رحل مارادونا وظل السؤال: أليست نفساً؟! - Marayana - مرايانا
×
×

رحل مارادونا وظل السؤال: أليست نفساً؟!

يبقىٰ أن مارادونا “ساحر المستديرة” قد بصم تاريخ كرة القدم، وظل علامةً فارقة، دونما خوض في تفاصيل لا معنى لها، أو الدخول في متاهات لا مسالك تفضي إلى نهايتِها…
وفي الأخير، تظل مقولة نبي الإسلام هي الحكم الفيصل بيننا وبين من يرى “عدم” جواز الترحم على غير المسلم: أليست نفساً ؟!

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي

إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقد صار قلبي قابلا كل صورة

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف

وألواح توراة ومصحف قرآن

على خلفية، رحيل لاعب كرة القدم الشهير دييغو مارادونا، وما أعقب رحيله من نِقاش محتدم بين صفوف بعض المسلمين حول مسألة الترحم على أموات غير المسلمين، دارت في خلدي هذه الأبيات الشعرية الصوفية التي حطم بها الشيخ الأكبر الشاعر والفيلسوف المتصوف محيي الدين بن عربي صنم الوحدوية المرتكزة حول الذاتية في تقويم الأمور والحكم على الأشخاص، وبنى بها صرحاً يحتضن كل مخالف، ويقبل كل “أنا آخر” من أي ديانة كانت في كنف التعايش.

اقرأ أيضا: “قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير!

التعايش معناه العيش على الألفة والمودة.

ويقال تعايش الناس أي وجدوا في نفس الزمان و المكان.

يعيشون في تساكن وتوافق داخل مجتمع على الرغم من اختلافهم الديني والمذهبي و ما إلى ذلك.

ويُقصد بالتعايش السلمي خلق جو من التفاهم بين الشعوب بعيدا عن الحرب والعنف.

أما في علم الطبيعة، فإن التعايش هو علاقة بين نوعين من الأحياء يستفيد كلاهما من الآخر؛ أي أنه عبارة عن تفاعلات ثابتة وطويلة الأمد بين نوعين أو أكثر من الأنواع الحية.

أما القصد من التعايش في علم الإجتماع، فهو قبول رأي و سلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف واحترام حرية الآخر وطُرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية مهما بلغت درجة التباين بين الرؤى، ما يعني وجود مشترك لفئتين مختلفتين؛ وهو بهذا يتعارض مع مفهوم التسلط والأُحادية والقهر والعنف الذي يسعى التيار الإسلامي إلى ترسيخه.

اقرأ أيضا: حسن الحو يكتب: الإيمان بين التسليم والتدليل… ماذا لو؟!

من جملة التعريفات، يبدو أن التعايش هو تفاعل علائقي بين الأنا والأنا الآخر، مبني على الإستفادة المتبادلة والمنافع المشتركة في ظل جو من الإحترام والتقدير، والألفة والمودة.

ولمّا كان الأمر كذلك، لم يكن للدين الإسلامي في جوهره أن يحيد عن هذا المبدأ السامي، الداعي لتقبل الآخر المختلف والمُخالف، واحترام أيديولوجيته أو خلفتيه الدِّينية بعيداً عمَّا يروج له الموروث الفقهي/السلفي خصوصاً من فتاوى تكفيرية-إقصائية قائمة بالذات على القتل، والعنف، وسفك الدم.

الاختلاف في كنهه ليس داعيا للإقتتال وكراهية الآخر، وإنما هو اختلاف غائي؛ الغاية منه تبادل الرؤى والأفكار، وتلاقح المجتمعات والحضارات، وتعايش الديانات بعيداً عن الشد والجذب.

لو تم فهم الإختلاف على أنه حقيقة إنسانية ثابتة، من النواميس الكونية والإجتماعية، لكان الأمر عكس ما نراه اليوم نصب أعيننا في العالم من اقتتال وكراهية ونبذ للآخر، ولتجاوزت الإنسانية كل الإحن والأحقاد والضعائن جراء تباين وجهات النظر، واختلاف الأيديولوجيات وتعدد الديانات.

المُخالفة في الدين ليست مدعاة للتكفير، وإصدار فتاوى القتل في وجه الآخر، أو “تجريم” الترحم عليه بعد وفاته. يمكن العودة إلى فِعل نبي الإسلام مع الآخر المختلف عنه في المُعتقد، حين قام من بين أصحابه لأجل المشي خلف جنازة مرت به، فقيل: إنه يهودي، فقال: “أليست نفساً؟!.

اقرأ أيضا: حرم العلم وألغى العقل. هل يصلح المذهب الفقهي والعقدي للشاطبي أساسا للتجديد والإبداع؟

هذا دون أن يلتفت لمعتقد الجثمان المشيع، حيث تقتضي الإنسانية احترام الآخر حياً كان أو ميتاً. مادامت الكينونة على أرض واحدة تقتضي التعايش السلمي، فليس ثمة داعٍ إلى النظرة الإقصائية تجاه المختلف والمُخالف في المعتقد الديني.

يبقى ثالوث (التعارف، التعاون، والعدل) هو خارطة الطريقة التي لابد منها من أجل خلق جو صحي للحوار المنتج للتعايش السلمي بين مختلف الديانات والمذاهب.

“علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة، أو الفناء معا كأغبياء”، كما عبر عن ذلك مارثن لوثر كينغ… وما أشد حاجة العالم اليوم لاستلهام فلسفة التعايش المبنية على الإيمان بـ:

– أن العالم بيئة مشتركة بين الجميع، وليس حكراً على أحد دون الآخر.

– أن الاختلاف قانون كوني وقاعدة أزلية سيظل قائما بين كل الأجناس البشرية التي تتشارك نفس البيئة.

– أن العلاقة التفاعلية مبنية على تبادل الرؤى والأفكار، وتلاقح المجتمعات والحضارات بما تحمله من تعدد (ديني، إثني،…).

يبقىٰ أن مارادونا “ساحر المستديرة” قد بصم تاريخ كرة القدم، وظل علامةً فارقة، دونما خوض في تفاصيل لا معنى لها، أو الدخول في متاهات لا مسالك تفضي إلى نهايتِها…

وفي الأخير، تظل مقولة نبي الإسلام هي الحكم الفيصل بيننا وبين من يرى “عدم” جواز الترحم على غير المسلم: أليست نفساً ؟!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *