العصر الذهبي للدولة الإسلامية… حين شهد الإمام مالك على فساد العصر 4/4 - Marayana - مرايانا
×
×

العصر الذهبي للدولة الإسلامية… حين شهد الإمام مالك على فساد العصر 4/4

الحالمون بعبور الزمن لاستيراد عصرٍ ذهبي يُبَدِد ظلمة الواقع حسب زعمهم، يذكرون بالتأكيد قولة الإمام “مالك” الخالدة: “لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
ياللعجب فالإمام “مالك” من أوائل هذه الأمة ويشهد على عصره أنه عصر فاسد يحتاج لإصلاح. وكل من أتى بعد الإمام “مالك” من الائمة، ظل يستشهد بقولته الخالدة، فهذا “الشاطبي” يقول في الاعتصام: “ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى ممن كان عليها أولها”. ويثني على المقولة ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم قائلا: “وما أحسنَ ما قال مالكٌ”.

حسن الحو

دخل العالم الاسلامي منذ القرن السابع الهجري في سبات عميق، استفاق منه على وقع حوافر خيول “نابليون” وهو يدك أسوار مصر المحروسة.

لكنها كانت استفاقة الزمنى والعُشُوِّ، المنبهرين بنور الشمس بعد النوم الطويل، المُصِرين على معاداة العلوم، فأفتوا فور انتباهتهم بحرمة طبع القرآن الكريم بالمطبعة التي جلبها “نابليون” لمصر، ليستمر مسلسل التحريم والابتعاد عن الحياة العلمية ليومنا هذا، حيث لازال هناك من يحرم التلفاز والكاميرا.

ولعل قائلا يقول، قد اختلف الأمر في حاضر الحركات الاسلامية التي تتبنى نظرة علمية حديثة، وتُشجع النهل من العلوم وابتعاث شبابها للدراسة بالجامعات الغربية. لكن نظرة سريعة على واقع هذه الجماعات والحركات، وإنتاجات منظريها ممن ابتُعِث لطلب العلوم من أرقى الأكاديميات العلمية، سيُدرك أنه لم يتغير شيء من معتقدات أولئك الحالمين، وأن العداوة للعلم لازالت قائمة وتكفير العلماء لازال سمة بارزة في الحكم على المخالفين…

اقرأ أيضا: النبوة والمسألة السياسية… حين وجد العرب في ادعاء النبوة سبيلا لسياسة الناس! 3/1

والمطلع على ما ينتجه أبرز وجه علمي سلفي “إياد قنيبي” في محاربة نظرية التطور، التي أضحت شبه حقيقة علمية تُبنى عليها الكثير من الأبحاث، وتتبناها كل الجامعات الغربية العريقة، سيقف مشدوها من هذا النفس الطويل في معاداة العلم، لا لشيء سوى الارتكان إلى فهم حرفي ظاهري للنصوص.

وليست نظرية التطور فقط ما تُحاربه الحركات الاسلامية التواقة لماضي الأجداد، بل كروية الأرض وإنكار اكتشافات وكالات الفضاء الدولية وتحريم النظريات الحديثة في علم الإدارة والاقتصاد والاجتماع، وكل ما يصل إليه الغرب من إبداعات علمية وتقنية وفكرية وفلسفية ينبغي مروره عبر مصفاة الشيوخ والفقهاء ليتم، إما تحريمه أو تشويهه، أو تركه على حاله مع إلباسه صبغة دينية.

وفي الختام… أذكر اولئك الحالمين بعبور الزمن لاستيراد عصرٍ ذهبي يُبَدِد ظلمة الواقع حسب زعمهم، أذكرهم بقولة الإمام “مالك” الخالدة: “لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها” وياللعجب فالإمام “مالك” من أوائل هذه الأمة ويشهد على عصره أنه عصر فاسد يحتاج لإصلاح!!

وكل من أتى بعد الإمام “مالك” من الائمة، ظل يستشهد بقولته الخالدة، فهذا “الشاطبي” يقول في الاعتصام: “ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى ممن كان عليها أولها”. ويثني على المقولة ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم قائلا: “وما أحسنَ ما قال مالكٌ”.

… ويُحَبِّر الشيخ “محمد البشير الإبراهيمي” حولها بحثا، مُبينا سبب الصلاح وجوهره بالعودة للمعين الأول من أجل الاغتراف من عوامل النهضة والصلاح. ولعمري أيُّ أولٍ يقصدون؟! فإن كانوا يقصدون عصر النبوة فما أقرب عصر الامام “مالك” منها، فما الذي جعل عصره يحتاج لتقويم وإصلاح؟ وإن كان القرب الزمني من عصر النبوة لم يمنع الفساد والاستبداد، فكيف بالحركات الإسلامية التي ابتعدت أربعة عشر قرنا؟

اقرأ أيضا: ما الذي تغيّر في “الإسلام” حتى يُغيّر بعض الشيوخ رأيهم نحو التطبيع؟

المشكلة أعوص من أولٍ أو آخر، بل هي معضلة في فهم الإسلام وتنزيله التنزيل الصحيح، فالكل يبحث عن الزمن الأول، والكل يدعي وصلا بالعصر الذهبي وأحداث التاريخ لا تُقِر لهم بذاكَ. ولنستمع “لابن القيم” وهو يصف عصره وغربة الإسلام ومحاولة الإصلاح بالعودة للجذور: “واشتدّتْ غربة الإسلام وقلّ العلماءُ وغلَبَ السّفهاء… وتفاقم الإمر واشتدّ البأسُ وظهرَ الفساد في البرّ والبحرِ بما كسَبتْ أيدي الناس ولكن ﻻ‌ تزالُ طائفة من العصابة المحمّدية بالحقِّ قائمين… وﻷ‌هلِ الشّركِ والبدعِ مجاهدين.. إلى أن يرِثَ اللهُ سبحانه اﻷ‌رضَ ومَن عليها وهو خيرُ الوارثين”.

فالكل يشتكي من غربة الاسلام وشتات أهله، منذ القرن الأول لآخر قرن هجري والكل ينوي الرجوع للخلف من أجل العثور على العصر المنشود، وسنترك لكم حرية الاختيار لترسو مركبتكم المسافرة عبر الأزمان حيث تشاء، أبَيْن جحافل جيوش “علي بن أبي طالب” و”معاوية بن أبى سفيان”؟ أم تعترض سرية اليزيد قبل الفتك “بالحسين بن علي” أم تنزل وسط جنود الحجاج… أم تحاول استرداد الحجر الأسود من القرامطة أم توقف زحف الفاطميين على أسوار مصر أم تمسح فتاوى التكفير من كتب الفقه أم تمنع “سفيان بن معاوية” من تقطيع أوصال “ابن المقفع” أم تَنْفِض أسواق النخاسة…

المهم سننتظر معكم أن تُنَوِّرُونا بعصرٍ ذهبي يُقَوِّض سواد عصر الديمقراطية والأنترنت والمنظمات الحقوقية وغزو الفضاء……

 

لقراءة الجزء الأول: العصر الذهبي للدولة الإسلامية… التاريخ الديني 1/4

لقراءة الجزء الثاني: العصر الذهبي للدولة الإسلامية… تاريخ الاقتتال السياسي 2/4

لقراءة الجزء الثالث: العصر الذهبي للدولة الإسلامية… مجاعات، عبيد ومحاربة العلماء 3/4

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *