هشام روزاق يكتب: الريعوسلاميون… لا مناصفة في ريع، لا مناصفة في إرث - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: الريعوسلاميون… لا مناصفة في ريع، لا مناصفة في إرث

… لا أعرف أولئك المغاربة الذين يتحدث عنهم، بإطلاقية مخجلة، بلاغ الريعوسلاميين. لا أعرف خونة ولا إباحيين…
لكنني أعرف… شيوخ المساعدة على القذف، وفقهاء ممرضات باريس. أعرف مغاربة… اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا…فـ “قطر” بهم السقف…
وأعرف… أسرا قاتلت من أجل خلق ثروة صغيرة دون مساعدة ولا سند، وحين توفي الأب، جاء الأعمام وأبناء الأعمام وما تبقى من ذكور لا يعرفهم أهل الميت… لينهبوا ثروة صغيرة من بناته وليطردوهن من منزلهن، باسم الله.
وأعرف أبناء لم يقدموا شربة ماء لأم أو أب أثناء المرض، وجاؤوا بعد الوفاة ليتذكروا أن… للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأعرف… من يعيش بالريع… ويصف زيادة أجور أساتذة التعليم بالرشوة.

… في النهاية، عاد بنكيران و”حزيبه الصغير”، إلى اللعبة القديمة.

وكما كل الكائنات التي لا ترى بالعين المجردة، كان لابد من أعراض مغص وقيء، كي نعرف أن للأمر علاقة بوجع… علاقة بمرض.

حزب “القائد الريعوسلامي”، القائد الذي يعيش بأجرة شهرية، غير مستحقة، مدفوعة من جيوب المغاربة، وخارج كل “أسباب النزول” المحتملة أو المفترضة، خرج على المغاربة ببلاغ يهدف إلى ممارسة نوع من الترهيب النفسي باسم الدين، ضد مغاربة يريدون ممارسة حقهم في مناقشة القوانين المنظمة للعلاقات الأسرية وللحقوق المترتبة عن هذه العلاقات.

“الريعوسلاميون”، وبعد أن “أدّبهم” المصوتون في انتخابات 2021، وبعد أن “تصدقوا” عليهم بــ 13 مقعدا، بعدد أصوات في حدود 325 ألف صوت فقط لا غير؛ يعتقدون، اليوم، أن العودة لممارسة “التشرميل” السياسي باسم الدين، سيكون بمثابة “رقية شرعية” يمكنها أن تعيد الحياة… لجسد مات.

هكذا، اجتمعت الأمانة العامة للبيجيدي، بقيادة صاحب المعاش الريعي بنكيران، لتخرج على المغاربة ببلاغ، امتدت أيادي كتبته إلى أول سلة نفايات، لترمي بلغتها في وجوهنا.

الحزب الذي لم يترك فرصة تمر، خلال تسيده للمشهد السياسي للمغرب، إلا وواجه خصومه ومنتقديه بأنه “حزب الأغلبية” وأن “المغاربة صوتوا عليه ومنحوه شرعية الصناديق”… تناسى اليوم لغة الديمقراطية التمثيلية، ولغة السياسة، وعاد للغات “الفقه الأصفر” الذي يعتبر الاجتهاد في تدبير عيش الناس بدعة، ويعتبر إعادة تأويل النص الديني كفرا.

بــ 325 ألف صوت، فقط لا غير، التي حصلوا عليها خلال آخر انتخابات، نصب “الريعوسلاميون” أنفسهم ناطقين باسم الله، وباسم المغاربة، واعتبروا في بلاغهم أن أية دعوة محتملة لإعادة تنظيم مسألة الإرث في القانون المغربي، وتحقيق العدالة فيه بين الجنسين، هي مجرد “خطوة يائسة وتطبيق لأجندات خارجية، في تحد صارخ لاستقلال القرار الوطني وانتهاك فج للسيادة الوطنية”.

نعم… المغاربة والمغربيات المطالبون بإعمال مبدأ المناصفة في الحق والواجب، هم مجرد عملاء لأجندات خارجية. هم مجرد خونة بالنسبة لحزب، لم يرقه قط أن يسأله الناس عن مدى تبعيته لـ “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين”، وعن مدى ولائه وتطبيقه لأجندات هذا التنظيم.

لكن…

أغرب وأقذر ما تضمنه بلاغ “الريعوسلاميين” هو، في اعتقادي، الحديث عن اعتبار المطالبة بالمناصفة في الإرث، خطوة لـ “فرض نموذج غريب للأسرة قائم على الانحلال والصراع والتفكك، وفرض منطق مادي وإباحي فرداني لا يعير للأسرة القائمة على الزواج الشرعي أي اعتبار”.

هنا… نجد أنفسنا بالضبط، أمام ذلك المنطق “الإسلاموي” القديم، منطق الترهيب. منطق اللعب على الخلط والتخويف والافتراء والكذب على الناس… وإلا، فما علاقة المطالبة بالمناصفة بالإرث، بالـ ” منطق مادي وإباحي فرداني لا يعير للأسرة القائمة على الزواج الشرعي أي اعتبار”؟

هل الذي يطالب بتقسيم الإرث بالتساوي بين الأخ وأخته، يشكك في زواج أبيه وأمه؟

أين تكمن هذه “الإباحية” التي يتحدث عنها الريعوسلاميون…في علاقة بمطلب رفع التعصيب من منظومة تقسيم الإرث، وحماية البنات/ الابنة من تسلط أقارب ذكور، لا تعرفهم في الغالب، على ممتلكات والدها التي كونها رفقة زوجته وابنته/ بناته؟؟

بلاغ “الريعوسلاميين”، تافه وبئيس… ومليء بلغات التخوين والترهيب والكذب والاختلاق، والحديث باسم الله وإمارة المؤمنين والمغاربة أجمعين… لكن أبشع ما فيه، هو أنه “يجبرنا” على مناقشة “حزيب سياسي صغير” بمنطق ديني صرف.

منطق ديني، يجعلنا نعيد الحكاية إلى عنوانها الأصل… أن الإسلام لا يفترض وجود كهنوت، وأن قول الفقهاء ليس مقدسا، وأن نصوص الإرث، التي يقول “الريعوسلاميون” إنها قطعية ولا تحتمل اجتهادا، هي في النهاية، مجموعة تفسيرات وتأويلات، حذفت وحددت الوصية غير المحددة في كل آيات الإرث، وأقحمت التعصيب، ومنحت إرثا للجد باجتهاد…

لن نعيد مناقشة مسألة الإرث مع جماعة “الريعوسلاميين” لسبب بسيط، هو أن الإسلام حق شخصي لكل المسلمين، والاجتهاد فيه حق لكل عاقل، ولأن العلاقة بين الخالق والمخلوق في الإسلام، لا مكان فيها لوسطاء ولا سماسرة، ولأن الأمم القابلة للتطور والحياة، هي تلك التي جعلت الرهان على مصالحها أسبق من الرهان على قول جامديها…

… لن نناقش “الريعوسلاميين” في فقههم الأصفر الجامد المتحجر، الذي يتعامل مع الدين بمنطق المصلحة، في معناه الانتهازي، لأن فقه الصحابة، الذين يدعو “الريعوسلاميون” للاقتداء بهم بين كل جملة سياسية وأخرى، قام على المصلحة، كما يقول الجابري في “الدين والدولة وتطبيق الشريعة”:
“إن المبدأ الوحيد الذي كانوا (الصحابة) يراعونه دوماً هو المصلحة، ولا شيء غيرها. وهكذا، فكثيراً ما نجدهم يتصرفون بحسب ما تمليه المصلحة، صارفين النظر عن النص حتى لو كان صريحاً قطعياً، إذا كانت الظروف الخاصة تقتضي مثل هذا التأجيل للنص”.

نعم… الصحابة، وفي مواضع عديدة، من بينها الإرث، تعاملوا مع النص باجتهاد يراعي المصالح، وحزب “الريعوسلاميين”، يخرج علينا اليوم، بمنطق التخوين والترهيب والإباحية والأجندات الخارجية؟!

… فلنترك الآن نقاش الدين جانبا، ونتساءل مع “الريعوسلاميين”، سياسيا، عن معنى تخوينهم وتشكيكهم في مواطنة المغاربة، في علاقة بموضوع الإرث.

المعنى الوحيد الممكن قراءته هنا، هو أن الحزب الريعوسلامي، لم ينجح بعد، في قراءة الشرط الموضوعي لاندحاره السياسي، وأنه لازال مصرا، على تفسير الأحداث، وفق شرط ذاتي… قرأه هو أيضا بشكل خاطئ.

… يعتقد الريعوسلاميون أن اكتساحهم للمشهد السياسي بالمغرب، قبل سنوات، ووصولهم لرئاسة الحكومة، كان بفضل استعمالهم الذكي للخطاب الديني في السياسة؛ والحال أن القراءة المتأنية لظروف تلك اللحظة، تجعلنا أمام معطيات أخرى مختلفة، أهمها خيبة أمل المصوتين في عدد من الأحزاب التاريخية، وتعطل مسلسل الانتقال، وفشل نموذج التناوب. وبالتالي، كان الشرط الموضوعي هنا، هو مراهنة المصوتين (لا أقول المغاربة) على فريق جديد لم يكن قد تم اختباره بعد من طرف المغاربة والدولة على السواء، فكانوا هم.

في الشرط الذاتي للحزب… يعتقد “الريعوسلاميين” اليوم، أن الخطاب الديني والأخلاقوي، قادر على إعادة الحزب لقوته الضائعة، والحقيقة، أن قراءة الشرط الذاتي بهذا المنطق هنا، هي أقرب إلى العته منه إلى الخطأ. فالمغاربة اليوم، يتذكرون حزب الريعوسلاميين بكثير من فضائح أخلاقية… وبكثير من فضائح تدبير سياسي، وبالتالي، المراهنة على نفس الخطاب هنا، تبدو أقرب إلى معالجة أزمة قلبية… بوضع جبيرة جبس على الصدر.

…. في زمن مضى، قال “ألكسيس دو توكفيل”:

“بالتحالف مع سلطة سياسية، يزيد الدين من سلطته على بعض الناس، لكنه يفقد الأمل في السيطرة على الجميع”.

الريعوسلاميون اليوم… يعرفون جيدا أن الرهان على الدين مجازفة، وأن السيطرة، من جديد، على الناس باسم الدين مغامرة… لكن، الذي ألف المقامرة، قدره الإدمان.

في النهاية…

شخصيا… لا أعرف أولئك المغاربة الذين يتحدث عنهم، بإطلاقية مخجلة، بلاغ الريعوسلاميين. لا أعرف خونة ولا إباحيين…

لكنني أعرف… شيوخ المساعدة على القذف، وفقهاء ممرضات باريس…

أعرف مغاربة… اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا…فـ “قطر” بهم السقف…

وأعرف…

أسرا قاتلت من أجل خلق ثروة صغيرة دون مساعدة ولا سند، وحين توفي الأب، جاء الأعمام وأبناء الأعمام وما تبقى من ذكور لا يعرفهم أهل الميت… لينهبوا ثروة صغيرة من بناته وليطردوهن من منزلهن، باسم الله.

وأعرف أبناء لم يقدموا شربة ماء لأم أو أب أثناء المرض، وجاؤوا بعد الوفاة ليتذكروا أن… للذكر مثل حظ الأنثيين.

وأعرف… من يعيش بالريع… ويصف زيادة أجور أساتذة التعليم بالرشوة.

وأعرف… أنهم في النهاية، يرفضون المساواة في الإرث، ويرفضون المساواة في الريع. وأنهم يحسبون التاريخ غافلا عما يفعلون.

وهذا… بعض من كلام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *