محمد أمنصور: أيتام الامبراطورية ـ عندما يخلف التابع موعده مع التاريخ! - Marayana - مرايانا
×
×

محمد أمنصور: أيتام الامبراطورية ـ عندما يخلف التابع موعده مع التاريخ!

بهذا “التذاكي” اللفظي، اعتقد الطاهر بنجلون الذي يفهم جيدا في قانون العرض والطلب في الغرب، ويعرف كيف يداهن غرائز القارئ والمستمع الغربي، أنه قد حسم الموقف المحرج الذي وضعه فيه هذا الاستحقاق الرياضي.
خانته انتهازيته، فظن باستخفاف كبير أن كلمات من هنا وهناك كافية للإفلات من مأزق الازدواجية الهوياتية بأقل الخسائر الممكنة.
لا ينبغي أن يفهم من هذا التشكيك في قيمة السي الطاهر ككاتب عالمي لا يشق له غبار؛ لكن، من قال إن الوضع الاعتباري للكتاب الكبار في العالم يعفيهم بالضرورة من حسهم الوطني؟

 

1 ـ من لا يعرف تلك الفئة من الفرنكو ـ مغاربة الذين يخفون جواز سفرهم الفرنسي تحت الإبط في اليوم الأبيض تحسبا لليوم الأسود؟ الذين كلما اشتعلت الاحتجاجات في الشارع المغربي يضعون أيديهم على قلوبهم ويجمعون حقائبهم تحسبا لأي انفلات أمني محتمل؛ هاجسهم الوحيد، النجاة بجلودهم من أي افتراس مفترض من لدن برابرة وعرب أنصاف البشر المكدسين في بلاد مراكش! (…).

2 ـ الفرنكو ـ مغاربة نوعان: مجنّسون وغير مجنّسين ممن يعيشون بأجسادهم في المغرب بينما أرواحهم تحلق في سماء فرنسا. الفرنكو ـ مغاربة لا يتواصلون في حياتهم اليومية إلا بلغة موليير. يتجنبون أي احتكاك مفرط أو تطبيع لغوي مع “كحل الراس” وتتسبب لهم لغة قريش في صداع الراس لأنها مفروضة على أبنائهم في التدريس بالبعثات الفرنسية. الفرنكو ـ مغاربة ليسوا شقرا، ومع ذلك، فهم لا يتابعون إلا أخبار الجمهورية. يقضون عطلهم في فرنسا ويحتفلون بأعياد رأس السنة مرة في العام بالمحروسة باريس. الفرنكو ـ مغاربة يتضايقون من الذوق البلدي المغربي المستحكم أرضا وحجرا وبشرا، لذلك، تجدهم يواكبون أدق وآخر تقليعات عالم الموضة والحلاقة في باريس. ثم: الفرنكو ـ مغاربة قوم “تلفات ليهم الحلوفة” عندما بلغت أزمة التأشيرة مع الأم فرنسا ذروتها. أصابهم السعار من تدهور العلاقة بين البلدين والخوف من إمكانية بلوغها درجة القطيعة، ما يعني الحرمان من دخول الجنة الفرنكوفونية؟ (…).

3 ـ من لم يسبق له أن ذهب إلى فرنسا وتجول في شوارع باريس وشاهد الوجوه الفرنسية الحقيقية ونمط حياة الفرنسيين الأصلاء في بلادهم ستنطلي عليه مسرحية الفرنكو ـ مغاربة ويعتقد أنهم بالفعل فرنسيون أبا عن جد، والحال أن الأمر يتعلق ببغاوات فرنكوفونية كل ما يصدر عنهم في بلاد مراكش ما هو إلا فقاعات سكيزوفرينية. وحدها الأخت لوبينا Marine le pen، تعرف كيف تضع لهم حدا بشعاراتها وحملاتها العنصرية (الوطنية!؟) (…).

4 ـ جرت العادة أن تكون القواعد الشعبية هي حطب الثورات ومحركها في المجتمعات والشعوب. غير أن جديد الأزمة الحالية بين المغرب وفرنسا هو اندلاعها من فوق، في شكل تعارض حاد بين مصالح وتحالفات حاكمي المستعمرة القديمة والإمبراطورية. ولأن المفروض أن يكون لأي زلزال/مواجهة بين الامبراطورية والتابع ارتدادات وتجليات ثقافية في الزمن الما بعد كولونيالي، يستغرب المرء أن لا يقرأ أو يسمع مواقف صريحة أو مواجهات نقدية شجاعة من لدن فئة الكتاب الفرنكوـ مغاربة يستفاد منها تموقعهم في الصراع الدائر إلى جانب بلدهم الأصلي. كل ما “قدّو عليه” أنهم انقسموا إلى فريقين: فريق يدافع عن فرنسا بالمباشر وأغلبية صامتة ضربات الطم في انتظار انقشاع السحابة اللئيمة من فوق سماء البلدين (…).

5 ـ عندما حل الطاهر بنجلون، صاحب كتاب “في أجمل بلد في العالم”، ضيفا على بلاطو إذاعة Europe 1 في فقرة المقابلة السياسية بمناسبة مباراة نصف النهائي بين الفريقين الكرويين (المغرب ـ وفرنسا) في مونديال قطر 2022، وجهت إليه المذيعة صونيا سؤالا عن موقعه الطبيعي بين الطرفين فقال:

ـ أنا في وضع جد حساس.. أثناء المباراة سأكون متوترا.. كرة القدم مجرد لعبة ولا ينبغي أن نجعل منها مأساة أو حربا.. أحب البلدين معا  وبالنسبة لي أيا كانت النتيجة كلا الفريقين رابح. أما الفيلسوف آلن فينكيلكراوت Alain Finkielkraut فهو يبالغ عندما يتحدث عن فوبيا الفرنكوفونية Francophobie.

بهذا “التذاكي” اللفظي، اعتقد الطاهر بنجلون الذي يفهم جيدا في قانون العرض والطلب في الغرب، ويعرف كيف يداهن غرائز القارئ والمستمع الغربي، أنه  قد حسم الموقف المحرج الذي وضعه فيه هذا الاستحقاق الرياضي. خانته انتهازيته، فظن باستخفاف كبير أن كلمات من هنا وهناك كافية للإفلات من مأزق الازدواجية الهوياتية بأقل الخسائر الممكنة. فات قناص الرؤوس الانتباه إلى أن الهوى الإمبراطوري قد أخرجه من “رونضته” وكشف عن أنيميا في الحس الوطني. نفاق وانتهازية متأصلين في معدنه كإنسان. لا ينبغي أن يفهم من هذا التشكيك في قيمة السي الطاهر ككاتب عالمي لا يشق له غبار؛ لكن، من قال إن الوضع الاعتباري للكتاب الكبار في العالم يعفيهم بالضرورة من حسهم الوطني؟

بفقدانه الشجاعة الأدبية الكافية للوقوف في صف بني جلدته في هذا الاستحقاق الرياضي الرمزي، يكون الطاهر الفرنكو ـ مغربي قد أخلف موعده مع التاريخ، ظنا منه أن الأمر يتعلق بمجرد مناسبة عابرة وليس لحظة تاريخية ثقيلة رمزيا في ميزان الصراع الدائر بين القوى الاستعمارية الكبرى ومستعمراتها السابقة. السؤال:

ـ  هل بمثل هذه المناورات اللفظية التي تلعب على الحبلين، يمكن للتابع Le subalterne في بلاد مراكش، أن يكسب يوما معاركه ضد الامبراطورية المتهاوية ؟ (…).

نقطة عودة إلى السطر!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *