سياسة التعليم بالباذنجان - Marayana - مرايانا
×
×

سياسة التعليم بالباذنجان

معروف عن الباذنجان أنه أكلة لذيذة.. متعددة طرق التفنن في طبخها من سلق وقلي وطهي مع الخضر، لكنه أيضا أكلة لا تكلف كثيرا ماديا وفي طريقة إعدادها… مناسبة ربط الباذنجان …

محمد علي لعموري

معروف عن الباذنجان أنه أكلة لذيذة.. متعددة طرق التفنن في طبخها من سلق وقلي وطهي مع الخضر، لكنه أيضا أكلة لا تكلف كثيرا ماديا وفي طريقة إعدادها…
مناسبة ربط الباذنجان بالموضوع الذي نود الخوض فيه، أن واضعي المناهج التربوية والساهرين على تغيير المقررات في بلادنا ليس لديهم تصور حداثي لإنقاذ التعليم عندنا من حالة الكساد والتدني الذي يعاني منه هذا القطاع، وهم فيما يجتهدون فيه من وسائل تبسيطية، يساهمون بقصد أو بدونه في القضاء على ما تبقى من أمل في إمكانية النهوض بالتعليم وحل إشكاليته.

اقرأ أيضا: أمبرطو إيكو، عيوش، الكلاب والحمار… بالدارجة الفصحى!!

لذلك، حين كثر اللغط حول إقحام الدارجة في المقررات وتجند المدافعون عن اللغة العربية ليردوا على من يدعي تسهيل التعليم بالدارجة أو اللغة العامية، سقطنا في بؤرة الأدلجة التي حولت النقاش من مستواه العلمي الأكاديمي، حول مآلات السياسة الجديدة التي تروم الوزارة الوصية على قطاع التعليم تطبيقها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودخلنا نفقا من الانقسام إلى فسطاطين؛ أحدهما يعتبر نفسه حداثيا يتزعمه رجل أعمال وراءه نخبة فرونكوفونية تعادي العربية الفصحى من باب الجهل بها وبدورها التثقيفي والتعلمي، ذي الأساس المعياري الذي يقتفي أثره كل من يدافع عن اللغة الرسمية للبلد الذي تنتمي إليه في جميع بلاد الدنيا؛ والآخر أغلب المجندين فيه من الحانقين المعادين لأصحاب الدعوى الأولى من إسلاميين وعامة الناس وقليل من أهل الاختصاص اللغوي الذين عبروا عن اشمئزازهم من هذه الدعوى الإيديولوجية التي تقسم المغاربة ولا توحد بينهم…

اللغة ما هي إلا وعاء تعبر بواسطته كل حضارة وثقافة عن مستوى وجودها بين الحضارات والثقافات، والعيب ليس في لغة حية متطورة أو بإمكانها التطور لنهجر الإهتمام بها، بل العيب يوجد في الذات المعطوبة.

طبعا، لا يسعنا سوى أن نشجب كل ما صدر عن أجنحة التيار الإسلامي الذين لهم جيش شبابي مدرب على التعبئة والتجييش على منصات مواقع التواصل الاجتماعي ضد من يعادون؛ وقد فعلوا ذلك أيام الأوج في مقاطعة بعض المنتوجات؛ ويفعلونها اليوم باسم الدفاع عن اللغة العربية ضد نور الدين عيوش صاحب دعوى التدريس باللغة الدارجة، حين وصفوه بأقدح النعوت المعيبة لشخصه مثل: “الديوث”!! “الصهيوني”!! “المحرض على الانحلال الخلقي”، نكاية به حين دعا إلى تدريس التربية الجنسية، وهذا موضوع مستقل نعود إليه لاحقا.

إقرأ أيضا: الفرنسية والإنجليزية في التعليم المغربي: هيمنة اللغة… لغة الهيمنة؟

نشجب إذن تلك التهجمات، لأنها حولت النقاش الهادئ والعلمي إلى تأليب مغرض ضد شخص بعينه، والحال أن من يجب توجيه أصابع النقد والتقريع له، ليس شخص عيوش بل المنظومة التربوية التي أخرجت لنا منتوجا تعليميا أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه يتسم بالضحالة والفقر المعرفي والتحريض على اللغط الإيديولوجي غير المرغوب فيه.
حين نسرح بالنقاش بعيدا عن جدواه البيداغوجي والمعرفي، نكون أمام ميوعة وفوضى عارمة، تجند لإذكائها بعض المحرضين، وانساق وراء فكرويتها الضيقة عامة الناس الناقمين من وضعية التعليم في المغرب. هذا الأمر من شأنه أن يسهم في تكريس اليأس في نفوس أولياء الأمور، ويخلق لديهم الانطباع بأن تعليم أبنائهم في خطر ماحق، وهذا من شأنه خلق جو من عدم الثقة بين التلاميذ وهيئة التدريس من جهة، وبين أولياء الأمور والمؤسسات التعليمية من جهة ثانية. هذ المؤسسات التي، للأسف، لم نعد نقول بملء الفيه أنها مؤسسات تربوية كما كنا نسمعه ونعيشه بالأمس، قبل أن ترفع يد العناية بالتلميذ من طرف المدرس، الذي اكتفى بتلقين الدروس وانتظار الحفظ والاستظهار من طرف التلميذ في انتظار وضع النقطة، وذلك في غياب تام لجو التواصل التثقيفي والتربوي الفعال بين الأستاذ وتلامذته.
نعود لصلب الإشكال المتعلق بصلة اللغة العربية بمسألة التعليم، لنقول إن نظامنا التعليمي يحتاج إلى روح التجديد في اللغة وتطوير أدائها داخل منظومة التعليم، وذلك عبر خلق مساحات لتقريب أدائها بين اللغات العالمية التي فرضت وجودها بين ظهرانينا بقوة العلم وسلطة المعارف الحديثة والمعاصرة.

أن تكون من بين وصفات العلاج زيادة ورم خبيث في لب الأداة التي بها نبني فكرا وثقافة وحضارة ومستقبلا، بالنزول بمستوى التدريس إلى أسفل الاستخفاف بدور اللغة الفصحى وإحلال اللهجة العامية مكانها بالتدريج، فهذا هو العبث الذي يعاب على النخبة التي طبخت لنا هذه الوصفة السريعة

فاللغة ما هي إلا وعاء تعبر بواسطته كل حضارة وثقافة عن مستوى وجودها بين الحضارات والثقافات، والعيب ليس في لغة حية متطورة أو بإمكانها التطور لنهجر الإهتمام بها، بل العيب يوجد في الذات المعطوبة. حين يمرض شخص ما، يكون في وضعية السقيم طريح الفراش، فتكون لغته معبرة عن سقمه، وحديثه يدور حول أجواء السقم وما يترتب عليه من ضعف أداء الجسد وانهيار الحالة النفسية للسقيم، وقس على هذا المثل ما تتخبط فيه الأمة من أسقام تطال التعليم والبحث العلمي والنتاجات الفكرية وقطاعات مثل الصحة البدنية والنفسية وهلم أمراض اجتماعية… وطبيعي أن يعكس أداء اللغة حالة التخبط والتأخر والتبعية التي نحن عليها اليوم.

إقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: داروين، القرد، آدم والمقرر المدرسي

لكن، أن تكون من بين وصفات العلاج زيادة ورم خبيث في لب الأداة التي بها نبني فكرا وثقافة وحضارة ومستقبلا، بالنزول بمستوى التدريس إلى أسفل الاستخفاف بدور اللغة الفصحى وإحلال اللهجة العامية مكانها بالتدريج، فهذا لعمري هو العبث الذي يعاب على النخبة التي طبخت لنا هذه الوصفة السريعة كما لو كانت تعد لزبنائها الباذنجان بدون توابل ومقادير واستواء ينضج الطابق المقدم لوجبات الدرس لهذا الموسم الدراسي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *