من مصر، ماجد سنارة يكتب: اقتلوهم… إنهم مرتدون! - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، ماجد سنارة يكتب: اقتلوهم… إنهم مرتدون!

إن الوصاية التي تحاول المؤسسات والتنظيمات الدينية ممارستها على المجتمعات لن تخلق إلا مزيداً من الهشاشة، فالعقل لا يخاطب إلا بالعقل، ورب العقل لا يمكن أن يقف خارج حدود العقل.
المتشدقون بخطورة ترك المرتد حياً على الدين، إنما يفكرون بمنطق غريب، فالعقيدة الراسخة التي تعهد الله بحفظها لن يشقها خروج فرد أو حتى ملايين الأفراد. كما أن هذا المنطق يظهر الدين بمنتهى الهشاشة، وكأن صوت الفكر لا يخرسه إلا صليل السيف، والحقيقة أن الفكر لا يجاب عليه إلا بفكر، والله لن يتشبث بأحد لا يريده.

ماجد سنارة، كاتب مصري

يخرج من مكتبه برفقة ابنه، بشارع أسماء فهمي في مصر الجديدة. شابان يستقلان دراجة بخارية، يرقبان ظهوره بأعصاب متوترة. يربت المفكر على كتف ابنه. تبرق على ثغره بسمة وداع. يرفع أحدهما السلاح. لحظات… تخترق الرصاصات بطن المفكر… يسقط!

….

“إنهم قتلوا شخصاً مرتداً، مباح الدم، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، لأنها وظيفة حاكم وليست وظيفة فرد” …

هذه العبارة توجد ضمن نص شهادة الشيخ محمد الغزالي التي دافع فيها عن قاتل فرج فودة، بعدما تطوع لتقديم شهادته في المحكمة، وقد استند الشاب في قتله على عريضة تكفر “فودة” من علماء بارزين، منهم؛ محمد متولي الشعراوي.

الأمر لا يقتصر فقط على قتل المرتد الذي دخل الإسلام ثم تركه لأي سبب كان، بل تجاوزه للمولود على الإسلام. بالقياس على هذا، فإن المولود على المسيحية أو اليهودية لابد وأن يظل عليها.

حين لاح نور الإسلام في الأفق، حاول المشركون طمسه بكل السبل، بالترغيب والترهيب، باللين والعنف، محتجين على ذلك أن الإسلام يحمل في رسالته الانقلاب على معتقدات السلف، ومحاولة تمزيق النسيج المجتمعي الذي تتميز به مكة. هذا إضافة إلى أن البعض كان يؤمن بآلهته ويرى فيها الصواب المطلق، وبالتالي فإن أي محاولة للنيل منها أو السخرية من عابديها، ستقابل بالعنف.

اقرأ أيضا: علماء قتلهم الفقهاء… هؤلاء 6 من أهم علماء الإنسانية المسلمين الذين اتهموا بالزندقة والكفر (الجزء السادس والأخير)

الحقيقة أن المسلمين الأوائل عانوا الويلات من المشركين الذين اعتبروا أنهم “كفروا بدين السلف”. كانت أمنيتهم الأساسية حينها أن يدعهم المشركون وشأنهم في اعتناق الدين الجديد. ثم، حين انتشر الإسلام وامتلك القوة، تبدلت الأدوار… لكن بشكل أفظع!

منذ حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق، صار من المتعارف عليه أن المرتد عن الإسلام يستتاب وإن لم يعد يُقتل، استناداً إلى قول منسوب للرسول يقول فيه: “من بدل دينه فاقتلوه”[1]…

الحقيقة أن الفكر لا يجاب عليه إلا بفكر، والله لن يتشبث بأحد لا يريده

الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه عند الإمام الشافعي الذي قال: “من ارتد عن الإسلام إلى أي كفر، كان مولوداً على الإسلام، أو أسلم ثم ارتد، قُتل. وأي كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة، ثم تاب لم يُقتل، فإن لم يتب قُتل، امرأة كانت أو رجلا، عبداً أو حراً”[2]…

اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: الوصايا العشر لإصلاح علاقة الإسلام بهذا العصر

الأمر لا يقتصر فقط على قتل المرتد الذي دخل الإسلام ثم تركه لأي سبب كان، بل تجاوزه للمولود على الإسلام؛ كأن الإنسان الذي خلقه الله حراً لا بد أن يكون مرغماً على أحد أهم مكوناته، حتى قبل أن ينضج ويدرك ويفكر ويحلل ويقرر عن اقتناع اعتناق الدين من عدمه.

بالقياس على هذا، فإن المولود على المسيحية أو اليهودية، لابد وأن يظل عليها. بل حتى هؤلاء الذين لا يؤمنون بدين أو إله، لأن القاعدة التي شرعها الشافعي وغيره من الأئمة، هي أن لا تفكير، لا تحليل، لا دراسة، لا اقتناع… فهي تشرع بالضرورة لجبرية العقيدة، والمجبر على شيء دون اختيار، مرفوع عنه الاختبار، مُعفى من الحساب.

إن الوصاية التي تحاول المؤسسات والتنظيمات الدينية ممارستها على المجتمعات لن تخلق إلا مزيداً من الهشاشة، فالعقل لا يخاطب إلا بالعقل، ورب العقل لا يمكن أن يقف خارج حدود العقل.

الأمر الغريب الذي يضرب بكل ما سبق عرض الحائط، هو ما جاء في القرآن، حيث قال الله: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”[3]… وخاطب رسوله في آية أخرى: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”[4].

في نفس الآية، يمكننا أن نقرأ: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً”[5]… حتى أن القرآن، حين تحدث عن المرتدين صراحة وفي مواضع كثيرة، لم يأتِ أمرا واضحا وصريحا بقتلهم، بل كانت العقوبة مرتبطة بالآخرة والخلود في النار: “ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”[6].

حرية العقيدة مكفولة إذن حسب النص القرآني، وذلك حتى يكون للاختبار جدوى حين التخيير. لذلك بالذات هناك ثواب وعقاب… وإلا، فلمَ وجدت الجنة والنار؟!

اقرأ أيضا: هل يثق المغاربة في علماء دينهم؟

معتنقو كل عقيدة يرون فيها الصواب المطلق. لكن، إذا أخذنا بمنطق هؤلاء الفقهاء، وبما أن الإسلام هو أحدث ديانة سماوية، فلم يكن لأحدٍ “تبديل دينه” والدخول في الإسلام، لأنه سيُقتل حينها من طرف “فقهاء” ديانته الأصلية! كما أن الحديث الوارد في صحيح البخاري كان مطلقا  وليس مقيدا بدين واحد. كذلك، فإن المعنى ملتبس، إذ أن تبديل الدين ليس بالضرورة الخروج منه، وإنما تغيير جوهره وتحريف أصوله، والتعدي على آياته المحكمات!

أما المتشدقون بخطورة ترك المرتد حياً على الدين، إنما يفكرون بمنطق غريب، فالعقيدة الراسخة التي تعهد الله بحفظها لن يشقها خروج فرد أو حتى ملايين الأفراد. كما أن هذا المنطق يظهر الدين بمنتهى الهشاشة، وكأن صوت الفكر لا يخرسه إلا صليل السيف، والحقيقة أن الفكر لا يجاب عليه إلا بفكر، والله لن يتشبث بأحد لا يريده.

الوصاية التي تحاول المؤسسات والتنظيمات الدينية ممارستها على المجتمعات لن تخلق إلا مزيداً من الهشاشة، فالعقل لا يخاطب إلا بالعقل، ورب العقل لا يمكن أن يقف خارج حدود العقل.

اقرأ أيضا: ملف “مرايانا”: الشك… بين انفتاح النص وتطرف الفقهاء. 1/3

وإن كان لابد من الاستتابة، فلتترك مدى الحياة مثلما ذهب لهذا بعض علماء الأزهر. ولعل ما حدث في صلح الحديبية يكون حاملاً لإجابة شافية على هؤلاء المهووسين بالدم، حين اشترط سهيل بن عمرو على النبي: “من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا”. فقال الصحابة: يا رسول الله، تكتب هذا؟ قال: نعم… إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له مخرجاً وفرجاً”[7]

فالله ورسوله لم يشرعا لقتل أحد لا يريد الاستمرار في الإسلام عن اقتناع، وسيظل اغتيال المفكر فرج فودة وصمة عار على جبين قاتليه كلعنة لن يمحيها الدهر… رحم الله فرج فودة!

اقرأ أيضا: الإلحاد في تاريخ الإسلام: حين استنفدت الروح العربية قواها الدينية! (الجزء الأول)

[1] صحيح البخاري
[2] مختصر المزني/ إسماعيل بن يحيى المزني.

[3] سورة الكهف/ الآية 29
[4] سورة يونس/ الآية 99
[5] نفس الآية السابقة
[6] سورة البقرة \ الآية 217
[7] صحيح مسلم/ كتاب الجهاد.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *