حسين الوادعي: عاداتنا قبل الردة الحضارية - Marayana - مرايانا
×
×

حسين الوادعي: عاداتنا قبل الردة الحضارية

نحن لا نطالب فقط بالعودة الى الأصل؛ فالماضي للعظة والعبرة لا لإعادة النسج على منواله.
نحن نطالب بتطوير هذا الأصل وتجاوزه وتحرير المرأة المجتمع من مخاوف الاندماج الكامل والشامل في العصر وتبني قيم المدنية والحرية.

لم يعرف الريف اليمني ظاهرة الفصل بين الرجال والنساء ولا ظاهرة الحجاب قبل المد الإخواني الوهابي قبل أربعين عاما.

يتذكر جيلي، والأجيال السابقة، كيف كان الرجال والنساء، حتى من ضمن الأسر والعائلات المختلفة، يختلطون سويا ويتحدثون سويا ويجمعهم الحقل والمناسبات الاجتماعية والأعراس دون أي حساسيات أو وساوس حول صوابية العلاقة بين الجنسين.

بل كان الرجال والنساء في بعض الأرياف يجتمعون في جلسات القات ويتبادلون الأحاديث النكات ويرقصون سويا الرقصات الشعبية المختلطة.

لم نسمع أبدا، في ذلك الزمن البسيط، أن المصافحة بين الجنسين حرام، أو أنها تثير الشهوات.

كان الرجال والنساء يتصافحون بغض النظر عن أعمارهم. وكانت المصافحة في الأرياف تتضمن تقبيل اليدين، فتقبل المرأة يد الرجل الذي يصافحها ويقبل الرجل يد المرأة التي تصافحه.

ورغم تفضيل الرجال على النساء في الأرياف وإعطاء الرجل سلطة قوية على المرأة، إلا أن المرأة الريفية لم تكن سجينة البيت، كما هو الوضع في المدن والأرياف اليوم.

ولم تكن نغمة الشك في المرأة وأخلاقها والتحذير من “سوء طويتها” معروفة.

كانت المجتمعات الريفية تعطي المرأة الريفية ثقة عالية جدا، خاصة وهي تقضي وقتا طويلا خارج المنزل، فهي تقضي ساعات طويلة في الحقل تحرث وتزرع وتحصد. وهي تقضي ساعات في البحث على الحطب وجلب المياه ورعاية الماشية.

لم تكن المرأة الريفية اليمنية حبيسة البيت كما نتوهم اليوم؛ بل كانت منغمسة في المجتمع ورفيقة الرجل أينما ذهب وصديقة الطبيعة شجرا وحجرا ووديانا وحقولا.

المرأة الريفية لم تكن محجبة بالمعنى السلفي الإخواني الحوثي للحجاب المنتشر اليوم. ولم يكن الرجل الريفي ينظر لجسدها على أنه عورة، بل كانت الريفية تتأنق لإبراز جمال وجهها وجسمها.

كان لباس المرأة اليمنية هو ذلك الفستان الفلكلوري الملون المنقوش الذي يكشف عن عنقها أو أعلى صدرها، وكانت فساتينها ضيقة عند الخصر والصدر للاحتفاء بخصوبة المرأة ومعالم أنوثتها.

أما الشعر، فكان إظهاره أو إخفاؤه يختلف من ريف الى آخر. هناك أرياف لم تكن فيها المرأة تغطي شعرها كاملا، إذ كانت تكشف النصف الأعلى منه؛ وفي أرياف أخرى، كانت المرأة تغطي شعرها، لكن دون أن تهتم كثيرا بإحكام غطاء الشعر، فكان طبيعيا أن ينزاح قليلا ليكشف ما يكشف.

لم يكن إبراز المرأة لجمالها يستفز رجال الريف ومشايخه وحكمائه. لم يقل أحدهم أن في ذلك اعتداء على الطبيعة أو على الفضيلة أو على الدين.

أما النقاب، فلم يعرفه الريف اليمني أبدا، وكان محصورا في بعض المدن التي عرفت الاحتلال العثماني الذي جلب معه نظام الحريم والنقاب.

أسمع اليوم اعتراضات البعض على اختلاط المرأة بالرجال، أو خروجها للعمل، أو كشف الوجه والتخلي عن النقاب، بحجه أن هذه الممارسات غريبة على عاداتنا وتقاليدنا.

لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما.

إذا أردنا الحديث عن العادات والتقاليد، فإن المجتمع اليمني كان مجتمعا مختلطا، لا يفصل بين الرجال والنساء، ويجمع بينهما في مختلف مناشط الحياة.

عندما نطالب بالاختلاط كأسلوب تربوي، فنحن نطالب ولدينا ميراث غني ومشرق حول صحة وسلامة المجتمع المختلط.

لم تعرف المرأة الريفية الحجاب والنقاب بالشكل المبالغ فيه اليوم، بل كانت المرأة اليمنية سافرة ومتبرجة ومتأنقة.

ولم تكن المرأة اليمنية “ربة بيت” فقط، بل كانت عاملة منتجة داخل البيت وخارجه.

لهذا، عندما نطالب اليوم بالتخلي عن آفة النقاب وعن الثقافة الطالبانية السنية والشيعية، فنحن لا نخرج عن تقاليد مجتمعنا بل نطورها.

وعندما نطالب بحق المرأة في ارتداء ما تشاء، حتى لو كان هذا اللباس يبرز جمالها وأنوثتها، فإننا لا نطلب شيئا مستوردا أو مخالفا لثقافتنا، بل هو عودة إلى الأصل أو إلى “ضبط المصنع” الذي كان موجودا قبل غزو البتروإسلام وغزو الحوثية الطائفية لمجتمعنا البسيط المتوازن الذي كان يعيش حياة لا يسيطر عليها الكبت الجنسي ولا الهوس بالخطيئة ولا الدعوات المحمومة لتقييد المرأة وعزلها.

لكننا لا نطالب فقط بالعودة الى الأصل؛ فالماضي للعظة والعبرة لا لإعادة النسج على منواله.

نحن نطالب بتطوير هذا الأصل وتجاوزه وتحرير المرأة المجتمع من مخاوف الاندماج الكامل والشامل في العصر وتبني قيم المدنية والحرية.

 

مقالات قد تهمك:

تعليقات

  1. العربي

    حتى أفغانستان لم تكن ثقافتها متزمتة كما هي عليه اليوم حيث اشتد الخناق أكثر وأكثرعلى الحريات العامة مع تسرب طالبان إلى أرض أفغانستان حيث شنت حروب إبادة جماعية ضد الشعب الأفغاني وحرفت تقاليده ومسختها وهناك من يقول أن طالبان أيضا أخوانيون حوثيون قدموا إليها من أرض جبالة بالمغرب وهم أيضا مايسمون الان بالإخوان المسلمين في مصر حيث هاجروا إليها بطرق غير شرعية إبان فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب والبريطاني لمصر وهناك من لايعير نفسه عناء البحث عن منبعهم الذي أتوا منه حاملين معهم الموت واليؤس والتمقطط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *