هشام روزاق يكتب: ليس كل ما “آيت منا” البلد … يدركه - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: ليس كل ما “آيت منا” البلد … يدركه

الذي سيحدث في النهاية… أن كل هذه “العمالة السياسية والإعلامية” ستنسحب حين يحين وقت وأمر الانسحاب، وسيجد ملاك الأرض الحقيقيين أنفسهم، أمام أرض أكلها الإسمنت ولوثها الزفت… وأنها لم تعد صالحة لحرث أو سكن…
حينها… سيغادر الطارئون المركبة، وسيكتشف الذين نزعوا الــ (parechoc)، أن قوة الصدمة، تهدد حياة السائقين قبل الركاب.
في النهاية… سنكتشف ربما، أن الذي يقرر إطلاق مركبة في منحدر، عليه أولا أن يتأكد من سلامة الفرامل. أن يتأكد من جودتها وأصالتها… وأن الميزة الوحيدة لـ (les plaquettes de frein adaptables)، هي أنها … رخيصة.

… كان منتهى السخرية، قبل سنوات قليلة مضت، أن تجد نفسك تتابع كلاما لأرسلان الجديدي أو القادري (رحمهما الله) وغيرهما قليل.
ثم ها أنت ترى، تسمع… وتتكلم عن آيت منا وأخنوش، عن الطالبي العلمي ووهبي…وغيرهما كثير.
وها أنت ترى أشباههم، في الصحافة وفي الرياضة، في البرلمان وفي المهرجانات والندوات الثقافية، في التلفزة وفي يويتيوب. صار المشهد، أشبه بفيديوهات “روتيني اليومي” تبث فيه الفضيحة من مرحاض، ويتابع المشاهدون فيه، حكايا المؤخرات.
كان منتهى الرفاه قبل سنوات قليلة مضت، أن “نقتات” على زلة لسان سياسي، ونصنع منها، بكثير من مكر، حدثا… وصار الحدث اليوم، ألسنة لا لغة لها غير الزلات.
في النهاية، صار شخص مثل آيت منا، رجل سياسة ورياضة ورجل أعمال… وصار عنوانا لهذا الراهن المضحك.
الشخص الذي وقف في البرلمان يتهجى حروف اللغة العربية، كما يقف من ضبط متلبسا بسرقة، أمام قاضي تحقيق، هو نفسه الشخص الذي يريدونه اليوم، عنوانا لبلد صارت فيه السياسة أشبه بسيتكومات رمضان… يفترض أنها كوميدية، لكنها تبعث على الاكتئاب.
هشام آيت منا، وغيره، هم ببساطة، بعض عناوين بلد، صار فيه السياسي، منافسا شرسا لنجوم اليوتيوب الباحثين عن عدد مشاهدات أكبر، وعدد لايكات أكثر…
… صارت السياسة معهم مرادفا للمال. وكان للمال دوما، جنود يقاتلون بدلا عنه، وعن أصحابه.
المثير في الحكاية هنا، أن الدولة التي تريد أن تقنع أهلها، والعالم من حولها، أنها تقاتل من أجل مكان تستحقه بين البشر، ومن أجل أن يعاملها الجميع باحترام وندية، هي نفسها الدولة التي تريد آيت منا وأشباهه، عنوانا لمؤسساتها.
هي نفسها الدولة، التي تصر كل يوم أكثر، على نزع كل أنواع الواقي من الصدمات (parechoc) لتقود نفسها نحو الحائط، وكأنها تعتقد أن منتهى الإنجاز، هو اختبار ألم الصدمة.
على مدى سنوات قليلة مضت، تم تجريف كل حقول الأمان بالبلد.
أُلحقت السياسة بالمال، وأُلحقت الصحافة بالسياسة كما يفهمها المال، وصارت الرياضة قاعة انتظار للموعودين بدور وكرسي. وعوض أن نحسم مع بروفيلات أشباه “ولد العروسية” الآتية من المناطق الرمادية لالتقاء النفوذ والمال والسلطة، والمولودة في عوالم “الكرابة” وباعة الكحول وكل مناطق التماس بين القانون واللاقانون… صرنا نطبع تدريجيا، مع بروفيلات جديدة، لا تختلف عن ولد العروسية سوى في… طريقة الكلام.
صار ولد العروسية حاضرا في السياسة والصحافة ورجل شأن عام.
على امتداد سنوات، بدا وكأن أفضل ما يتنافس من أجله سادة “المطبخ”، هو الاقتيات على آخر قطرات منسوب الثقة المتبقي لدى المغربي.
… في دراسة ميدانية حديثة، أنجزها مرصد الشمال لحقوق الإنسان بتعاون مع مؤسسة Future Elite، عبّر 71 في المائة من العينة المدروسة، عن عدم ثقتهم في البرلمان، و80 بالمائة عن عدم ثقتهم في الحكومة… و80 بالمائة، أيضا، عن عدم ثقتهم في الأحزاب.
بالنسبة للكثيرين، هذه أرقام مفزعة ومخيفة، لكنها بالتأكيد ليست كذلك، بالنسبة للذين راهنوا منذ البداية، على الانتصار لمفهوم معين للدولة. الدولة التي لا يرونها، ولا يريدونها ملكية مشتركة قابلة للعيش المشترك وفق ضوابط وحقوق وواجبات، ولا يتصورونها أكثر من “une residence fermée” مسيجة، محروسة، وممنوعة على أصحاب الأرض الحقيقيين… الذين وجدوا أنفسهم فجأة، منزوعي ملكية، ضدا على كل السجلات والوثائق الرسمية.
… طبعا، لا أحد يمكنه أن ينتظر من بروفيلات السياسة الجديدة، أن ينزعجوا من أرقام تؤكد عدم ثقة المغاربة في مؤسساتهم المنتخبة وأحزابهم. السياسيون الجدد، يعرفون أن الأمر لا يعنيهم، وأنهم مجرد عابرين في رحلة، ليس أفقها الوطن ولا حتى الدولة، ولكن فقط، بعض من غنيمة اللحظة.
الذي سيحدث في النهاية… أن كل هذه “العمالة السياسية والإعلامية” ستنسحب حين يحين وقت وأمر الانسحاب، وسيجد ملاك الأرض الحقيقيين أنفسهم، أمام أرض أكلها الإسمنت ولوثها الزفت… وأنها لم تعد صالحة لحرث أو سكن…
حينها… سيغادر الطارئون المركبة، وسيكتشف الذين نزعوا الــ (parechoc)، أن قوة الصدمة، تهدد حياة السائقين قبل الركاب.
في النهاية… سنكتشف ربما، أن الذي يقرر إطلاق مركبة في منحدر، عليه أولا أن يتأكد من سلامة الفرامل. أن يتأكد من جودتها وأصالتها… وأن الميزة الوحيدة لـ (les plaquettes de frein adaptables)، هي أنها … رخيصة.
والمغاربة البسطاء، يعرفون أكثر من غيرهم أن… “عند رخصو… تخلي نصو”.
حينها… سنكتشف أن…
ليس كل ما “آيت منا” البلد يدركه…
وهذا… بعض من كلام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *