هل يثق المغاربة في “علماء” دينهم؟ - Marayana - مرايانا
×
×

هل يثق المغاربة في “علماء” دينهم؟

تكشف بعض الإحصاءات أن الدين على أهمية بالغة لدى السواد الأعظم من المغاربة… وبينما كان لـ”علماء” الدين فيما مضى حظوة في المجتمع، إذ كان لهم القول الفصل في قضايا عديدة، نزلت متغيرات العصر الحالي بثقلها على المجتمعات، على نحو يجعلنا نتساءل إذا ما زال هؤلاء “العلماء” يحظون بالتأثير في المجتمع المغربي.

يرى 89 بالمائة من المغاربة أن للدين أهمية كبيرة جدا في حياتهم، مقابل 10 بالمائة يرون أن للدين نوعا ما أهمية في حياتهم، في حين تبلغ نسبة من يرى أنه ليس للدين أهمية في حياتهم أو ليس له أهمية على الإطلاق 1 بالمائة.

من خلال هذه النسب التي صرح بها المسح العالمي حول القيم، الذي أنجز بالمغرب أواخر عام 2011 على عينة مستجوبة بشكل عشوائي يبلغ عددها 1200 من ساكنة الوسطين الحضري والقروي، يتبين أن الدين يحظى بأهمية جد واسعة في المجتمع المغربي.

معطى يؤكده ذات المسح العالمي، بجواب المغاربة عن سؤال الصفات التي يمكن تشجيع الأطفال على تعلمها في المنزل، إذ ذكرت نسبة تناهز 78 بالمائة من المستجوبين أن الإيمان الديني يعد صفة جد مهمة في هذا الإطار.

رئيس مجلس علمي لـ”مرايانا”: “أغلب المغاربة المسلمين متدينون، وهم في كل ما يتعلق بدينهم يتجهون إلى علماء بلدهم ليستشيرونهم ويستفتونهم في أمور دينهم وأحكام الله”.

… يؤكده أيضا جواب المستجوبين عن سؤال ما إذا كانوا سيرجحون كفة الدين على كفة العلم إذا تعارض الاثنان، بحيث إن 58 بالمائة منهم يتفقون على أن الدين دوما على حق مهما كان.

فهل لـ”علماء الدين” في خضم هذه الأهمية تأثير في المغاربة؟

يُعرف “علماء الدين” المغاربة منذ زمن بعيد بسعة اطلاعهم وغزارة علمهم، وشواهد ذلك كثيرة، كشيخي الإسلام محمد بن العربي العلوي وأبي شعيب الدكالي وغيرهم كثير، فكان لهؤلاء وفق مهتمين أدوار بارزة في تشذيب ما انتشر عليه الدين من شوائب البدع والخرافة من جهة وفي شحذ حماسة الوطنيين زمن الحماية الفرنسية من جهة أخرى.

اقرأ أيضا: الدعوة إلى الله… سوق رائج يصنع النجوم

غير أنه مع بزوغ عصر العولمة، وذيوع المعرفة الدينية وعلومها وسهولة وصول الناس إليها، بدا أن تأثير “علماء” الدين قد بدأ يخفت ضمن شرائح واسعة من المجتمع، بخاصة المتعلمة منها والمنفتحة على العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

في تصريح لـ”مرايانا”، تقول خولة، 24 سنة، وهي طالبة جامعية، أن “الأمر ليس مسألة ثقة من عدمها، ذلك أن كل عالم دين ينتمي إلى جهة معينة؛ فجهات ترى في الدين التشدد، وجهات ترى فيه اللين والوسط والاعتدال وتحريرا للعقول وتنقية للأرواح… من هنا، يبقى الدين لله وحده وليس لتفسيرات الشيوخ أو الفقهاء، مع احترامي لذوي الحكمة منهم”، على حد تعبيرها.

أمّا عزيز، 33 سنة، وهو أستاذ تعليم ثانوي، فيقول إن مجال الإفتاء في المغرب خاضع للتنظيم والإشراف المباشر للسلطة السياسية من مجلس علمي وإمارة للمؤمنين، ومن ثم هو مقيد بضوابط يصعب معها الخروج عن المألوف أو المنتظر.

اقرأ أيضا: موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: إمارة المؤمنين، حكاية البدايات.. 2/1

ذات المتحدث، يؤكد لـ”مرايانا”، أنه شاء أم أبى، سيتأثر بـالفتاوى التي يقول بها علماء الدين، ضاربا المثل برأي المجلس العلمي في ما يصطلح عليه بالبنوك الإسلامية.

ويقول عزيز إن هذا الرأي “خلق تقابلا ما بين البنوك الإسلامية والبنوك الكلاسيكية . ومن حيث المقاربة الاجتماعية، فإن هذا التقابل جعل جزءا من المجتمع مذنبا من الناحية الشرعية في اعتقاد الجزء الآخر، نتيجة استفادة أفراده من القروض الكلاسيكية التي تعد في نظرهم قروضا ربوية”.

من جانبها، ترى راضية، 26 سنة، وهي موظفة عمومية، أن علماء الدين في المغرب أصبحوا “ينطقون عن الهوى، كل وفتواه كل وتفسيره للدين، فمنهم المتصوف ومنهم المتزمت ومنهم بالمقابل المعتدل”؛ لذلك لم تعد، تتابع المتحدثة، “تلقي بالا لأي منهم، ذلك أن الدين الإسلامي دين يسر”.

وتؤكد المتحدثة في تصريحها لـ”مرايانا” أن “ديننا يعاني من علمائه الذين ينطقون عن الهوى وأمثالهم كثيرة، لكن مع ذلك، يوجد منهم من كلامه معقول”، غير أنهم قليلون على حد تعبيرها.

اقرأ أيضا: البنوك الإسلامية: هل القرض الحلال أغلى أم أقل تكلفة؟ مرايانا تطلب قرضا لتتأكد… 2\3

ذات السؤال حملناه إلى ذوي التخصص لنستقصي آراءهم في الموضوع. لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أكد أن أغلب المغاربة المسلمين متدينون على اختلاف مستوى تدينهم، والدليل على ذلك “المساجد العامرة أوقات الصلاة، واحتفاؤهم بشهر رمضان صياما وقياما وتلاوة قرآن وصدقة وعملا تطوعيا، وسعيا لأكثرهم لأداء مناسك الحج، وهم في كل هذا يتجهون إلى علماء بلدهم ليستشيرونهم ويستفتونهم في أمور دينهم وأحكام الله”.

أبو حفص: “تأثير علماء الدين لا يزال قويا في الأجيال القديمة التي لا تتفاعل مع التكنولوجيا، بينما يخف تأثيرهم مع الأجيال الجديدة التي تأثرت بمواقع التواصل الاجتماعي”.

بالمقابل، يقول سكنفل لـ”مرايانا” إن هذا هو الغالب في المجمل؛ لكن توجد بعض الحالات التي تجعل عددا من الناس لا يثقون في بعض المشتغلين بالدعوة لأسباب منها ما هو متعلق بالداعية ومنهجه في الدعوة وبسلوكه ومعاملاته مع الناس، ومنها ما هو متعلق بعقلية السائل و تربيته.

ويرى رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أنه في العموم، يثق المغاربة في علمائهم، ودليله على ذلك، كثرة الاتصالات الفردية سواء في المجالس العلمية أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعية.

من جهته، يؤكد محمد عبد الوهاب رفيقي، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، أن تأثير الفقهاء في المجتمع “لا يزال موجودا، وأن هناك فئات كثيرة داخل المجتمع ما زالت تثق بالفقهاء وتستأمنهم على دينها، بدليل أن البرامج الدينية الإذاعية التي تستقطب عددا كبيرا من المستمعين، بحيث إن إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم تتربع لسنوات طويلة على عرش الإذاعات من حيث نسب الاستماع”.

اقرأ أيضا: أبو حفص: لسنا ملزمين بحصر القراءة التأويلية فيما كانت عليه المذاهب الأربعة

لكن رفيقي (أبو حفص) أوضح في تصريحه لـ”مرايانا” أن هذه الثقة، وإن كانت موجودة، لا يمكن مقارنتها بما كان عليه الحال من قبل، خصوصا عند الأجيال الصاعدة، أجيال الفيسبوك واليوتوب ومختلف وسائل التواصل التي فتحت أعينها على عوالم وتوجها أخرى، بحيث إنها “فقدت الثقة في كثير من الناس الذين كانوا فيما سبق محط تبجيل”.

ذات المتحدث، خلص إلى أن تأثير علماء الدين “لا يزال قويا في الأجيال القديمة التي لا تتفاعل مع التكنولوجيا، بينما يخف تأثيرهم مع الأجيال الجديدة التي تأثرت بمواقع التواصل الاجتماعي”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *