إنَّ المذاهب الفقهية، وعلى الرَّغم من البيئة الاجتماعية ذات الطَّابع التقليدي، والوضع الديني المفروض آنذاك، إلا أنَّها استطاعت تطارح الموضوع بكل جرأة، وقدَّمت اجتهادات في المسألة دون أي تأفف أو حساسية تجاه الموضوع.

إقرأ أيضا: المساواة في الإرث في المغرب: هل نحن فعلا أمام آيات قطعية؟ 1/3

إنَّ الأقوال الفقهية التي أباحت التوقيف الإرادي للحمل، ربَّما فتحت الباب، مند تلك اللَّحظة إلى الآن، أمام مزيد من الاجتهاد حول المسألة، وتقديم المصلحة عن النُّصوص، والخروج من دوَّامة الماضي، لفتح الأفق نحو اجتهادات تتماشى وروح العصر، وكما عبَّر عن ذلك الفيلسوف الإيراني عبد الكريم سروش، وهو يصف تغير المعرفة الدينية: “إنِّي أقارن ذلك بنهر، والنَّبي هو منبع هذا النهر، وكلُّ التَّقاليد الإسلامية هي بمثابة نهر يجري باتجاه الخلود… وما نحن سوى قطعة من النهر، والجيل القادم سيمثل قطعة أخرى منه، لا يتوجب علينا البتة أن نفهم الدين كحوض ماء راكد، فالدين نهر متحرك”.

وبهذا وجب إيجاد حل توافقي بين الدِّين والعصر الذي نعيشه، وذلك بنفي العظمة عن رجل الدين، والحد من ترويج الخطاب السَّلفي الذي يقدِّس السلف، ويشيطن بالمقابل الخلف، مع إعادة النَّظر في القوانين المعمول بها في هذا الشأن.

وفي الأخير… يبقى ‏أنَّ لدى المرأة الحق في اختيار التوقيف الإرادي للحمل لأن المسألة أولا وأخيرا، تدخل في نطاق الحرية الشخصية التي لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال المساس بها، ولو من باب الدين، فالحرية تعني إمكانية الفرد، دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي، اتخاذ قرار أو تحديد خيَّار من عدة إمكانيات موجودة.

فكما أنَّه لا تدخُّل للسُّلطة في ضمير الفرد، كما ورد في القاعدة الفقهية، فكذلك الشأن بالنسبة للدين… لا يصح أن يتتبَّع الحياة الخاصة للأفراد.

تعليقات

  1. احمد

    افضل تقليد الغرب والسير على خطاه…..على ان اقلد العرب غنيهم وفقيرهم….التفتوا حولكم…..فقراءكم لا يستطيعون التخلص من جهلهم واغنياءهم اسياد راضون باذلالهم…..بيننا بعض المثقفون يعانون في صمت رهيب……والباقون يلهثون وراء اسيادهم…..المنبهرون بما يبدع الغرب……بلا نفاق وانتم تتمنون ،جميعكم، الجنسيات الغربية…..وتلهثون وراءها…..على عجالة اين اموالكم….؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *