من نيويورك. هشام الرميلي يرثي الطفلة هبة: منكم الحريق ومنا المطر - Marayana - مرايانا
×
×

من نيويورك. هشام الرميلي يرثي الطفلة هبة: منكم الحريق ومنا المطر

سنظل هنا ونتذكر، كيف فَجًرْتم واستبحتم عرض الوطن، وكيف أنكم أنتم من سَيَّجْتُم سقفه، وحبستم هواءه، وكيف أنكم أنتم من أشعلتم الحريق.
لا يهم أن منكم الرصاص ومنا دمنا، ومنكم الحريق ومنا المطر، فلم يعد لدينا ما يرضيكم هنا…
نحن قررنا أن نحيا كما نشاء.

هشام الرميلي

بعد اليوم لا ينبغي للشمس أن تشرق مؤذنة بيوم جديد، ولا أن يرسل القمر ضوءه ليؤنس رفقة المحبين… وعندما يأتي المساء، نجوم الليل لن تُنثر..

أسقطوا كل الشهب والنيازك، وأطفئوا كل الأضواء… هذا الخراب لا يليق به إلا ظلام دامس مطبق…

لا تتركوا الخطيب يعتلي المنبر، اطردوا كل المصلين. عطلوا كل الأبواق… ألغوا كل المراسيم والأعياد… اقفلوا أبواب المدارس واحرقوا كل المكتبات…هذا الخراب جحيم وليل كئيب محدق.

بعد اليوم، لا يمكن أن نفرح… ولا أن نلقي تحايا الصباح… لا يمكن أن نشغل أغاني فيروز، ولا أن ننتشي بتقليب القهوة والسكر… لا يمكن أن نبعث برسائل الحب القصيرة، ونقرأ قصائد الشعراء، ولا أن نتهامس بيننا ضاحكين… في هذا الخراب لا يليق بنا أن نفرح…

هل كان لزاما أن تحترق “هبة” محاصرة بين شباك النافذة تلتهمها النيران الحمراء؟..

هل كان لزاما أن يقع ذلك ” لتعرفوا أنكم لن تعرفوا كيف نريد أن يبني حجر من أرضنا سقف السماء؟”…

أخلوا الشوارع والممرات، ولتقف عقارب الساعة المعلقة فوق برج المدينة، وتختفِ الأشجار… أبيدوا كل الورود والأزهار وامنعوا كل الصلوات، فالملائكة لن تحلق فوق رؤوسنا بعد الآن… لن توصل أصواتنا إلى السماء.

هكذا إذن يا أبناء القـ…بة المتكالبين على جثة هذا الوطن النافٍق، هذا ما كان ينقصنا في هذه البقعة الموبوءة القميئة ليكتمل مشهد الخراب… لم تكفكم صور البؤس والعذاب والآهات المرسلة، لم تكفكم كل تلك الفظاعات، لم نكن نحتاج سوى هاته الصورة الصادمة المدمرة، لتعرفوا كم كنتم قوادين حين بعتم أبناء الوطن…

إقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب : أيها القطار… Quo Vadis في مملكة الطوائف؟

هل كان لزاما أن تحترق “هبة” محاصرة بين شباك النافذة تلتهمها النيران الحمراء، في حين تتدلى أرجلها إلى الخارج، في مشهد كارثي أخرجه القدر الأحمق؟

هل كان لزاما أن يقع ذلك “لتعرفوا أنكم لن تعرفوا كيف نريد أن يبني حجر من أرضنا سقف السماء؟”…

أيها العابرون كالغبار المر… خدوا حصتكم من دمنا وانصرفوا…

وخدوا ما شئتم من سماء وهواء واتركونا نحصي عدد الجوعى والمحرومين والبائسين و نضمد ما نكأتموه من جراح.

اتركونا نرتق الجماجم والعظام… واتركونا ندخل الوطن غرفة الإنعاش لعله يعود…

ليته يعود..

يا أبناء القـ…بة… لا تعيشوا بيننا بعد الآن! خدوا حصتكم من أرضنا وسمائنا، وخدوا ما شئتم من ألبوم الصور، لكن لن تعيشوا بيننا فليس لكم في أرضنا قيد أنملة، ولا تموتوا بيننا فلن يكون لكم في أرضنا مقبرة.

بعد اليوم لا يمكن أن نفرح… ولا أن نلقي تحايا الصباح… لا يمكن أن نشغل أغاني فيروز، ولا أن ننتشي بتقليب القهوة والسكر… لا يمكن أن نبعث برسائل الحب القصيرة، ونقرأ قصائد الشعراء، ولا أن نتهامس بيننا ضاحكين… في هذا الخراب لا يليق بنا أن نفرح…

سنظل هنا ونتذكر، كيف فَجًرْتم واستبحتم عرض الوطن، وكيف أنكم أنتم من سَيَّجْتُم سقفه، وحبستم هواءه، وكيف أنكم أنتم من أشعلتم الحريق.

أخرجوا من أرضنا، من جلدنا، من تاريخنا، من أحلامنا، ومن كل ما نراه على امتداد البصر، اخرجوا من ذاكرة المغاربة، لا تتسللوا إلى أحلامنا، لا تصادروا أيامنا، لا تبيعوا آخر ما تبقى من ورد البساتين…

سنموت هنا ولا نهادن…

فلنا في هذه الأرض ما نعمل…

لنا ورد الشهداء…

وموسيقى البحر…

ولنا عودة النوارس إلى الشواطئ بعد الغياب…

لنا قبور هنا نحن نعرفها، ونعرف أنكم أنتم من قتلتم…

إقرأ أيضا: بمناسبة عيد العمال واحتفاء بالعاملات المغربيات في حقول التوت بإسبانيا. من نيويورك، هشام الرميلي يكتب: شجرة الدم

نحن أربعون مليون مستحيل…

فينا ما ليس فيكم…

ولنا ما ليس لديكم…

لنا الأرض والذكرى

ولنا أسماء العاشقين.

لا يهم أن منكم الرصاص ومنا دمنا، ومنكم الحريق ومنا المطر…

فلم يعد لدينا ما يرضيكم هنا…

نحن قررنا أن نحيا كما نشاء.

 

# تنويه:

مرايانا قررت عدم نشر أية صورة لها علاقة بمأساة احتراق الطفلة هبة، احتراما لهبة، لأسرتها، ولبعض معاني القانون والإنسانية… في انتظار تحرك الهيآت الصحافية “الكثيرة” بالمغرب، للتعامل مع جريمة نشر صور هبة ومشاهد احتراقها باسم مهنة احترقت كل أبجدياتها مع الفقيدة هبة.  

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *