أحمد الخمسي يكتب: شجرة تشومسكي وحديقة اليسار الأمريكي المختفية - Marayana - مرايانا
×
×

أحمد الخمسي يكتب: شجرة تشومسكي وحديقة اليسار الأمريكي المختفية

عندما نتابع ما يترجم اليوم من الكتب الأمريكية الساخطة على الليبرالية المتوحشة في أمريكا، يتبين بصيص ما ذهب إليه الكثير من المحللين كون أمريكا ستصمد أمام الصعود الصيني بفضل اجتهادات …

عندما نتابع ما يترجم اليوم من الكتب الأمريكية الساخطة على الليبرالية المتوحشة في أمريكا، يتبين بصيص ما ذهب إليه الكثير من المحللين كون أمريكا ستصمد أمام الصعود الصيني بفضل اجتهادات أكاديميي جامعاتها.

ففي عنفوان الربيع الديمقراطي سنة 2011، طفا فوق السطح الإعلامي اسم جوزيف ستيغليتز فجأة… ثم اختفى. ساعتها، التجأ إليه بعض الإعلاميين الغربيين ليسألوه عن موقفه ورأيه من الأوضاع التي أفرزت حركة “احتلوا وول ستريت”. وتذكر الناس أن حائزا على جائزة نوبل في الاقتصاد، بلغ منصب نائب مدير البنك الدولي واستقال منه. واليوم ها نحن نتملى صفحات كتابه “السقوط الحر” بالعربية، والذي يفسر عبره سلوك الأفاعي الكبيرة في النظام المالي الأمريكي. ويرسم مسارات الأزمات المفيدة لملاّك المال الكبار في أمريكا.

كم انتظرت البشرية لتصبح شبكة الشبكات فاعلة بالفوائد الجمة التي تحقق فعلا مجتمع المعرفة. أُحِسُّ بالذَّنْب وأنا أتلفظ شبه الجملة من المضاف والمضاف إليه: “مجتمع المعرفة”. شبه جملة تتخذ مغزاها الدارج ضمن مجتمع الزبونية المتمركز حول أشكال الريع ببنيته الهرمية مثل ما دقّق توصيفه العزيز عبد الاله أبعصيص بصدد البنية بين الشرعية المتجددة أو التسلط.

لكن المقصود هنا، مجتمع المعرفة العلمية وليس المقصود “ابّاك صاحبي”.

لو سألنا اقتصاديينا عن موقفهم من هذا التخندق بين الاقتصاديين اليمينيين (آلن غرينسبان مثلا) والاقتصاديين الليبراليين اليساريين (بالصيغة الأمريكية) أمثال ستيغليتز وأطالي، فلن يكون لديهم من جواب سوى أن المصلحة العليا تقتضي احتراف مهنة الأعوان للأعيان حراس معبد اليمين الأمريكي.

من يتذكر نائب مدير البنك الدولي: جوزيف ستيغليتز الذي هاله ما أصاب الليبراليين الجدد من حماقة جمع المال بعدما اطمأنوا إلى كون المنافس الاشتراكي انهار نظامه، فاخترعوا مساطر وقواعد مالية تلائم نقل الأموال من مساهمي الشركات إلى مدرائها عن طريق صناعة الأزمات والانزلاق نحو حافات الإفلاس، خصوصا وقد أخذت الطبقة العاملة “طريحة د لعصى” على يد تاتشر الديكتاتورية، وبدأت مراجعة مكاسب العمال في الغرب الرأسمالي كله.

إقرأ لنفس الكاتب: حجر “الدارجة”… في مستنقع

يذكر جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، أن افتعال أو السقوط في الأزمات المالية خلال 37 سنة (1970-2007) أوصل عدة اقتصادات محلية إلى ما مجموعه 127 أزمة، بمعدل أزمة كل 4 شهور…ويفصل في ثعبان أزمة التسعينات كيف خرج من أدغال التايلاند وزحف نحو شرق آسيا، وكيف خرج ثعبان الأزمة من أدغال الميكسيك وانتقل إلى الأرجنتين ثم وصل حلقوم البرازيل وزرع السم في البلد، ليجد الاقتصاد العالمي نفسه منهكا سنة 2001. ولم يختف ثعبان الأزمة إلا وراء دخان ضربة 11 شتنبر 2001. ليواصل اليمين الأمريكي تطرفه وجشعه المالي، لينهار الاقتصادي العالمي مرة أخرى متزامنا مع نهاية الولاية الثانية لجورج بوش الابن.

من سوء حظنا مع اقتصاديينا اليساريين أن نقرأ في أدمغتهم إما الأورثوذكسية الماركسية (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، نقطة إلى السطر) أو الإصلاحية التي ترى في البنك الدولي مؤسسة مالية محضة لا أطماع لها في اقتصادياتنا… ولو كذبهم مهاتير الليبرالي المعتدل نفسه.

في كتابه “السقوط الحر”، يصحب جوزيف ستيغليتز القارئ معه إلى الجحر الذي تفقست فيه بيضة الرئيس رونالد ريغان وخرج منها ثعبان الأزمة. بحيث استبدل بيضة نظام السوق المنظم، الذي ينتج الدجاج وكل الأغذية المفيدة من الرأسمالية المعتدلة، (استبدله) ببيضة الثعبان المالي.

استبدل الخبير الاقتصادي بول فولكر الذي تحكم في التضخم وخفض معدله من 11 إلى فقط 3.6 في المائة طيلة ثماني سنوات، بـ ” آلن غرينسبان” الخبير الذي أطلق يد السلطة المالية في العبث بالقدرة الشرائية للناس مقابل مراكمة الثروات لدى الفئات العليا عبر المضاربة التي لا تنتهي.

عندما اجتاحت الأزمة المالية خلال 1997 آسيا وروسيا، لم يتساءل منتجو المضاربة المالية الأمريكيون عن ذلك، بل اعتبروا أنفسهم أبطالا كونهم منعوا الأزمة من دخول أمريكا وأوربا. لذلك تمادوا في غيهم.

إقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب : أيها القطار… Quo Vadis في مملكة الطوائف؟

آراء جوزيف ستيغليتز المناهضة لليبرالية المتوحشة واستقالته من البنك الدولي تبعا لذلك، دفعت الجزء المنبطح لأمريكا المتوحشة من الإعلام الفرنسي لنشر فكرة كون ستيغليتز غير مفهوم في بلده، بنوع من “تقطير الشمع” على سمعته.

والحال أن جاك أطالي الفرنسي الذي يعتقد جازما أن لا مستقبل للرأسمالية سوى بإرساء توازن بنيوي عادل تحت اسم الاشتراكية الديمقراطية. جاك أطالي نفسه، وهو خبير كبير ومستقبلي الحرفة، اعتمد في خلاصاته على جوزيف ستيغليتز.

نسمع اليوم من اقتصاديينا اليساريين، ومنذ إطلاق الكلام عن حقيقة سعر “البوطا” أن “الشجاعة” تقتضي رفع الدعم… وغدا، سنتبين من كبار الاقتصاديين الأمريكيين أنها وصفة كاذبة للبنك الدولي صدّقها بلداء العالم المتخلف كما يصدقون نزاهة البنك الدولي كلما اعتلوا السلطة في بلدانهم أو كلما توهموا احتمال اعتلاء السلطة في بلدانهم.

لو سألنا اقتصاديينا عن موقفهم من هذا التخندق بين الاقتصاديين اليمينيين (آلن غرينسبان مثلا) والاقتصاديين الليبراليين اليساريين (بالصيغة الأمريكية) أمثال ستيغليتز وأطالي، فلن يكون لديهم من جواب سوى أن… المصلحة العليا تقتضي احتراف مهنة الأعوان للأعيان حراس معبد اليمين الأمريكي.

ومن سوء حظنا مع اقتصاديينا اليساريين أن نقرأ في أدمغتهم… إما الأورثوذكسية الماركسية (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، نقطة إلى السطر) أو الإصلاحية التي ترى في البنك الدولي مؤسسة مالية محضة لا أطماع لها في اقتصادياتنا… ولو كذبهم مهاتير الليبرالي المعتدل نفسه.

إقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الكيس والأنكيس

نسمع اليوم ومنذ إطلاق الكلام عن حقيقة سعر “البوطا” أن “الشجاعة” تقتضي رفع الدعم… نعم سمعناه من اقتصاديينا اليساريين، وغدا، سنتبين من كبار الاقتصاديين الأمريكيين أنها وصفة كاذبة للبنك الدولي صدّقها بلداء العالم المتخلف كما يصدقون نزاهة البنك الدولي كلما اعتلوا السلطة في بلدانهم أو كلما توهموا احتمال اعتلاء السلطة في بلدانهم. إن هؤلاء، غالبا ما يتوقفون عند شهرة الفيلسوف وعالم اللسانيات التقدمي نعوم تشومسكي، لكن هذا الاسم شجرة كبيرة تخفي عنا الحدائق الجميلة من الأفكار النيرة التي تزين العقل الاقتصادي الأمريكي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *