مصطفى الناسي… حكاية بكسر القلب - Marayana - مرايانا
×
×

مصطفى الناسي… حكاية بكسر القلب

كيف لصحافي محترف، ولا أقول مهني، نقش اسمه على صفحات صحافة حزبية منذ ثلاثة عقود، أن لا يتوفر على تغطية صحية؟
كيف لزميل من طينة الناسي الجميل أن يعيش على الفتات، وأن تتكلف به العائلة رغم أنه تجاوز الخمسين من العمر؟

قبل أيام قليلة مضت، ذكرتني بعض وسائل التواصل الاجتماعي، بذكرى ميلاد.

للحظة، كدت أخط بعضا من تلك العبارات التي صارت ميكانيكية في لغاتنا. كدت أكتب له… كل سنة وأنت بخير، وجميل الأمنيات والـ…

لكنني لم أستطع..

تذكرت فقط، أن كل هذه اللغات ستكون كاذبة.

… قبل مدة، كنت قد زرت الصديق مصطفى الناسي، الذي جمعتني به سنوات طويلة من زمن كان عنوانه، الشبيبة الاتحادية قبل أن تتفرق بنا السبل، وقبل أن يختار الكثيرون منا صياغة أحلامهم على أسرة مختلفة.

كان مصطفى، خلال تلك السنوات، من أشهر الأسماء الشابة حزبيا. كان يكتب عن قضايا المحاكم ويدبج عشرات التحقيقات والروبورتاجات، منذ 1993 على ما أظن، وأرشيف صحافة الاتحاد الاشتراكي، لازال شاهدا على ذلك.

… فرقت بيننا السبل، لكننا معا، حافظنا على ذلك الود الذي ظل مستعصيا على كل الخيبات. كنت أزوره بين الفينة والأخرى، نتواصل ولو عبر رسالة قصيرة أو تعليق على الفيسبوك… كنت أجده دائما نفس الصديق… صامتا بعمق مبتسما بقياس.

كنت قد زرته قبل أربع سنوات، وهو على فراش المرض بعد أن أجرى عملية مفتوحة على القلب، وجدته كما عرفته، لم تنل منه المرارات شيئا، رغم أنه أب لأربعة أبناء، يدرس واحد منهم بالخارج، بتضامن عائلي بين أسرتي الأب والأم.

منتصف هذا الصيف، تعرض مصطفى الناسي لحادثة سير خطيرة على الطريق العمومي، كلفته ثلاثة كسور في الساق الأيمن وكسرا في اليد اليسرى.

حمل لأكثر من خمسة أشهر الجبيرة، وخضع لعمليتين جراحيتين… ومازال يستعمل عكازين للمشي.

المفجع، الذي لم أكن أعرفه، هو وضعية مصطفى الذي كان، رفقة القيدوم هادن الصغير، عنوانا لمادة نادرة اسمها “قضايا المحاكم”، كان يتسابق على قراءتها جل المغاربة صبيحة كل أحد، ومن بينهم من حملوا مشعلها اليوم في منابر أخرى.

مصطفى، وبدون أنصاف لغات… أبكاني. أبكاني، عندما علمت أنه، إلى حدود اليوم، لا يتوفر على تغطية صحية، رغم أن الأدوية التي يفترض أن يواجه بها عللا كثيرة ومتعددة سكنت جسده، تكلفه أكثر من ألفي درهم شهريا…

كيف لصحافي محترف، ولا أقول مهني، نقش اسمه على صفحات صحافة حزبية منذ ثلاثة عقود، أن لا يتوفر على تغطية صحية؟

كيف لزميل من طينة الناسي الجميل أن يعيش على الفتات، وأن تتكلف به العائلة رغم أنه تجاوز الخمسين من العمر؟

كيف لـ”قادة” حزب… أن لا يلتفتوا لمثل هكذا قامة قضت أكثر من ثلاثين سنة في الظل؟

أين غابت مؤسسات الحزب؟ أين مبادؤه وشعاراته وذاكرته… كي لا نقول، أين غابت الأخلاق والخجل؟

أسئلة كثيرة يمكن أن نطرح… لكن، نتمنى أن تكون الإجابات أسرع إلى الناسي من أسئلتنا القادمة.

أن تكون الإجابات، بحجم الذاكرة لا بحجم الوجع.

في انتظار أن يعود الزميل الناسي إلى حياته العادية

أتمنى صادقا أن تسارع جهة ما لحل وضعيته المعقدة، لأن لا أحد في تلك الجهة… يمكنه أن ينكر، أن الزميل الناسي قضى أكثر من نصف عمره صحافيا. صحافيا فقط.

وتلك حكاية أخرى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *