“الفلسفة في الزنقة”… أو المنطق في حالة سكر! - Marayana - مرايانا
×
×

“الفلسفة في الزنقة”… أو المنطق في حالة سكر!

أحيانا… مع كل حالة التعود والألفة، مع كل الحرص… كل الاستعداد والجاهزية، الفطري منها والمكتسب… لا زالت الدولة في بلدي، تدهشنا، تفاجؤنا. الدولة التي لم تعرف من أطلق مسيرة ولد …

أحيانا…

مع كل حالة التعود والألفة،

مع كل الحرص… كل الاستعداد والجاهزية، الفطري منها والمكتسب…

لا زالت الدولة في بلدي، تدهشنا، تفاجؤنا.

الدولة التي لم تعرف من أطلق مسيرة ولد زروال، ولم تعرف من أين جاء شعب ولد زروال… ولم تعرف زروال نفسه…

الدولة التي لم تعرف قط، كيف تم تهريب ما يفوق 41 مليار دولار أمريكي منها، بين 2004 و2013…

… هي نفسها الدولة التي اكتشفت أن الفلسفة، خطر.

بلد يدين أنس العلمي، المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، بسنة سجنا نافذا (فقط لا غير)، بعد اتهامه بكثير من الجرائم، من بينها “تكوين عصابة إجرامية، تبديد أموال عمومية، والتزوير في وثائق رسمية، والنصب والاحتيال”… هو بلد لا يحتاج لسؤال

… هو بلد لا يحتاج لفلسفة،لا يحتاج لمنطق، لا يحتاج ليونس بنخديم.… هو بلد يحتاج للأولياء والصالحين ولدعوات الزوايا والمريدين…ولمسيرة ولد زروال

الدولة التي تمنح المال العام للطرق الصوفية ومريدي الأضرحة (الذين لا مشكل لنا معهم غير المال العام)، هي نفسها الدولة التي … قررت أن تطارد “الفلسفة في الزنقة”.

نعم…

اكتشفت الدولة عندنا، أن هناك شبابا مغربيا أدمن لغة العقل، وقرر “توزيع مخدر” المنطق في الطرقات، فاتخذت قرارها الطارئ بـ… محاربة هذه الآفة/ الممنوعات.

اكتشفت الدولة عندنا، أن هناك “خلية يقظة”، في بلد، يصحو كل صباح على خبر “خلايا نائمة”، فأزعجتها تلك… اليقظة.

“خلية يقظة”، اكتشفت الدولة عندنا… أن أميرها، يدعو الناس إلى استعمال قوة المنطق، وأحزمة السؤال المتفجرة، وأنه بايع أمراء العقل… فداهمته، قبل أن ينفجر فيها وفينا.

… نعم، ففي بلد يحب الأجوبة الجاهزة، والتهم الجاهزة، والأحزاب الجاهزة… تكون الفلسفة تهمة، أما إذا مورست الفلسفة في الشارع العام، فهي بالتأكيد عبوة.

عبوة… يمكن أن تنفجر فينا في أي وقت.

اقرأ أيضا: السلطة وإعدام الكتب في التاريخ الإسلامي… حكايات مروعة 3/2

لأجل ذلك… تحركت الدولة بسرعة، وأبطلت مفعول العبوة، وفرقت شمل الفلسفة، وشمل الشارع العام… وشمل ما تبقى من منطق في هذه البلاد.

في أقل من لحظة من تاريخ بلد… كانت صورتنا أمام العالم كالتالي:

الإفراج عن بيدوفيل كويتي اغتصب طفلة في الــ 14 من عمرها بمراكش، بكفالة 30 ألف درهم،

متابعة مدونين وشباب مغاربة عبروا عن آرائهم في الفضاءات الافتراضية،

متابعة شبكة ابتزاز اسمها “حمزة بيبيهم”،

اعتقال خلايا إرهابية بالمغرب …. واعتقال شباب مغاربة ينظمون احتفالية اسمها “الفلسفة في الزنقة”!.

… زعما بيني وبينكم، اللي قرا هاد العناوين، غايقول ببساطة… “هاد البلاد فيها شي كور سيركوي خايب”.

قبل أيام قليلة مضت، اعتقلت السلطات المغربية ــ وهي في كامل قواها العقلية على ما يبدو ــ كلا من يونس بنخديم ونبيل بلكبير، بساحة البريد بشارع محمد الخامس بالرباط.

السلطات المغربية اعتقلت المشتبه بهما… بعد أن ضبطتهما متلبسين بممارسة الفلسفة في الشارع العام، أثناء تنظيمهما احتفالية منطق اسمها… “الفلسفة في الزنقة”، وبعد أن فرقت “فلول” المشاركين في ذات النشاط..

اكتشفت الدولة عندنا، أن هناك “خلية يقظة”، في بلد، يصحو كل صباح على خبر “خلايا نائمة”، فأزعجتها تلك… اليقظة.

“خلية يقظة”، اكتشفت الدولة عندنا… أن أميرها، يدعو الناس إلى استعمال قوة المنطق، وأحزمة السؤال المتفجرة، وأنه بايع أمراء العقل… فداهمته، قبل أن ينفجر فيها وفينا.

بعدها… أطلقت ذات السلطات سراح نبيل بلكبير، واحتفظت بيونس بنخديم قيد الاعتقال (بعد أن تم اعتقاله قبلها أيضا بمدينة أكادير)، لتقرر متابعته في حالة سراح…

المثير في الحكاية هنا، هو التهمة…

التهمة التي وجهتها السلطات المغربية ليونس بنخديم، لا علاقة لها بالفلسفة، وبالتالي… لا علاقة لها بالمنطق!

التهمة ببساطة… هي السكر العلني.

زعما… دولة جاية محيحة على ناس دايرين الفلسفة في الشارع، فجأة… قلباتها معاهم طاسة؟

أتصور الآن… يونس بنخديم أمام المحققين.

أقصد … أحاول أن أتخيله.

أحاول أن أتخيل عاشق فلسفة، أمام محققين. أحاول أن أتخيل رجلا يبحث عن الأسئلة، وهم يدعونه لإيجاد أجوبة. ألم يقل “كلود ليفي ستروس” ما معناه، إن الفيلسوف، ليس هو من يقدم الأجوبة الحقيقية، ولكنه … هو من يطرح الأسئلة الجيدة!

اقرأ لنفس الكاتب: الرعايا والرعاع. حين يختلف اللصوص… ولا يظهر المسروق

أي سؤال يمكن ليونس أن يجيب به المحققين؟

طيب…

في بلد، اعتقل فيه المدونون

والمحتجون

وأبناء الريف الغاضبين

وغاضبو جرادة

وعشاق الفلسفة…

بلد كهذا… يحتاج فعلا سؤالا جيدا؟

لا أعتقد…

بلد يدين أنس العلمي، المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، بسنة سجنا نافذا (فقط لا غير)، بعد اتهامه بكثير من الجرائم، من بينها “تكوين عصابة إجرامية، تبديد أموال عمومية… والتزوير في وثائق رسمية، والنصب والاحتيال”… هو بلد لا يحتاج لسؤال

… هو بلد لا يحتاج لفلسفة.

ولا يحتاج لمنطق

ولا يحتاج ليونس بنخديم.

… هو بلد يحتاج للأولياء والصالحين…

ولدعوات الزوايا والمريدين

ولمسيرة ولد زروال

هو فعلا بلد… لا يحتاج أرق السؤال…

يحتاج فقط…. للكرامات.

… وهذا بعض من كلام

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *