حرب البقاء … أم حرب النجوم؟ - Marayana - مرايانا
×
×

حرب البقاء … أم حرب النجوم؟

هو عدو استثنائي، جعلنا نعود لنقطة الصفر…
صرنا نأخذ دروسا في كيفية غسل اليدين، وأوقات تنظيف أجسامنا وما إلى غير ذلك من البديهيات التي رافقت البشر منذ بداياته الأولى، وظن لزمن طويل، أنه تجازوها بفعل التطور الحاصل.

بداية دَعكَ من “حرب النجوم”، الأمر هنا لا يتعدى كونه فيلما سينمائيا ليس إلا، جادت به مخيلة الأمريكي. الأمريكي الذي صور لنا ونحن صغار، أنه المنقذ للبشرية من أي هلاك مُتوقع لا قدر الله، لكن الواقع مخالف تماما لما نراه في السينما الهوليودية من حرب النجوم، فأمريكا ـ الأمة الضرورية كما تعتبر نفسها ـ وجدت نفسها أمام عدو لم يسبق لها مواجته من قبل، وصارت تقاتل من أجل البقاء…

لذلك دعك من مشاهدة السينما، وتعال نشاهد عن قرب حرب البقاء التي لم نطلع عليها قط .

كثيرا ما سمعنا عن “حرب البقاء” في الإعلام وفي مؤلفات أساتذة العلوم السياسية، ولكننا لم  نتحسسها إلا نظريا، عن طريق فلاسفة الفكر السياسي، مثل الانجليزي “هوبس” والايطالي”مكيافيلي” حينما تحدثوا عن تكوين طبيعة البشر ما قبل المجتمعات الإنسانية بمفهومها الحديث (المجتمع المدني/السياسي)، حيث يصفون لنا البشر قبل المجتمع السياسي بأنه كانت تسوده حرب البقاء؛ أي حرب “الكل ضد الكل” والبقاء(النصر) في النهاية يستحقه الأقوى

“حرب البقاء”، لم نلامس ما هيتها من قبل، ولم ندرك معناها الحقيقي، ولا ما تحمله من خطورة على البشر، رغم محاضرة الإعلام فيها وشرحها من طرف الأكاديميين للطلاب في المدرجات، وخطب قادة الجيوش في المعارك، وكلمات الزعماء في القصور،  إلا بعد أن صرنا وجها لوجه نتقاتل مع فيروس مجهول الهوية، لا نعرف عنه إلا الفتك بالأبرياء كلما وجد البيئة الخصبة لذلك، من أجل أن نستمر على قيد الحياة.

حرب البقاء، هي كباقي الحروب الأخرى… تدور رَحاهَا دائما حول البشر، باعتباره العنصر الأهم في الطبيعة حسب اعتقاده هو، لكن ما يميزها ـ أي حرب البقاء ـ هو أن البشرية كلها في مواجهة عدو غير بشري، قد يكون صناعي/حيواني، وهذا عكس الحروب التقليدية التي يكون فيها القتال بين جماعتين من البشر أو دولتين أو أكثر.

في حرب البقاء هاته، التي نعيشها اليوم، كل فرد فينا هو ملزم بالدفاع عن نفسه أو يفنى، عكس الحروب التقليدية، حيث يتكلف الجند بالقتال، في حين شخصيات المجتمع وذوي النفوذ… وكذا المواطن العادي، تجده جالسا على أريكته، واضعا رجلا على رجل، في يده “جهاز التحكم عن بعد”… يشاهد فيلم “حرب النجوم” ويستمتع بالمشاهد.

في حرب البقاء هاته، نواجه عدوا مجهولا، غير مرئي، قد يطعنك في ظهرك أو في بؤبؤ عينك دون أن تشعر بذلك في الوهلة الأولى، وقد لا تشعر به نهائيا إذا كانت مناعتك قوية… إنه عدو غريب.

عدو لا يشبه جيش نابليون، الذي دك أوربا وقصف مصر، ولا جيش هتلر الأسطوري الذي دخل عقر باريس، أو جيش اليابان الذي أفنته القنبلة النووية في لمح البصر…

هو عدو استثنائي، جعل البشر، الذي ظن نفسه أنه تجاوز كل العراقيل الطبيعية التي من شأنها أن تعيق حياته على سطح الأرض، وأصبح يبحث عن حياة اخرى في كوكب المريخ… جعله يعود إلى نقطة الصفر.

صرنا نأخذ دروسا في كيفية غسل اليدين، وأوقات تنظيف أجسامنا وما إلى غير ذلك من البديهيات التي رافقت البشر منذ بداياته الأولى، وظن لزمن طويل، أنه تجازوها بفعل التطور الحاصل.

حرب البقاء هاته، لا يكفي معها الهروب ولا الانسحاب ولا رفع الراية البيضاء دليلا على الاستسلام ولا الترجي للعدو من أجل يغفر لك، ولا حتى الغدر لتوقع به في إحدى الأزقة الضيقة..

لا حل ناجع قد ينفعك معه، ويبقى المكوث في المنزل إلى حد الساعة، حلا نسبيا لدرء هذا الوباء…

حتى وأنت مؤمن في منزلك عن هذا العدو، قد يصل إليك عن طريق أعز/ أحب الناس إليك، بقبلة وداع أو عناق شوق، دون أن تشعر أو يشعرون بذلك…

هكذا.. نجح كورونا في توحيد البشر، وجعلنا ندرك بأننا كلنا، مهما اختلفنا اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، دينيا… في سفينة واحدة.

إما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *