فكرة “الشيطان” في المسيحية 3 - Marayana - مرايانا
×
×

فكرة “الشيطان” في المسيحية 3\4هكذا تطورت فكرة "الشيطان" لدى الإنسان وتطورت حضارة بعد حضارة ودينا بعد دين (الجزء الثالث)

تطرقنا في الجزء الأول من هذا الملف إلى مفهوم “الشيطان” عند الإنسان الأول، أي قبل ظهور الديانات الكتابية. ثم عرفنا في الجزء الثاني أن الشيطان كان في الكتب العبرية أو …

تطرقنا في الجزء الأول من هذا الملف إلى مفهوم “الشيطان” عند الإنسان الأول، أي قبل ظهور الديانات الكتابية. ثم عرفنا في الجزء الثاني أن الشيطان كان في الكتب العبرية أو اليهودية، واحدا من الملائكة المغضوب عليهم أو واحدا من الأرواح المتمردة، فلم يعرف إلا بما سمع من أوصافه، شأنه في ذلك شأن الشخصيات التاريخية التي تعرف بما سمع عنها.

يقول عباس محمود العقاد في كتابه “إبليس.. بحث في تاريخ الخير والشر وتمييز الإنسان بينهما من مطلع التاريخ إلى اليوم” الذي أشرنا إليه في الجزء الأول من هذا الملف، إن الضرر والشر كانا مترادفين في الديانة العبرية؛ وأن مجيء المسيحية، شكل لحظة فارقة في التفريق بينهما.

ورد الشيطان بأسماء متعددة فيما روته الأناجيل من أقوال المسيح أو أقوال المتحدثين إليه، فذكر باسم الشيطان واسم “روح الضعف”، واسم الشرير، واسم رئيس هذا العالم، واسم “بعل زبول”، وقيل عن “بعل زبول” هذا، إنه رئيس الشياطين.

المسيحية لاحقا هي التي فرقت بين الضرر الذي هو نقيض السلامة والأمان والمنفعة، والشر الذي هو نقيض الخير والفضيلة والصلاح. على هذا الأساس، فإن المسيحية هي التي فرقت بين مثال الضرر في الحيّة، ومثال الشر في الروح الخبيث الذي ينفث سمومه في القلب، ولا يضر الإنسان إلا إذا لمس أشرف خصاله.

رسالة المسيحية، كما ينبغي أن تفهم إذن، هي التي بشرت بملكوت الله؛ واعتبرت أن كل تعظيم لسيادة الشيطان، إنما يدخل في نطاق تهوين العالم الذي يسوده، مقابل تقديس الملكوت الإلهي الذي يرجوه المساكين.

هذه الرسالة، وفق العقاد، جاءت في جانب الإنسان المغلوب، إذ لم يُوسم الشيطان بالسيادة على العالم تعظيما له، لكنْ تهوينا من شأن العالم ومطامعه وشهواته. ومن ثم، فإن الحرية أساسا، هي هدم سيادة سلطانه والتغلب على الخطيئة في معقلها.

اقرأ أيضا: “حسين الوادعي يكتب: ابن رشد مفكرا تنويريا علمانيا في الديانات الثلاث”

ذكر الشيطان في العهد الجديد

المرجع الأكبر للمسيحية هو “العهد الجديد” الذي تتفق الكنائس في اعتماده بخصوص العقائد الجوهرية. “العهد الجديد” ينقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها الأناجيل وثانيها أقوال الرسل وثالثها أقوال الصحابة والرواة المتصلين بالرسل.

ضمن هذه المراجع، ترد أول إشارة إلى تسمية الحيّة بالشيطان، كما جاء في الإصحاح 12 من أعمال الرسل: “التنين العظيم، الحية القديمة، المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم…”.

حين تقرر دور الشيطان، صار كل صنيع يوصف بالشر من عمله دون حاجة إلى روايات السماع، وكل خطيئة أو غواية أو ضلالة أو عاقبة محذورة، تنسب إليه بحكم البداهة.

ونقرأ في رسالة يوحنا الأولى أيضا على سبيل المثال: “من يفعل الخطيئة فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، ولأجل هذا ظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس”.

الحقيقة أن الشيطان ورد بأسماء متعددة فيما روته الأناجيل من أقوال المسيح أو أقوال المتحدثين إليه، فذكر باسم الشيطان واسم “روح الضعف”، واسم الشرير، واسم رئيس هذا العالم، واسم “بعل زبول”، وقيل عن “بعل زبول” هذا، إنه رئيس الشياطين.

الأناجيل تذكر عدة أخبار لمجانين شافاهم المسيح، إذ تؤكد أنهم صرعى الشياطين. من هذه الأخبار، ما ورد في الإصحاح 13 من إنجيل لوقا عن امرأة مصابة قيل إنه “كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة، وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة، فلما رآها يسوع دعاها وقال لها: يا امرأة! إنك محلولة من ضعفك…”.

اقرأ أيضا: “داعش المسيحية”

حينما أصبح للشيطان دور معلوم

يرى عباس محمود العقاد في كتابه، أن الفرق في أوصاف الشيطان بين الأناجيل وما تلاها، فرق بين الأوصاف السماعية والأوصاف القياسية أو العقلية، أما الشيطان الذي تقرر له دور معلوم أمام الله، فلا يتوقف العلم بأوصافه على السماع.

هكذا، يجوز للمفكر أن ينسب إليه كل ما يقتضيه ذلك الدور من الألوان والملامح والخصائص والتبعات، يقول العقاد، ويجوز له كذلك أن ينسب إليه مصيره المقدر بعد أزمنة طويلة إلى نهاية العالم.

تنبغي الإشارة إلى أن المسيحيين الأوائل قد استرسلوا في حديث الحية؛ لكونهم قد وجدوا فيها أصلح صورة لتمثل الشيطان في الحس، لكنهم بالغوا في تشويهها عن العبريين، وتعظيم ضررها.

دور الشيطان إذن قد تقرر، وتقرر سلطانه على الشر وعلى العالم الأرضي، في مقابل العالم الإلهي في السماء. من هنا، صار كل صنيع يوصف بالشر من عمل الشيطان دون حاجة إلى روايات السماع، وكل خطيئة أو غواية أو ضلالة أو عاقبة محذورة، تنسب إليه بحكم البداهة.

أما أن الفقهاء السابقين في صدر المسيحية يذكرون الشيطان بصفات لم ترد في الأناجيل ولا في كتب العهد القديم، فإنما يذكرونه بالصفات التي تعد في حكم طبيعته المميزة أو في حكم دوره المعلوم، وهو الدور المقابل للخير والحق وصدق النية.

بالعودة إلى ما ورد في بداية هذا الجزء من فارق بين الضرر والشر، فينبغي أن نلاحظ هنا، دائما وفق العقاد، النقلة الواسعة التي حصلت في تطور الأخلاق ومقاييسها، بين أوائل العقائد العبرية وبين العقائد التي شاعت في القرن الأول للميلاد.

هكذا، ما زال الضرر والشر يتشابهان، حتى وجب عقلا أن يكون الشيطان وراء الحية في غواية آدم وحواء، وحتى وجد الإنسان في فكرة الضمير الإنساني فارقا واسعا بين الخوف من لدغة الحية الماكرة ودسيسة الشهوة والعصيان.

اقرأ أيضا: “هؤلاء 10 من أشهر شعراء العرب… يهود ومسيحيون في زمن الجاهلية! 2/1”

بين المتخيل واللاهوت

تنبغي الإشارة هنا إلى أن المسيحيين الأوائل قد استرسلوا في حديث الحية؛ لكونهم قد وجدوا فيها أصلح صورة لتمثل الشيطان في الحس، لكنهم بالغوا في تشويهها عن العبريين، وتعظيم ضررها؛ فقد أصبحت لديهم تنينا لا يشابه الحية المعهودة، له رأسان وأرجل وأجنحة ولسان يندلع بالنار.

يمكن أن نستشف ذلك من خلال الرؤى المقدمة في اللوحات التشكيلية عن الشيطان، والتي صُوّرت بعد انتشار المسيحية واشتداد عودها؛ إذ صور الفنانون الشيطان تنينا ثم تطور الأمر إلى شيطان تنين لكن برأس إنسان ذي قرنين.

اجتهد فقهاء المسيحية في وصف الشيطان وأفاعيله وبحث مغزى وجوده وتقدير نهايته وكيفية النفاذ منه.

هكذا، كلما تقدم اللاهوت في وصف طبيعة الشيطان، غابت ملامح الحية والتنين وحلت مكانها ملامح إنسان خبيث الطلعة، يعمل الفن ما في وسعه، ليودعه دلائل الشر التي تغني عن استعارة شبه الشر من الحيوانات.

أما بخصوص تقدم اللاهوت، فقد أفاض رجال الدين في شرح صورة الشيطان واجتهد كل منهم حسب علمه واطلاعه في تطبيقها على الطبيعة المفروضة للشيطان.

يعتبر ترتوليان المتوفى سنة 230 للميلاد، أوفر الفقهاء المتقدمين مشاركة في وصف الطبيعة الشيطانية، وإسناد الأفعال والنيات التي تلائمها إلى الشيطان وأجناده على حسب درجاتهم.

عند ترتوليان، الشيطان الأكبر يرصد شيطانا من جنوده لكل إنسان من بني آدم وحواء، فيتعقبه ويتسلل إلى مخادع نفسه على غفلة منه، أو بعلمه واختياره. لكن المسيحي المؤمن بقدرة المسيح، يستطيع أن ينفذ منه إذا صدقت نيته في طلب الخلاص.

ثم، بين القرنين الرابع والخامس للميلاد، نجد القديس أوغسطين يقول إن الشيطان خلق للخير ولكنه أشقى نفسه بحسده وكبريائه فأنزله الله من سماء الأثير الصافي إلى هواء الأرض الكثيف.

عموما، بعد ذلك اجتهد فقهاء المسيحية في وصف الشيطان وأفاعيله وبحث مغزى وجوده وتقدير نهايته وكيفية النفاذ منه… إلى أن جاء الإسلام، فظهر تصور آخر لمغزى وجود الشيطان، سنتعرف إليه في الجزء القادم من هذا الملف.

في الجزء الرابع والأخير، نخطو خطوة أخرى أكثر تقدما في طريق معرفة تبلور مفهوم “الشيطان” في التاريخ الإنساني، وهذه المرة مع التصور الجديد الذي أضفاه الإسلام عليه.

لقراءة الجزء الأول: “هكذا نشأت فكرة “الشيطان” لدى الإنسان الأول وتطورت حضارة بعد حضارة ودينا بعد دين 1\4″

لقراءة الجزء الثاني: “فكرة “الشيطان” في اليهودية 4/2″

لقراءة الجزء الرابع: “فكرة “الشيطان” في الإسلام 4\4″

تعليقات

  1. جمعان عبدالله علي

    جميل جدا

اترك رداً على جمعان عبدالله علي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *