مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج (الجزء الثالث) - Marayana - مرايانا
×
×

مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج (الجزء الثالث)

نتابع في هذا الجزء مشاهد أخرى من مغرب القرن الـ18، كما وردت في مذكرات ماريا: “اثنتا عشرة سنة من الاستعباد”.

بعدما تابعنا في الجزء الثاني حكاية مباركة السلطان عبد الله بن اسماعيل لزواج ماريا برئيس معشر الأسرى الهولنديين، نتابع في هذا الجزء مشاهد أخرى من مغرب القرن الـ18، كما وردت في مذكرات ماريا: “اثنتا عشرة سنة من الاستعباد”.

بعد زواج ماريا، سكنت وزوجها لدى أحد البشاوات في مدينة مكناس، إلى أن حل صباح الـ28 من أكتوبر 1733. بينما كان هؤلاء ينتظرون أمام القصر الملكي كما جرت العادة، أجلس السلطان الباشا المذكور أمامه وأمر رجاله بتهشيم رأسه.

استولى السلطان على بيت الباشا وأثاثه، بما في ذلك عبيده النصارى، وطرد نساءه عاريات تماما إلى الشارع؛ وانتهى الأمر، آخر السنة، بزوج ماريا في الخدمة الملكية، وهو عمل دائما ما كان يعرضه لخطر فقدان حياته.

اقرأ أيضا: موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: إمارة المؤمنين، حكاية البدايات..

لكن ماريا، بشجاعتها المعهودة، قررت أن تذهب إلى السلطان ليعفي زوجها من خدمته… بعد حيل عديدة، تمكنت ذات يوم من الوصول إلى مسجد صلى فيه صلاة الجمعة. اقتربت منه ووقفت وسط الطريق حتى يراها ولا يطردها حرسه، ثم سجدت وصرخت: “الله يبارك في عمر سيدي”.

جرت العادة، تحكي ماريا، أن يتولى السلطان بنفسه نحر كبش الأضحية على تلّ خارج المدينة، وكان ينبغي أن يظل الكبش حيا حتى يصل إلى القصر، فإذا مات في الطريق، أنذر ذلك بأن السلطان لن يستمر مدة أطول في الحكم.

تحكي ماريا أنها قبلت الأرض حتى علق التراب بوجهها، وذلك كما جرت العادة حين يتم المثول أمام السلطان.

حين رأى الأخير ذلك، عاملها بلطف وأرسل رجلين يسألانها ماذا تريد، فأجابتهما بأنها ترغب في التحدث إليه شخصيا وأنها لا تريد أن تكشف لهما عما ترغب فيه.

وفيما نفد صبرها في انتظار عما سيسألها عنه السلطان، اقتادها الرجلان حينذاك أمامه، وقبل أن يتحدث صرخت بكامل قواها:

“الله يبارك في عمر سيدي. ليس لي سواك. سيدي، أتوسل إليك أن تعيد لي زوجي. ليس لي من يعيلني غيره في كسب قوت يومي أنا وطفلي”.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: طريد ميسور الذي حاول قتل الملك

ضحك السلطان لشجاعتها ومن صرخاتها الصاخبة، وقال لها: “هل أنت تلك المرأة التي زوجتها؟”.

أجابت: “أجل. الله يبارك في عمري سيدي. وهبني الله زوجا طيبا”.

فشملها السلطان بعناية كبيرة، وتحدث إلى باشواته قائلا:

“أليس هو ذلك النصراني الذي أعطيته لذلك الباشا؟ اذهبوا للبحث عنه وسلموا هذه إلى النصراني الذي يحرس خزينتي، وأمروه أن يوفر لها منزلا وأن يقدم لها ما تأكل، ووفروا لزوجها عملا حتى يتمكن من توفير قوت يومها هي وابنها”.

وذلك ما كان.

في عهد السلطان علي الأعرج بن اسماعيل

الـ12 من غشت 1734… كان يوم عيد أضحى، وكانت نبوءة بسلطان جديد.

جرت العادة، تحكي ماريا، أن يتولى السلطان بنفسه نحر كبش الأضحية على تلّ خارج المدينة، وكان ينبغي أن يظل الكبش حيا حتى يصل إلى القصر، فإذا مات في الطريق، أنذر ذلك بأن السلطان لن يستمر مدة أطول في الحكم.

يوضع الكبش فوق بغلة سريعة الهرولة كي تحمله بأقصى سرعة إلى القصر، لكن البغلة يوم ذاك، عثرت في طريقها، حتى أن كبار الدولة حين لاحظوا ذلك، طأطؤوا رؤوسهم، إذ تنبؤوا بأن نهاية حكم السلطان وشيكة جدا.

وذاك ما حصل فعلا، إذ أن السلطان مولاي عبد الله بن اسماعيل خلع عدة مرات عن العرش.

اقرأ أيضا: “المخزن”… بين هاجس الاستمرارية والواقع التاريخي الجديد (الجزء الرابع والأخير)

تحققت النبوءة وتم تنصيب مولاي علي الملقب بـ”الأعرج” سلطانا، وقد كان حينها في تافيلالت، وتصفه ماريا بـ”الطاغية الممقوت من قبل النصارى والمغاربة”.

كانت ماريا جد سعيدة لدى سيدتها؛ أخت السلطان. لكن أصغر إخوة الأخير، كان أسوأ ما في القصر؛ إذ أنه، كما تحكي، كان يرعبها ويضع دائما سكينا على صدرها ويقول لها: “ادخلي الإسلام وإلا سيخترق السكين صدرك”.

عانت ماريا بعد ذلك من مضايقات أخ السلطان الجديد، ومن حاكم المدينة، اللذين لم يكونا يتوانيان يوميا في التسبب لها في كثير من المشاكل، كإجبارها على دفع رسوم البيت الذي منحها إياه السلطان المعزول.

لم يضربها أحد، لكن زوجها حين أعلم الحاكم بأنه أدى مستحقات عدة شهور مقدما، سبه ونعته بالكافر وبالبهيمة ذات القرون، كما وأشبعه ضربا بالعصا، تحكي ماريا التي تدخلت وهددته بتقديم شكوى ضده لدى السلطان.

اقرأ أيضا: علي اليوسفي: الجذور التاريخية للحجاب

واستمرارا على نهج الشجاعة الذي تقدم به نفسها في مذكراتها، فإن ماريا ذهبت إلى قصر السلطان لتشكي حاكم المدينة…

عندما كانت واقفة عند بابه؛ أي القصر، جاء أسير من فرنسا في الوقت ذاته إلى السلطان، وعلى بعد خطوات، أمر الأخير رجاله قائلا: “ماذا يريد هذا الكافر؟ اذهبوا واشتموا ما إذا كان مخمورا”.

وهل يتجرؤون على قول شيء آخر سوى: “لقد شرب الكحول. فاحت منه رائحة ماء الحياة”؟ تقول ماريا: “لم يكلف الملك نفسه عناء أن يسأل لماذا جاء ذلك النصراني إليه، وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا”.

روع المشهد ماريا فهربت بعيدا نحو المدينة حتى لا يأتي دورها، وحين علم زوجها بذلك لم يُبدِ أي استغراب سوى الخوف من ثقتها الزائدة.

كان السلطان علي مستبدا كبيرا داخل قصره على حد تعبير ماريا، إذ أعدم عددا لا يستهان به من النصارى ودفنهم تحت شجرات الزيتون.

أما أهم ما استرعى انتباه ماريا في فترة السلطان علي الذي تولى 19 شهرا، أنه قام فيها بقتل 5 نصارى أبرياء، بل وسدد نحو واحد منهم 120 رصاصة.

اقرأ أيضا: هذا أصل حكاية الثامن من مارس/آذار… يوم المرأة العالمي!

مع ذلك، كانت ماريا جد سعيدة لدى سيدتها؛ أخت السلطان. لكن أصغر إخوة الأخير، كان أسوأ ما في القصر؛ إذ أنه، كما تحكي، كان يرعبها ويضع دائما سكينا على صدرها ويقول لها: “ادخلي الإسلام وإلا سيخترق السكين صدرك”.

كان النصارى، تقول ماريا، أقل شأنا من اليهود، ولكي نفهم ذلك جيدا، علينا أن نعرف فقط، أن اليهودي كان… “أقل شأنا من الكلب”.

لذا كان عليهم جميعا… أن يتحملوا أشكال الأذى كلها، بل وأن يدفعوا هبات وهدايا حتى يأمنوا. فما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الرابع من حكاية ماريا.

لقراءة الجزء الأول: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية (الجزء الأول)

لقراءة الجزء الثاني: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: في قصر السلطان عبد الله بن إسماعيل… (الجزء الثاني)

لقراءة الجزء الرابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: ماريا ورفاقها على أعتاب الحرية… لكن! (الجزء الرابع)

لقراءة الجزء الخامس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية علي الأعرج. تنصيب 4 سلاطين في نصف يوم (الجزء الخامس)

لقراءة الجزء السادس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: مجاعة 1738/1737 (الجزء السادس)

لقراءة الجزء السابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صار لماريا حظوة لدى السلطان… فهل سيفرج عنها؟ (الجزء السابع)

لقراءة الجزء الثامن: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: تصدع شمل الأسرى الهولنديين والعودة إلى الاستعباد (الجزء الثامن)

لقراءة الجزء التاسع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صراع السلاطين (الجزء التاسع)

لقراءة الجزء العاشر والأخير: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية 12 عاما من الاستعباد (الجزء العاشر والأخير)

تعليقات

  1. balizu abdelilah

    j ai li l histoire de cette prisonniere holandaise dans le livre d historien idriss abou idriss un livre tres interessant

  2. خالد

    كنت سعيدا بمتابعة هده القصة لكني اجدها كادبة في الكتير من المحطات
    لدا ساتوقف على متابعتها

اترك رداً على خالد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *