فاطمة أبيدار تكتب: الفن أيضا ثروة رمزية - Marayana - مرايانا
×
×

فاطمة أبيدار تكتب: الفن أيضا ثروة رمزية

حين نفهم أن الدعم، لا يجب بالضرورة أن يصبح مرادفا للريع، وتكريس التفاهة…
حينها قد يصبح للدعم، دعم الصحافة والسياسة والفن… والمقاولة، معنى الانتصار للجمال وللوطن، لا الانتصار لتأبيد البشاعة.

بكل الوضوح الممكن، أجد أن العناية بالفن والفنانين والنهوض بأوضاعهم الاجتماعية ودعم إنتاجاتهم ماديا ومعنويا ليس ترفا، بل هو عناية بالثروة اللامادية وتنمية الرأسمال الرمزي، ذلك الجانب المعتم والهامشي في تمثلاتنا الجمعية…

هو عكس ذلك… مطلب هام وأكثر ملحاحية مما يتصور بعض من يجهد نفسه، لإقامة سلم تفاضلي بين المهن والقطاعات وطرق صرف المال العام، بالتركيز على “الخبزي” والمادي… فما بالخبر وحده تحيا الشعوب والمجتمعات …

لا شيء من وجهة نظري المتواضعة، يبرر تبخيس الفن والفنانين، خصوصا في مجتمعات تنخرها الأمراض الاجتماعية والأعطاب النفسية… وتستأسد فيها قوى محافظة تسعى لتحريم الفن واحتقاره، أو اعتباره مجرد “خضرة فوق الطعام” …

شاهد أيضا: فيديو. فيلم وثائقي عن أنطلوجيا العيطة

  إن الدور الايجابي للفن في تقديري، لا ينكره إلا متخلف أو جاهل أو أعمى بصيرة. فالفن سمة ملازمة لرقي وتحضر الشعوب التي تمتلك حسا جماليا، وتمتلك رقة العيش، وأحيانا… تهجر كثرة الجدال الفارغ في “الخبزيات” وفي لغات الشعبوية السياسوية، نحو المسارح والحفلات الموسيقية والرقص ودور السينما ومعارض الفن التشكيلي، لأن للروح وغذائها على الإنسان حق…

الفن الحقيقي والأعمال الفنية الراقية، هو ما يجعلنا نواجه ذواتنا في مرآتنا، فيساعدنا على الشفاء وتجاوز أعطابنا النفسية والاجتماعية والحضارية، والرقي بالذوق العام والوجدان الجماعي …

الفن… هو الذي يربي فينا ملكة الإحساس والقدرة على التميز ورؤية البشاعة والانحطاط القيمي، ويدعونا إلى السموق في عوالم الإحساس بالجمال والسمو…

كم من عمل فني مسرحي أو سينمائي، تشعر بعد رؤيته أنك كبرت عشر سنوات في ساعة أو ساعتين، ونضجت في رحاب فتنة الإبداع التي ذوبتك في أبدية تنسيك ثقل الزمن على كاهلك.  تشعر بعد مشاهدة العمل أنك لست نفس الشخص الذي كان هنا قبله، لأن بذخ الإبداع ومضامينه الجمالية ورسائله… أخذتك منك وبلغت مداها في روحك…

سماع أغنية أو معزوفة موسيقية جميلة أو تأمل لوحة فن تشكيلي أو التفاعل مع أداء فني مسرحي جاد ومبدع، يسقي بذور الحب في أعماقنا ويتلف معالم الحقد والكراهية… ويترك صدى جميلا لا يمحى، لا تكون بعده قادرا على إيذاء نملة …

لكل ذلك أقول…

لا داعي لكل هذا التحامل الأهوج ضد هذا الدعم المادي للفنانين، من كل المشارب والتخصصات، فقط وجب على أهل الفن تنظيم أنفسهم حول رؤى واضحة لمعايير الفن الذي نريده، بعيدا عن منطق التجارة والريع، وجعل الفنان بوقا رخيصا لهذه الجهة أو تلك… وبعيدا عن جعل الدعم شرطا للانتقائية المحكومة بمعايير مبهمة ومشبوهة، تعلي من شأن الابتذال وتتوج الرداءة والتفاهة باسم الفن …

اقرأ أيضا: العربي باطما… نغمة مهمومة مثل صيف…

  في كثير من اللحظات القاسية، وصلتنا تفاصيل حكايات مؤلمة لكثير من الفنانين الرائعين مع الهشاشة والمصاعب المادية ومواجهة الأمراض، بدون تغطية صحية ولا معاشات، خصوصا في أرذل العمر، فنانون عشنا معهم مرارة الإحساس بالجحود وتنكر المجتمع، حيث شهدنا كثيرا من الحكايات التي تدمي القلب…

حين تصلنا تلك الحكايات، علينا أن نتذكر فقط، أنه لا يمكن للمجتمع أن يتنكر لأبنائه الذين اختاروا طريق الفن، ليتركهم فريسة الحاجة وقلة ذات اليد، وأن لا يدعم ويقدر الإنتاج الرمزي الذي يساهم به هؤلاء ودورهم في تنمية الثروة الرمزية التي تساهم في بناء الإنسان… رأسمالها الحقيقي.

لكن أي فن ندعم وأي فنانين ندعم تلك هي المسألة.

حين نفهم أن الدعم، لا يجب بالضرورة أن يصبح مرادفا للريع، وتكريس التفاهة، قد يصبح للدعم، دعم الصحافة والسياسة والفن… والمقاولة، معنى الانتصار للجمال وللوطن، لا الانتصار لتأبيد البشاعة.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *