ابن بطوطة، رفاعة الطهطاوي، ماري ورتلي مونتاغير وجون ليود ستيفنز: نماذج لأشهر الرحالة 2 - Marayana - مرايانا
×
×

ابن بطوطة، رفاعة الطهطاوي، ماري ورتلي مونتاغير وجون ليود ستيفنز: نماذج لأشهر الرحالة 2\2الجزء الثاني

تعرفنا في الجزء الأول من هذا المقال على تعريف أدب الرحلات وعلى أهدافه. في هذا الجزء، الثاني والأخير، سنتعرف على نماذج لأشهر الرحالة. من العالم الإسلامي إلى خارج العالم الإسلامي …

تعرفنا في الجزء الأول من هذا المقال على تعريف أدب الرحلات وعلى أهدافه. في هذا الجزء، الثاني والأخير، سنتعرف على نماذج لأشهر الرحالة.

من العالم الإسلامي إلى خارج العالم الإسلامي والغرب

ابن بطوطة (1304 – 1368 أو 1369)، “رحالة مغربي صاحب كتاب “رحلة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” (1355)

ابن بطوطة

يعتبر ابن بطوطة الرحالة الوحيد في العصور الوسطى الذي زار كل بلاد الإسلام في عصره. كما سافر إلى سيلان (سريلانكا) والصين وبيزنطة وروسيا. وتقدر المسافة التي قطعها في أسفاره بأزيد من 75000 ميل، وهو رقم ربما لم يسبقه إليه أحد قبل عصر الطاقة البخارية.

كان الرحالة الشهير ابن بطوطة حريصا على “أنْ لا يتردّد على طريقٍ أكثر من مرة”. وقد سبق ماركو بولو بخمسين عاما للسفر على ظهور الدواب ومشيا على الأقدام وعلى متن القوارب، إلى مختلف البقاع، بما في ذلك منطقة غرب أفريقيا، حيث زار تمبكتو في مالي والنيجر.

تمكنت الليدي ماري ورتلي مونتاغيو في “رسائل السفارة التركية” من خلخلة الخطاب الاستشراقي السائد، حيث كسرت ثنائيات الشرق والغرب، والحداثة الغربية والعقل، والتخلف الشرقي واللاعقلانية

لم يكن اهتمامه يقتصر على الجغرافيا، بل كان حريصا على الوصف الدقيق للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ووضعية المرأة والمسائل الدينية. وعين قاضيا على دلهي، وقضى السنوات الثلاثة والعشرين الأخيرة من حياته قاضيا على فاس، بالمغرب، عاكفا على كتابة مؤلفه الشامل لأسفاره.

خرج ابن بطوطة في أولى رحلاته سنة 1325، حين كان في سن الحادية والعشرين. وقد كان خروجه لأداء فريضة الحج. امتدت أسفاره لنحو تسع وعشرين عاما، قاطعاً حوالي 75000 ميل لزيارة ما يعادل 44 دولة حديثة.

اقرأ أيضا: تاريخ الحج قبل الإسلام: بين القطيعة والاستمرارية (الجزء الأول)

واجه ابن بطوطة العديد من الأخطار وعاش الكثير من المغامرات في رحلاته، حيث تعرض لهجمات قطاع الطرق، وكاد يهلك في غرق سفينة بل كادت تقطع رأسه من قبل أحد الحكام الطغاة في أحد أسفاره!

في السنوات الأخيرة من حياة ابن بطوطة، أمره سلطان المغرب آنذاك أن يدون أسفاره في كتاب بمساعدة أحد الكتاب. ويمكننا اليوم قراءة ترجمات عديدة لكتاب رحلات ابن بطوطة؛ وهو عمل قيم يحمل وصفا دقيقا للأماكن، وقد ساهم في  فهمنا للعصور الوسطى.

رفاعة الطهطاوي (1801-1837)، عضو بعثة مصرية إلى فرنسا

رفاعة الطهطاوي

ولد الطهطاوي عام 1801 في طهطا، إحدى مدن محافظة سوهاج حاليا، في نفس السنة التي خرجت فيها القوات الفرنسية من مصر. وقد اختاره شيخه في الأزهر، حسن العطار، ليكون إماما لمجموعة من الطلاب أرسلهم محمد علي في بعثة علمية إلى باريس عام 1826.

مصر كانت قد أرسلت بعثات إلى أوروبا في بداية القرن 19 لدراسة الفنون والعلوم في الجامعات الأوروبية واكتساب المهارات الفنية مثل الطباعة وبناء السفن والتقنيات العسكرية الحديثة. وحسبما جاء في وصف رحلته إلى باريس (“تخليص الإبريز في تلخيص باريز” – 1834)، فقد درس الطهطاوي فلسفة الأخلاق والفلسفة الاجتماعية والسياسية والحساب والهندسة، واطلع على مؤلفات عدد من رموز عصر الأنوار مثل كونديلاك، وفولتير، وروسو، ومونتسكيوه، وبيزوت.

واجه ابن بطوطة العديد من الأخطار وعاش الكثير من المغامرات في رحلاته، حيث تعرض لهجمات قطاع الطرق، وكاد يهلك في غرق سفينة بل كادت تقطع رأسه من قبل أحد الحكام الطغاة في أحد أسفاره!

كان الطهطاوي كاتبا ومدرسا ومترجما وعارفا بالآثار المصرية ومثقفا من مثقفي النهضة. كما كان من أوائل المفكرين المصريين الذين كتبوا عن الثقافات الغربية في محاولة للتقريب بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية. وقد أنشأ “مدرسة الألسن” عام 1835 وكان له دور كبير في تطوير العلوم والقانون والأدب وعلم الآثار المصرية في مصر خلال القرن 19، وتأثرت بمؤلفاته كتابات عدد من المحدثين، بمن فيهم محمد عبده.

من الغرب إلى العالم الإسلامي

الليدي ماري ورتلي مونتاغيو

الليدي ماري ورتلي مونتاغيو (Lady Mary Wortley Montagu) (1689-1762)

اشتهرت الليدي ماري ورتلي مونتاغيو بالرسائل التي كتبتها خلال رحلاتها العديدة، والتي كانت لها أهمية بالنسبة لكاتبات الرحلة في العصور المتأخرة.

“رسائل السفارة التركية”: وهي رسائل تصف فيها حياتها باعتبارها زوجة سفير في تركيا، وتكمن أهميتها في كونها من الكتابات النسائية الأولى التي تناولت العالم الإسلامي.

بين عامي 1716 و1718، رافقت الليدي ماري ورتلي مونتاغيو زوجها خلال توليه منصب سفير لدى الإمبراطورية العثمانية، حيث سافرت برا عبر فيينا وجنوة وباريس. وتضم “رسائل السفارة التركية” مختارات من الرسائل التي كتبتها خلال مدة السفارة المذكورة، والتي كرست لها كل حياتها، رغم أنها لم تنشر إلا بعد وفاتها عام 1762.

اقرأ أيضا: ليلى أبو زيد وزينب فهمي: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب (الجزء الثالث)

أحد المعاصرين لليدي ماري ورتلي مونتاغيو قال عنها إنها “واحدة من ألمع وأروع الشخصيات في العالم”. فرسائلها المذكورة تحكي عن أسفارها عام 1716 عبر أوروبا إلى تركيا حيث عين زوجها سفيرا. فقد جاءت الرسائل ممتعة بفضل حيوية الليدي ماري التي أمدتنا بذكائها الفريد بأفكار شكلت استثناء في عصرها.

بفضل قدرة الليدي ماري على دراسة ثقافة أخرى انطلاقا من قيمها الخاصة وعلى رؤية نفسها بعيون الآخرين، فقد ظلت علما من أعلام كتاب الرحلة الأوائل.

كان ابن بطوطة حريصا على “أنْ لا يتردّد على طريقٍ أكثر من مرة”. وقد سبق ماركو بولو بخمسين عاما للسفر على ظهور الدواب ومشيا على الأقدام وعلى متن القوارب، إلى مختلف البقاع

بعدما مالت موازين القوة من الإمبراطورية العثمانية نحو أوروبا غداة معركة “ليبانتو” عام 1571، ورغم أوجه الشبه بين الشرق والغرب من حيث وضع المرأة المتخلف، فقد صار ينظر إلى المرأة “المحجبة” باعتبارها مظهرا صارخا من مظاهر “اللاعقلانية” في الإسلام. وبذلك، فلا غرو إن كان أدب الرحلة الذي ازدهر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يعج بالحكايات عن قهر “المحجبات” تلبية لفضول القراء التواقين إلى قصص تحكي عن الشرق وعوالمه “العجيبة”.

اقرأ أيضا: مليكة الفاسي وثريا السقاط: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب (الجزء الثاني)

كان لهذه الحكايات عن نساء الشرق، وهي “من وحي الخيال” في معظمها (حيث كانت أوساط الحريم ممنوعة على الرجال)، انعكاس في عدد من الكتابات مثل “وصف شامل ودقيق للحالة الراهنة للإمبراطورية العثمانية” لآرون هيل (Aaron Hill)، و”رحلة جديدة إلى الشرق” لجون ديمونت (Jean Dumont)، و”رحلات قديمة في الشرق” لجون كوفل (John Covel)، و”رحلة إلى الشرق” لروبرت هايوود (Robert Heywood).

اعتبارا لطبيعة هذه النصوص التي تميزت بنظرتها المتلصصة والساخطة في الآن نفسه، فقد حولت الأنظار عن الفوارق التي كانت سائدة بين الجنسين في الداخل، فقدمت الشرق كعالم يحتاج إلى من ينقذه، مما ساهم في بلورة صورة أوروبا حرة عادلة متحضرة وشكل دعما لدور الإمبراطورية. كما مكنت هذه المحكيات القارئ الرجل من عيش دور البطل، من جهة، وإشباع استيهاماته الجنسية ونزوعه إلى الهيمنة من جهة ثانية.

في هذا المشهد الذي تنزع فيه قميصها بشكل مثير ومستفز للقارئ، تسلط الكاتبة الضوء على النظام الاجتماعي الإنجليزي وتعقد مهمة القارئ المتعود على البطولة في النصوص الكولونيالية

ومع ذلك، فالليدي ماري ورتلي مونتاغيو، وهي من النساء الرحالة الأوائل اللائي جبن ربوع الإمبراطورية العثمانية، قد تصدت لمثل هذه الحكايات التلصصية حول المرأة التركية واستعبادها من خلال التأكيد على ضرورة تحرير النساء “المحجبات”. فقد تمكنت في “رسائل السفارة التركية” من خلخلة الخطاب الاستشراقي السائد، حيث كسرت ثنائيات الشرق والغرب، والحداثة الغربية والعقل، والتخلف الشرقي واللاعقلانية؛ وذلك على الأقل من خلال كشفها عن حقيقة المرأة “المحجبة”.

اقرأ أيضا: في الذكرى الثانية عشرة لوفاته.. “مرايانا” يتذكر أب الأدب العربي نجيب محفوظ!

في إطار هذا الوصف، لجأت الليدي ماري ورتلي مونتاغيو إلى التقليد السائد في قصص الرحلة إبان القرن الثامن عشر، والمتمثل في الإمعان في القصص الخيالية عن استغلال المرأة الشرقية واستعبادها وفي “التحسر على الحجز الممارس على النساء التركيات”، إلا أنها تحول نظرها بعد ذلك إلى جسدها المسجون.

تنقل الكاتبة في رسائلها مشهدا طريفا في الحمام العمومي، حيث أجبرت على التجرد من كل ملابسها بإلحاح من المستحمات التركيات اللائي تعودن على ذلك. في هذا المشهد الذي تنزع فيه قميصها بشكل مثير ومستفز للقارئ، تسلط الكاتبة الضوء على النظام الاجتماعي الإنجليزي وتعقد مهمة القارئ المتعود على البطولة في النصوص الكولونيالية. إن التعري بهذا الشكل لا يشير إلى حرية بلا قيود، بقدر ما يعكس نظاما اجتماعيا غربيا يحكم العلاقة بين الجنسين ويتخفى وراء خطاب العقلانية.

اعتبارا لطبيعة هذه النصوص التي تميزت بنظرتها المتلصصة والساخطة في الآن نفسه، فقد حولت الأنظار عن الفوارق التي كانت سائدة بين الجنسين في الداخل، فقدمت الشرق كعالم يحتاج إلى من ينقذه

وبذلك، فإن كتابة مونتاغيو عن تركيا تعاكس مُسلّمات النمط الكولونيالي السائد في أدب الرحلة في عصرها، والذي تميز بدعمه لبناء الإمبراطورية، وتفتح المجال لنقد النزعات الكولونيالية.

جون ليود ستيفنز (John Llyod Stephens) (1805-1852)

جون ليود ستيفنز

ولد الرحالة جون ليود ستيفنز في شروسبوري (Shrewsbury) ببلدة مونموث (Monmouth County)، بنيو جيرزي، في 28 نوفمبر 1805 وتوفي في مدينة نيويورك في 10 أكتوبر 1852. تخرج من جامعة كولومبيا في 1822، ومارس المحاماة بعدما درس القانون في كونيكتيكات  ونيويورك. وقد زاول هذه المهنة طيلة ثمان سنوات في نيويورك.

خلال هذه المدة، كان ينبري أحيانا خطيبا في اجتماعات الحزب الديمقراطي الذي كان من أشد مناصريه.

بسبب تدهور حالته الصحية، سافر إلى أوروبا عام 1834 طلبا للراحة والنقاهة، ووصل به الترحال إلى بعض أقطار آسيا وإفريقيا على طول الساحل المتوسطي. وقد كتب مجموعة من الرسائل يصف فيها رحلته منها “وقائع السفر في مصر، والجزيرة العربية البترائية والأرض المقدسة” (1837) و”وقائع السفر في بلاد الإغريق وتركيا وروسيا وبولندا” (1838).

اقرأ أيضا: ساكا في بلاد الذكورية السويدية

نشر جون ليود ستيفنز رسائله الأولى (وقائع السفر في مصر، والجزيرة العربية البترائية والأرض المقدسة) في مجلة “American Monthly Magazine” التي كان شارلز فينو هوفمان يترأس هيئتها التحريرية. بعد عودته إلى نيويورك سنة 1836، اكتشف أن تلك الرسائل قد لقيت إقبالا منقطع النظير من لدن قراء المجلة، مما دفع به إلى نشر “وقائع السفر في بلاد الإغريق وتركيا وروسيا وبولندا” في جزأين، في نيويورك عام 1937، والتي قدم فيها وصفا مفصلا لأسفاره.

*محمد اشتاتو أستاذ جامعي مغربي

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *