حزن الظن. حديث الحرية الحزين: أنت حـُـرّ… إن تحِـــرْ..انتحــــر(2) - Marayana - مرايانا
×
×

حزن الظن. حديث الحرية الحزين: أنت حـُـرّ… إن تحِـــرْ..انتحــــر(2)

التقاط خمسة حروف من الابجدية العربية وبنفس الترتيب: ألف، نون، تاء، حاء، راء، ليس فقط لعبة لغوية. إذ يمكن وضع الصلة بين الحروف الخمسة ضمن منظومة نفسية في الذات العربية …

التقاط خمسة حروف من الابجدية العربية وبنفس الترتيب: ألف، نون، تاء، حاء، راء، ليس فقط لعبة لغوية. إذ يمكن وضع الصلة بين الحروف الخمسة ضمن منظومة نفسية في الذات العربية التي بمجرد ما يتعلق الأمر بأوكسجين حياة كل فرد من بين سبعة ملايير إنسان في الكرة الأرضية: الحرية، تتساقط الأسئلة للتَّوِّ كهبوب رياح السَّمُوم الحارة الجافة المحملة بأتربة التعاسة.

بمتوالية إشكالية: أنت حُرّ…إن تَحِــرْ…انتحِــــرْ، يتوجه المتكلم نحو المخاطَب بِتَحَدٍّ مُرَكَّزٍ وهو يعلم أنه في مأزقٍ ما…يضعه أمام “مسؤوليته”، والمخاطب في لحظة دوخة لا يدري من أين يبدأ وأين ينتهي. فلربما وجد نفسه في ورطة أو أزمة وظهره ملتصق بالحائط، وليس أمامه فسحة للهروب أو المراوغة أو حتى التأويل… ليس له مخرج من أزمته، و من فرط “التلفة”، يفقد القدرة على إعمال العقل، فيبادره المتكلم بوضعه أمام “حرية” التفكير في الحل وتحمل التبعات. ولأن المتكلم يعلم أن المخاطب مضغوط في زاوية حادة أو تحت صخرة صاعقة أو محل تهمة جاهزة مقرفة تأتي متواليته لتضع المخاطب أمام خارطة طريق بارقة بسرعة الضوء: أنت حُرّ…إن تَحِــرْ…انتحِــــرْ…

في عهد الثورات الدينية انتصرت العبودية على الحرية، وبدل الحل الواضح البسيط: إلغاء العبودية، تَـــمَّ التطبيع معها في عدة أشكال

اللعب بنفس الحروف وبنفس الترتيب (ا،ن،ت،ح،ر) ، مع بعض توابل الشكل كتابة، ومخارج الحروف شفاهة، “يشقلب” المعنى ومعه الحالة النفسية ما بين الحريّة والحيرة والانتحار. من قمة السعادة (لحظة حرية) انحدارا نحو فقدان بوصلة اللحظة (الحيرة) إلى “اختيار” السقوط من فوق صخرة الحياة نحو هاوية الموت (الانتحار)، أو لحظة حرية اختيار النهاية الأبدية. ويا لها من حريّة..

أنت حُـــرٌّ

ها نحن في لحظة فك الارتباط الأول بين العبد والعبودية، كما تحكي الأسطورة عن عنترة بن شدّاد. ليس النظام سوى نظام عبودية. ومن باب الحاجة الماسة للسيد كي يثبت نبله وشهامة موقعه الاعتباري المعنوي، ولكي يلقي الظلال على ما قد يكون اقترفه من خسة في لحظة مالية أو صدامية يريد استرجاع توازنه وتأكيد استحقاق السيادة، يعتق عبدا.  تساءل العروي عن الحرية عند العرب كمفهوم فلاحظ استعمالها ضمن نظام العبودية. حيث كان المقام الطبيعي والمقام الفلسفي يقران معا بوضعية “عادية” حيث “اقتنع”، البشر – عبر ميكانزم البقاء للأقوى وتراكم عوامل القوة- بضرورة إخضاع جزء من مجموعته البشرية، كي يجعلها ضمن وسائله وأدواته المادية لينعم الجزء الثاني بمعالم المجتمع البشري أمنا واستمرارا ونفوذا وانتشارا. فحريةُ جزءٍ بقيتْ مشروطة بعبودية جزء.

إقرأ لنفس الكاتب: حزن الظن: اختراع عجلة الحرية وبعدها… فرملة الطابو(1)

في حدود “أنت حر”، نجد أنفسنا أمام حالة انفراج، حالة إطلاق السراح من زنزانة العبودية إلى فضاء الحرية الطلق، تماما كما لحظة البوح ب”أنت حر” من طرف مالك العبد المسمى عنترة بن شدّاد…أما استتباع “أنت حر…إن تحر…انتحـــرْ” فتلك مأساة العبد الذي يجد نفسه مثقلا بالسلاسل يُخَيَّرُ بين مصارعة الوحش المفترس بعد قليل أو إن يشأ فلينتحر قبل ذلك…عبيد روما.

إن تَحِــــرْ

لنتخيل أنفسنا أمام شخص حائر متردد مأزوم في عجلة من أمره، غريق يمد يده لمسعف يستعجله صيغة للخروج من حيرته.

لو كان الشخص المجابه للشخص الحائر ذا نية متضامنة داعمة منقذة، فسيتَّبِعُ متوالية اليسر بعد العسر، فيشعل شمعة أمام الحائر ليتبين له مخرجا من نفقه المظلم رغم ضيق المأزق وانتهاء المهلة الزمنية الكافية للإنقاذ. أما إذا كان الشخص المجابه للشخص الحائر متربصا به للانتقام منه وعازما على الدفع به نحو الدرك الأسفل حتى الاختناق، فلسوف يفتش بسرعة عن كيفية خنقه وهو في مأزقه فيوجه له الضربة الأخيرة الكفيلة بتخلصه منه إلى الأبد.

ترويج خطاب الثورة ضد الظلم (قوانين الرومان وقواعد الإسلام) بقي ملتبسا بصدد العبودية المتداولة في الأعمال والأسواق، فقد سجلت حركتا سبارتاكوس (الرومان) والقرامطة (الإسلام) موقفا عمليا ضد اللبس المزمن.

تلك كانت لحظة انتقام المنتصر الحقود وهو يتلذذ بوضع المنهزم أمام اختيارين نهايتهما، النهاية الأبدية: الموت. إما قتله بكيفية شنيعة موغلة في التعذيب المريع وإما التخفيف من الشناعة بدعوته للانتحار. وهذا النوع من كرم القاتل ما زال مجسدا في الرغبة الأخيرة التي تمنح للمحكوم بالإعدام قبل إعدامه بدقائق.

دعنا من ضيق اللحظة، لنوسّع مخيال الوضع الاجتماعي المستدام الذي يولّدُ الحيرة المديدة في النفسية والذهنية لتتكيف بنيويا داخل المؤسسات فتنظم المناظرات الفلسفية لتمطيط تناقضات الوضع عبر بهلوانية الكلام وتسييل الوعي. فتصبح اللغة محل قوادة ثقافية.

إقرأ أيضا: “الجزيرة” التي تحكم المغرب…  

يتجسد القبول بهذا الوضع تحت سقف ديمقراطية أثينا، ديمقراطية الأقلية القائمة على التسليم بعبودية الأغلبية. هذا التناقض يسبب الحيرة. بحيث يستحيل على العقل المنسجم أن يقبل بوضع ملتبس. ولأن الوضع الاجتماعي بمؤسسات المجتمع لصنع الخير ومؤسسات الدولة لتقليص الشرر، لم يمنع حالة تحكم أقلية الأحرار في أغلبية العبيد، بل أنشأ المؤسسات الكفيلة برعايتها. بل تنفس الناس هواءهم الفكري وفق هذا الوضع المتناقض، فأنتج مثقفو الأقلية الحرة خطاب السفسطة. بحيث تكيفت أقدس الكلمات مع هذا الوضع الملتبس. كلمة “الفضيلة” عند اليونان مثلا، تفعيل لتحكم الأقلية في الأغلبية. بحيث عنت حتى في المثلية عندهم كون الحر فاضلا ما دام مثليا فاعلا، بينما تلتصق الرذيلة بالحر إذا مكّن العبد من نفسه (المثلية المفعولة passive). مما ترجم السفسطة إلى خطاب ملاءمة يشرعن تناقضات نظام العبودية.

الارتباك والتناقض الذي عانى منه العقل البشري هو الذي يفسر مدرسة السفسطائيين الذين تمرنوا على إثبات الشيء وضده كفلاسفة يونانيين. ولعل نظام “بدون” المعمول به في بلدان الخليج اليوم لإخضاع الأغلبية المنتجة تحت سلطة أقلية مالكي الثروة بقايا من حالة اسبارطة الأقل تطورا حتى من “ديمقراطية” أثينا. عند اليونان في الماضي وخليج اليوم، ينخفض المقام “الفلسفي” ليقر تقليص الحرية لفائدة الأقلية وإعدامها في حالة الأغلبية كمقام “طبيعي”. حالة إعلام الجزيرة والخليج عموما شكل تطبيقي من السفسطة النظرية. قاعدة عايديد لأمريكا والصخب الصوتي للعرب، من صدف الوقت أن اصفرار أوراق عشب ما بعد الربيع حمل خريف الجزيرة أيضا…

ولعل عروبة الخليج لم تتجاوز لحظة الحرية الممنوحة لعنترة بن شداد. أما الحرية المنتزعة التي عُبِّرَ عنها من طرف شعراء الجاهلية المنتفضين غير عنتر، فقد تسببت لهم في نعت تحقيري بسبب ثورتهم الشعرية ونظامهم الاجتماعي الخارج عن قواعد القبيلة: الصعاليك.

ولعل عروبة الخليج لم تتجاوز لحظة الحرية الممنوحة لعنترة بن شداد. أما الحرية المنتزعة التي عُبِّرَ عنها من طرف شعراء الجاهلية المنتفضين غير عنتر، فقد تسببت لهم في نعت تحقيري بسبب ثورتهم الشعرية ونظامهم الاجتماعي الخارج عن قواعد القبيلة: الصعاليك. فارتفاع المقام الفلسفي لهذا النوع من الشعراء المنتفضين تسبب لهم في مقام “طبيعي” خفيض.

إن تَحِـــرْ أمام تناقضات نظام اجتماعي قائم على الاستغلال، فلكي لا تنتقل إلى ثورة سبارتاكوس والقرامطة، ننتج لك خطابا تضليليا يقوم على الاستعمال الشكلي للمقاربة ونقنعك بالشيء وضده. فتكون السفسطة جوابا على الحيرة التي أصابتك. ومن يقول إن “العقل السليم في الجسم السليم” وهي يونانية الأصل، لم تعنِ بدايةً الجسم الرياضي كما نتوهّم، بل أراد بها السفسطائيون أن الجسم السليم هو جسم الحر الذي لم يتم خصيه وتعطيل دوره الجنسي التوالدي، بينما الجسم السقيم هو جسم العبد المخصي. وبالتالي فعقل العبد عقل مضطرب منشغل بالعطب الذي أصابه في جهازه التناسلي.

اِنْتَحِــــرْ

ولأن ترويج خطاب الثورة ضد الظلم (قوانين الرومان وقواعد الإسلام) بقي ملتبسا بصدد العبودية المتداولة في الأعمال والأسواق، فقد سجلت حركتا سبارتاكوس (الرومان) والقرامطة (الإسلام) موقفا عمليا ضد اللبس المزمن.

من صدف الوقت أن اصفرار أوراق عشب ما بعد الربيع حمل خريف الجزيرة أيضا…

ليس من العبث أن تصبح العقوبات الرومانية مشتملة على قرار فرجة تسليم العبيد الثائرين للأسد وسط ساحة مخصصة للمصارعة القاتلة حتما. إذ يتبدل القتل بواسطة الجلاد عن طريق آلة حادة، كما لو كان فرصة بين الانتصار المستحيل على وحش مفترس أو الموت المحقق عندما يتمكن الوحش من افتراس العبد المحكوم عليه بالمصارعة غير المتكافئة.

في هذه الحالة تصبح المصارعة ممارسة للحرية المميتة بدل الانتحار أو شكلا من أشكاله. وهو ما تغيرت ظروفه عبر العصور. فموت سقراط بالتجرع الذاتي للسم انتحار بطولي. لهذا قيل: تعددت الأسباب والموت واحد.

إقرأ أيضا: حزن الظن: معركة وادي المخازن أو عندما يَصُمُّ رنين الذهب عقل التاريخ

هكذا، تجسد الترابط الحتمي بين الحرية والمركز الاجتماعي البعيد عن الضعف. فتقلصت الحرية داخل فئة الأسياد. بحيث جسَّدت امتيازا قائما على اختلال حيواني بين الأقوياء والضعفاء ولو بالوراثة. الأحرار والعبيد ولو بالوراثة.

وإن شاء أحدهم أن يثور على “مقامه الطبيعي” لينقل الإشكال إلى المقام الفلسفي، يكون أمام خطاب التضليل/السفسطة.

في عهد الثورات الدينية انتصرت العبودية على الحرية، وبدل الحل الواضح البسيط: إلغاء العبودية، تَـــمَّ التطبيع معها. وذلك في عدة أشكال:

الشكل الأول: اعتراف عبد الأرض(القديس أوغوستين) للسيد السماوي. ومن مضاعفاته صكوك الغفران، وما نتج عنها من أشكال الاستغلال من طرف من نصبوا أنفسهم (الرهبان الكاثوليك) وسطاء بين عبد الأرض وسيد السماء. نتج عنه حركة الإصلاح الديني في القرن 16.

ولعل نظام “بدون” المعمول به في بلدان الخليج اليوم لإخضاع الأغلبية المنتجة تحت سلطة أقلية مالكي الثروة بقايا من حالة اسبارطة الأقل تطورا حتى من “ديمقراطية” أثينا.

الشكل الثاني: الخضوع للأمير بمجرد ما يعلن أنه على المذهب الديني للأغلبية من جانب عبد الأرض لفائدة سيد الأرض: العبودية الطوعية (إيتيين دو لا بواسي).

كان نقل استعمال المطبعة من الصين (ق 10) إلى أوربا (ق 15) حاسما في فك احتكار المعرفة من طرف رهبان الكنيسة. مما فكك الهندسة القديمة لنظام التعليم ووسّع توزيع ثروة الأفكار والتجارب والفلسفة.  فتوسعت حرية الاطلاع وتكافأت فرص المحاججة. فأصبح للنبلاء دور في دعم الثقافة الموسوعية. نافسوا به دور الكنيسة في تقوية التدين والأنصار. وعبر التنافس بين الرهبان والنبلاء مرت رياح الحرية الفكرية.

الكتاب… الطباعة، هذه الثنائية المنتقلة من الكتاب إلى الطباعة، من العلم إلى التكنولوجيا، هو ما أنقذ أهل الكتاب جميعا من العودة إلى الفيء والسبايا والصراع المذهبي وتجارة صكوك الغفران….تلك فسحة أخرى أطلقت عصافير الحرية لتحط أبولو فوق سطح القمر….وقت غنى عبد الحليم مداح القمر….بعدما لمعت عيون فيروز تحت أشعة القمر: أنا والقمر سهران….

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *